في ذكرى الكارثة.. كاجي صوت من هيروشيما يروي مأساة الجحيم النووي
في ذكرى الكارثة.. كاجي صوت من هيروشيما يروي مأساة الجحيم النووي
في صباح السادس من أغسطس عام 1945، توقّف الزمن في مدينة هيروشيما.. توقّف عند لحظة واحدة فقط، حين سقطت أول قنبلة ذرية في التاريخ على مدينة تعجّ بالأطفال والعمال والمزارعين والطلبة.. 80 عاماً مرت، ولا تزال تلك اللحظة تحترق في ذاكرة فومياكي كاجي، أحد الناجين من الجحيم النووي، الذي لا يطالب بالثأر أو اللوم، بل بالحقيقة والإنسانية.
يروي كاجي، في مقابلة حديثة مع وكالة "نوفوستي"، اليوم الأربعاء، أن اليابان لم تكن بعيدة عن سباق السلاح النووي آنذاك، بل كانت تخطو نحوه.
تحدث الرجل بصوت متعب، يشبه صوت رجل يحمل مدينة كاملة على كتفيه، قائلا: "اليابان حاولت أيضًا صنع قنبلة ذرية.
وتابع: كان هناك علماء، منهم السيد هيديكي يوكاوا، الحائز لاحقًا جائزة نوبل، شارك في المشروع، وكان معهد الأبحاث الفيزيائية والكيميائية يسير في هذا الطريق، كانت لدينا المعرفة، لكن لم يكن لدينا اليورانيوم".
محاولة استيراد اليورانيوم
حاولت اليابان استيراد اليورانيوم من ألمانيا، كما يقول، لكن الغواصة التي كانت تحمله دُمرت في طريقها.
وعلى الرغم من ذلك، يؤمن كاجي أن امتلاك القنبلة لم يكن ليغير المصير: "حتى لو نجحوا، من الصعب تخيل أن اليابان كانت ستتمكن من إسقاطها على أمريكا".
لم يعد كاجي مهتمًا بمن أطلق النار أولاً، هو رجل ينظر إلى الغد، ويحمل في قلبه لغة السلام، وليس لغة المحاكمات.
يقول: "التقيت مع جنود أمريكيين، تحدثنا عن بناء مستقبل سلمي. الجدال حول الماضي لن يؤدي إلا إلى مزيد من الخصام"، لكن كلماته لا تعني النسيان، بل إن الذاكرة لا يجب أن تُستعمل كخنجر، بل كبوصلة إنسانية تمنع تكرار الخطأ.
حديقة شاهدة على الجريمة
في قلب هيروشيما اليوم، تقف "حديقة السلام" شاهدة على الجريمة، هناك، حيث كانت القنبلة قد انفجرت، توجد تلة على هيئة قبر جماعي، مغطاة ببوغودا بوذية، وتحتها رفات 70 ألف إنسان لم تُعرف أسماؤهم، فقط عُرفت نهايتهم.
وعلى النصب التذكاري المنحني وسط الحديقة، نُقشت عبارة تتحدى الزمن: "ارقدوا بسلام، هذا الخطأ لن يتكرر".
لكن العالم لم يتوقف عند الخطأ الأول؛ القنابل التي سقطت على هيروشيما ثم ناغازاكي بعد ثلاثة أيام، قتلت أكثر من 210 آلاف إنسان، معظمهم مدنيون.. قُتلوا ليس لأنهم حملوا سلاحًا، بل لأنهم وُلدوا في المكان الخطأ، في زمن الحرب.
حلم طفل نجا من الجحيم
كاجي، الذي نجا حين كان صبيًا، لم يكن يطلب الانتقام، بل العدالة، حلمه ظل بسيطًا: أن يستطيع أن يعيش في عالم لا يُكافأ فيه العلم بالموت، أن تُستخدم المعرفة لبناء المدارس والمستشفيات، لا لصناعة الكوارث.
اليوم، في المتحف التذكاري للسلام في هيروشيما، تُعرض شهادات الناجين، صور وأدوات محروقة، ودفاتر مدرسية توقفت عن تسجيل الحصص منذ 6 أغسطس 1945.
في هذا المتحف، ليس الهدف استدعاء الكراهية، بل تعليم الأجيال أن حياة الإنسان ليست ورقة تفاوض في صراع الدول.
كلمة من قلب محترق
في الذكرى الثمانين للكارثة، لا يتحدث كاجي عن السياسة، بل عن الأطفال الذين ماتوا عطشى، عن الجثث التي تحللت في الشوارع، عن الهواء الذي احترق.
يتحدث عن الإنسان، وعمّا يجب أن يحدث كي لا نكون نحن الجيل الذي أعاد الخطأ ذاته، بعد أن أقسمنا ألّا يتكرر.