هيروشيما وناغازاكي.. ثمانون عاماً على جرحٍ نووي لم يندمل

هيروشيما وناغازاكي.. ثمانون عاماً على جرحٍ نووي لم يندمل
مشهد من الحرب العالمية- أرشيف

تحيي اليابان هذا الأسبوع الذكرى الثمانين لأبشع كارثة نووية عرفها العالم، حين أطلقت الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي في أغسطس 1945، منهيةً الحرب العالمية الثانية، لكنها فتحت في الوقت نفسه باباً لجراح إنسانية ما زالت تنزف حتى اليوم.

في غضون أيام قليلة، تحولت مدينتان نابضتان بالحياة إلى رماد، وسقط أكثر من 200 ألف قتيل بين لحظة الانفجار والأشهر التالية، فيما عاش الناجون -المعروفون باسم “هيباكوشا”- حياتهم بين ألم الجسد وصدمة الروح، ووصمة اجتماعية طاردتهم لعقود، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، اليوم الاثنين.

جحيم القنبلة الأولى

في صباح السادس من أغسطس 1945، أقلعت القاذفة الأمريكية "إينولا غاي" وألقت أول قنبلة ذرية على هيروشيما، فانفجرت على ارتفاع 600 متر بقوة تعادل 15 ألف طن من مادة "تي إن تي". 

وفي لحظات، تحولت مساحة ثلاثة كيلومترات إلى جحيم ناري بلغت حرارته 7000 درجة مئوية، لتتفحم الأجساد وتذوب ملامح البشر في مشهد يفوق الوصف.

شهادات الناجين، مثل الشاب كويتشي وادا الذي كان يبلغ 18 عاماً وقتها، تصف جثث الأطفال المتفحمة وكأنها حجارة متناثرة، فيما غطت النيران كل ما يمكن أن تصل إليه. 

العمى المؤقت أو الدائم، الحروق العميقة، والاختناق الناتج عن حرائق التهمت الأكسجين، كانت مصائر آلاف الأشخاص في تلك الساعات الأولى.

ناغازاكي.. المأساة الثانية

بعد ثلاثة أيام فقط، في التاسع من أغسطس، عاشت ناغازاكي المصير نفسه.. قنبلة ثانية قتلت على الفور عشرات الآلاف، وأبقت خلفها مدينة مدمرة بالكامل، بين الركام، عانى الناجون من كسور وجروح مروعة، بينما طاردهم الخوف من الموت بالإشعاع في كل لحظة.

الهجومان، اللذان ظلا المثال الوحيد على استخدام السلاح النووي في الحروب، لم يقتلا فقط بأثر الانفجار، بل أطلقا موجات من التسمم الإشعاعي أصابت من بقي على قيد الحياة، لتظهر لاحقاً أمراض قاتلة مثل اللوكيميا وسرطان الغدة الدرقية، إلى جانب معاناة مستمرة من أعراض الغثيان والنزيف وتساقط الشعر.

وتشير الدراسات إلى أن أكثر من نصف الوفيات المباشرة في هيروشيما كانت نتيجة الحروق والحرائق، لكن الكارثة الحقيقية امتدت إلى سنوات لاحقة، مع إصابة عشرات الآلاف بالتسمم الإشعاعي الذي أدى لوفاتهم خلال أسابيع أو أشهر.

"مؤسسة أبحاث التأثيرات الإشعاعية اليابانية الأمريكية" التي تابعت نحو نصف مليون من الناجين، وثّقت مئات الحالات من السرطانات المرتبطة بالإشعاع، بينما لم تثبت زيادة كبيرة في التشوهات الخلقية، لكن الوصمة الاجتماعية ضد "الهيباكوشا" بقيت تؤثر على حياتهم، خاصة في الزواج والعمل.

تداعيات سياسية وأخلاقية

رغم أن بعض المؤرخين يرون أن القصف النووي عجّل بإنهاء الحرب وأنقذ أرواحاً كان يمكن أن تزهق في غزو بري، فإن هذه الحجج لا تخفف من مأساة من عاشوا الجحيم. 

واستسلمت اليابان في 15 أغسطس 1945، لكن الناجين حملوا رسالتهم الأهم إلى العالم: "لا للسلاح النووي".

وعلى مدى العقود، التقى "الهيباكوشا" بقادة العالم، من بابا الفاتيكان فرنسيس الذي وصف ما جرى بأنه "رعب لا يمكن وصفه" إلى الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي دعا من هيروشيما إلى عالم خالٍ من السلاح النووي.

العام الماضي، حصلت منظمة "نيهون هيدانكيو"، التي أسسها الناجون، على جائزة نوبل للسلام، تكريماً لنضالها ضد أسلحة الإبادة الشاملة.

ذاكرة العالم ودرس الإنسانية

اليوم، وبعد ثمانين عاماً، لا تزال هيروشيما وناغازاكي رمزاً للتحذير من سباق التسلح النووي، في وقت تتصاعد فيه التوترات العالمية. 

وتستعد أكثر من مئة دولة، بينها روسيا لأول مرة منذ غزو أوكرانيا، لإحياء ذكرى المأساة في ناغازاكي هذا العام، في رسالة إلى أن ذاكرة الشعوب لا تمحى، وأن الجرح النووي، رغم مرور الزمن، ما زال مفتوحاً في ضمير الإنسانية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية