أزمة التقاعس المناخي.. 22 دولة من أصل 130 تُحسّن أهدافها في الطاقة المتجددة
أزمة التقاعس المناخي.. 22 دولة من أصل 130 تُحسّن أهدافها في الطاقة المتجددة
في لحظة فارقة من التاريخ البشري، حيث بات تغيّر المناخ يشكل تهديدًا مباشرًا لحقوق الإنسان في الحياة، والصحة، والغذاء، والمأوى، والمياه، تُسجل الحكومات العالمية فشلًا مدويًا في تنفيذ أحد أبرز التعهدات المناخية: مضاعفة قدرة العالم على إنتاج الطاقة المتجددة ثلاث مرات بحلول عام 2030.
وكان ينظر إلى هذا التعهد الذي أُقرّ ضمن مخرجات مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (COP28) في دبي، باعتباره الإجراء المفصلي الوحيد في هذا العقد للحفاظ على المسار الذي يحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى أقل من 1.5 درجة مئوية، لكن، كما تؤكد عدة تقارير حديثة، بات هذا الهدف مهددًا بشكل خطير.
بحسب تقرير مركز أبحاث المناخ "إمبر"، الذي صدر أمس الأربعاء، لم تُحدث سوى 22 دولة -معظمها من دول الاتحاد الأوروبي- تعديلًا إيجابيًا في طموحاتها بمجال الطاقة المتجددة منذ عام 2023، أي بعد انضمام أكثر من 130 دولة إلى ميثاق الأمم المتحدة لمضاعفة الطاقة المتجددة، ما يعني أن النسبة العالمية لنمو هذه الطموحات لا تتجاوز 2%، وهي نسبة لا تضع العالم على المسار الصحيح، إذ تُشير التقديرات إلى أن قدرة الطاقة المتجددة لن تتجاوز 7.4 تيراواط بحلول 2030، مقارنة بالحاجة إلى 11 تيراواط لتحقيق هدف الأمم المتحدة، وفقا لتقرير أعدته صحيفة "الغارديان".
ولا يعد هذا التقاعس مجرد إخفاق سياسي أو إداري، بل هو فشل أخلاقي وحقوقي، إذ يُفاقم من المخاطر التي يتعرض لها ملايين البشر حول العالم من كوارث مناخية متزايدة، وارتفاع في درجات الحرارة، واضطراب سلاسل الغذاء، وتراجع الأمن المائي.. وبالتالي يُقوّض هذا الفشل فرص تحقيق العدالة المناخية، ويؤخر الانتقال العادل إلى اقتصاد منخفض الكربون.
ميثاق الطاقة المتجددة
رغم التوقيع على ميثاق الطاقة المتجددة، أظهر تقرير "إمبر" أن العديد من الدول الكبرى لم تقم بتحديث أي من أهدافها المناخية، بل إن بعضها خفّض من سقف التزامه، كما فعلت المكسيك وإندونيسيا، بينما ظلت الهند، رغم احتفاظها بأهدافها السابقة، على المسار المطلوب لبناء 500 غيغاواط من الطاقة المتجددة بحلول 2030.
ووفقا لتقرير لـ"بلومبيرغ" تكمن المفارقة الأكبر في موقف الدول الثلاث الأكثر تلويثًا للكوكب: الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، والتي لم تحدد أي أهداف جديدة للطاقة المتجددة لعام 2030، رغم مسؤوليتها المشتركة عمّا يقرب من نصف انبعاثات الكربون السنوية عالميًا، ويعني غياب الأهداف لدى هذه الدول أن اتفاقية الطاقة المتجددة باتت، فعليًا، في مهب الريح
وعلى الجانب الآخر من المشهد، يكشف تقرير أعدته صحيفة "فايننشيال تايمز" عن مفارقة بارزة: في عام 2024، شكّلت مصادر الطاقة المتجددة 92.5% من إجمالي الإضافات الجديدة في سعة توليد الكهرباء على مستوى العالم، في ظل انخفاض كبير في تكلفة إنتاجها مقارنة بالوقود الأحفوري، وصرّح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأن الوقود الأحفوري "يُستنفد"، وأن التمسك به "لا يحمي الاقتصادات، بل يُخربها".
وأكد غوتيريش أن الاستثمار في الطاقة النظيفة بلغ تريليوني دولار عام 2024، أي أكثر بـ800 مليار دولار من الاستثمارات في الوقود الأحفوري، ما يعكس تحولًا اقتصاديًا كبيرًا.
دعم الوقود الأحفوري
لكن رغم هذا التقدم التكنولوجي والاقتصادي، ما زالت الحكومات تُنفق على دعم الوقود الأحفوري بنسبة 9 إلى 1 مقارنة بدعم الطاقة النظيفة، ما يُعد "تشويهًا فاضحًا للسوق" كما وصفه غوتيريش، ويعرّض المجتمعات الفقيرة والنامية لمزيد من الهشاشة المناخية والاقتصادية.
ولا بعد الفشل في تحقيق مضاعفة الطاقة المتجددة مسألة بيئية أو اقتصادية فحسب، بل هو انتهاك واضح للحقوق البيئية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فبحسب المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة، فإن الحق في بيئة سليمة هو حق من حقوق الإنسان، ويفرض على الدول التزامات إيجابية بحماية الأفراد من الأضرار البيئية المتوقعة، والعمل على تفاديها من خلال السياسات الوقائية.
ويهدد استمرار الاعتماد على الوقود الأحفوري الحق في الحياة، ويزيد من مخاطر النزوح المناخي، ويُفاقم من اللامساواة بين الشمال والجنوب العالمي، إذ تتحمل الدول النامية العبء الأكبر من الكوارث المناخية رغم مساهمتها المحدودة في الانبعاثات.
وأشار تقرير للأمم المتحدة إلى أن ثلاثة أرباع سكان العالم يعيشون في دول تستورد الوقود الأحفوري، مما يجعلهم عرضة لتقلبات الأسعار، والاضطرابات الجيوسياسية، وانقطاعات الإمداد، هذا لا يهدد أمن الطاقة فقط، بل يُهدد الاستقرار المجتمعي والاقتصادي، ويزيد من هشاشة الفئات الضعيفة.
فرصة لتحقيق المسار
وحذر تقرير بلومبيرغ من أنه إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن فرصة تحقيق المسار البالغ 1.5 درجة مئوية ستُفقد إلى الأبد، ولكن لا يزال هناك وقت للتدارك، والمطلوب هو إرادة سياسية حقيقية، وإعادة توجيه الدعم من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة، وضمان مشاركة المجتمع المدني والفئات الأكثر تأثرًا في صنع السياسات المناخية، لضمان عدالة توزيع الأعباء والفوائد.
وكما قال غوتيريش، الطاقة المتجددة، ليست فقط أداة لإنقاذ الكوكب، بل هي أداة للعدالة والكرامة الإنسانية، "لا توجد ارتفاعات في أسعار ضوء الشمس، ولا حظر على طاقة الرياح".
وبين طموحات دولية مُعلنة، وسياسات وطنية متعثّرة، يبرز الفشل في مضاعفة الطاقة المتجددة كمؤشر على أزمة أعمق: أزمة التزام دولي بحقوق الإنسان في مواجهة أزمة المناخ، وإذا لم تُقابل هذه الأزمة بتحرك عالمي جاد، فإن الأجيال القادمة ستدفع الثمن، ليس فقط في ارتفاع درجات الحرارة، بل في فقدان الحقوق، والأمل، والاستقرار.