الموت جوعاً ومرضاً في غزة.. ونداءات الإغاثة تواجه الصمت
الموت جوعاً ومرضاً في غزة.. ونداءات الإغاثة تواجه الصمت
وسط أنقاض الحرب والمجازر المتواصلة منذ أكثر من عشرة أشهر في قطاع غزة، يستمر عمال الإغاثة التابعون للأمم المتحدة في دق ناقوس الخطر بشأن الوضع الإنساني المتدهور، وقد حذّرت الفرق الطبية من أن المستشفيات هناك توشك على الانهيار التام، وهي تعمل حاليًا بما يفوق طاقتها القصوى، في وقت تتدفق فيه الإصابات الجماعية والجرحى بشكل يومي.
وفقًا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، هناك ثماني حوادث إصابة جماعية تُسجَّل يوميًا، ما يعني عبئًا متزايدًا لا يمكن لأي نظام صحي أن يتحمله، خصوصًا في ظل نقص الأسرة والمعدات الطبية وانعدام الأدوية الأساسية.
مرض نادر يفتك بسكان غزة
في تطور مأساوي آخر، أكد مسؤولو الأمم المتحدة وفاة ثلاثة فلسطينيين، بينهم طفلان، بسبب متلازمة “غيلان باريه”، وهو مرض عصبي مناعي نادر يسبب شللاً عضلياً تدريجياً.. وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن 30% من المصابين بهذه المتلازمة يحتاجون إلى رعاية مركزة، في حين أن غزة تفتقر حاليًا إلى الدواء الوحيد المتوفر لعلاجها، وهو "الغلوبولين المناعي الوريدي".
قبل اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، لم يكن يُسجَّل في غزة سوى عدد محدود من الحالات سنويًا، ما يشير إلى تأثير البيئة المحاصرة والصدمات النفسية والجسدية المتكررة في تفشي المرض.
الجوع يفتك بنصف مليون شخص
أعاد برنامج الأغذية العالمي التأكيد على أن عمليات إنزال المساعدات جواً غير كافية لمنع الكارثة المتفاقمة، مشيرًا إلى أن ما لا يقل عن 500 ألف شخص في غزة يعانون من الجوع الحاد اليومي.
وقالت المديرة التنفيذية للبرنامج، سيندي ماكين، إن الوضع يتطلب إدخال مساعدات غذائية بكميات ضخمة عبر البر، محذرة من أن الوقت ينفد وأن التأخير في توفير الغذاء على نطاق واسع سيؤدي إلى مجاعة شاملة يصعب عكس آثارها.
رغم سماح السلطات الإسرائيلية مؤخرا بدخول عدد محدود من شاحنات البضائع التجارية، فإن أثرها كان محدودًا، إذ لا تزال الأسواق في غزة تعاني من غياب شبه تام للبيض والدجاج واللحوم، وفي واقعة صادمة، بلغ سعر كيس سكر صغير يزن 57 غرامًا نحو 170 دولارًا، وهو مؤشر فادح على انفلات الأسعار وفقدان السيطرة على السوق.
وبات معظم السكان يعتمدون على البقوليات والخبز، إن توفرا، لتلبية احتياجاتهم الغذائية الأساسية، وهي أغذية لا تكفي لسد الجوع، خاصة لدى الفئات الأضعف مثل الأطفال والنساء وكبار السن.
تستمر الوفيات الناتجة عن سوء التغذية في التصاعد، وأفادت وزارة الصحة في غزة بوفاة خمسة أشخاص خلال 24 ساعة فقط، ليصل العدد الإجمالي إلى نحو 200 حالة وفاة، نصفهم من الأطفال، ويؤدي سوء التغذية إلى ضعف المناعة، ما يزيد من احتمالية الإصابة بالأمراض ويعقّد فرص النجاة من الإصابات.
من جانب آخر، حذر شركاء الأمم المتحدة في المجال الصحي من أن أكثر من 100 طفل حديث الولادة، يحتاجون إلى حضّانات، باتوا في خطر شديد نتيجة شح الوقود اللازم لتشغيل هذه المعدات، وتشير التقارير إلى أن الوقود المتوفر لا يغطي سوى جزء يسير من الحاجات اليومية، مع تسجيل دخول نحو 300 ألف لتر فقط خلال اليومين الماضيين، وهي كمية تقل بكثير عن المطلوب.
منع دخول الكوادر الطبية وتدمير المستودعات
في تطور بالغ الخطورة، أكدت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 100 طبيب وجراح وأخصائي تم منعهم من دخول القطاع منذ مارس الماضي، في حين أدى تدمير المستودع الطبي الرئيسي التابع للمنظمة في دير البلح الشهر الماضي إلى أزمة مضادات حيوية غير مسبوقة.
وقد سُجلت مئات حالات الإصابة بالتهاب السحايا، وهو أعلى رقم منذ بداية الحرب، وسط غياب تام للعلاج المناسب، وتم اتخاذ إجراءات طارئة مثل إنشاء خيام للعزل في مستشفيات الأقصى والخير، لمحاولة احتواء التفشي.
جدد الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء في خمسة أحياء بمحافظتي غزة وخان يونس، ما فاقم معاناة آلاف العائلات، ولم يتم إدخال أي مواد إيواء منذ بداية مارس، في حين أن الأسعار المحلية أصبحت باهظة للغاية، وغير متاحة لغالبية السكان، ما يجعل النوم في العراء الخيار الوحيد أمام الآلاف.
واقع إنساني متفجر ومعاناة مستمرة
منذ بداية العدوان على قطاع غزة في أكتوبر 2023، قُتل عشرات الآلاف من المدنيين، غالبيتهم من النساء والأطفال، بينما تم تدمير مئات المرافق الحيوية بما فيها المدارس والمستشفيات ومراكز الإيواء، ومع تعمد استهداف البنية التحتية وتقييد دخول المساعدات، يعيش السكان في ظروف تُصنفها الأمم المتحدة ضمن أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث.
أكثر من 2.3 مليون نسمة، يعيشون في مساحة لا تتجاوز 365 كيلومترًا مربعًا، باتوا يواجهون خطر المجاعة الحقيقية، مع انقطاع الكهرباء، وانهيار نظام الصرف الصحي، وشح المياه الصالحة للشرب، كما أن تكرار استهداف قوافل المساعدات الإنسانية جعل الوصول إلى المتضررين مهمة محفوفة بالمخاطر.
وفي حين تطالب المنظمات الأممية بفتح ممرات إنسانية دائمة، وتوفير الحماية للعاملين في المجال الطبي والإغاثي، لا تزال الأطراف الدولية عاجزة عن فرض إجراءات فاعلة تضمن وقف إطلاق النار أو إنقاذ أرواح المدنيين.