بعد أوامر ترامب.. التدابير القسرية ضد المشردين في واشنطن بين القانون وحقوق الإنسان

بعد أوامر ترامب.. التدابير القسرية ضد المشردين في واشنطن بين القانون وحقوق الإنسان
التشرد في الولايات المتحدة

أثار أمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإبعاد المشردين فوراً من شوارع واشنطن جدلاً حاداً بين صانعي القرار والفاعلين الاجتماعيين، وحوّل أزمة اجتماعية في السكن إلى مواجهة سياسية سريعة الإيقاع، ما بدا كحل سريع لمشكلة المشاهد العلنية أعاد إلى الواجهة نقاشات أعمق عن أسباب التشرد: القوانين التي تسمح بتجريمه، وتكاليف الحلول القسرية مقارنة بالسياسات المبنية على الإسكان كحق أساسي. 

في سلسلة منشورات وبيانات خلال الأيام الأخيرة دعا الرئيس إلى إجلاء المشردين "فوراً” من العاصمة وهدد باتخاذ إجراءات تنفيذية قد تشمل نشر الحرس الوطني وقوات فيدرالية لدعم تلك الخطوات، مع وعود بإيجاد أماكن إقامة "بعيدة عن العاصمة".

وذكرت تصريحات رفيعة من إدارة المدينة وبيانات رسمية محلية أن بعض خطط الانتشار الفيدرالي لا تزال قيد البحث وأن ثمة خلافات حول الصلاحيات القانونية لتنفيذ عمليات مماثلة على أرض غير فيدرالية، وفق وكالة “رويترز”.

أرقام لا تُحتمل

وسجل أحدث تقرير رسمي للحكومة الاتحادية قفزة قياسية في عدد الأشخاص الذين عانوا التشرد خلال ليلة العدّ السنوية، ووثّق تقارير مؤسسات حقوقية أن نحو 770 ألف شخص كانوا يفتقرون إلى مسكن ثابت ليلة واحدة في آخر حصر وطني، بزيادة تجاوزت 18% على العام السابق، الزيادة شملت عائلات وأطفالاً وكباراً في السن.

بينما ارتفعت أعداد المشردين المزمنين الذين يحتاجون إلى دعم طويل الأمد، وعلى مستوى العاصمة، سجّلت إحصاءات محلية تراجعاً في عدد المشردين في العدّ الأخير، لكن ذلك لم يخفف المخاوف من ارتفاع معدلات التشرد إقليمياً، وهذه الأرقام توضح أن المشكلة هي أزمة وطنية هيكلية لا تُحلّ بعمليات إخلاء مؤقتة. 

لماذا الإبعاد ليس حلّاً عملياً؟

التجارب المحلية والدولية تؤكد أن إزاحة الناس قسرياً إلى "مناطق بعيدة" تؤدي إلى نتائج عكسية، منها تفكك شبكات الدعم، وفقدان الوثائق والأدوية، وانقطاع الروابط مع مقدمي الخدمات، وزيادة التعرض للعنف ودورات اعتقال جديدة.

 وتشير دراسات اقتصادية واجتماعية أيضاً إلى أن الإنفاق على إنفاذ إخلاءات ومكافحة التشرد غالباً ما يتجاوز تكلفة توفير وحدات سكنية وإجراءات استقرار قصيرة الأمد، إضافة لذلك، سيؤدي تشديد العقوبات وفرض الاحتجاز أو "العلاج القسري" إلى تضييق الحيز المدني وزيادة التكلفة القضائية والصحية للمجتمع.

ردود منظمات المجتمع المدني

قادة منظمات الإغاثة والإسكان انتقدوا التوجّه الفيدرالي القائم على الإبعاد أو الإجبار، ووصف حلفاء تقليديون في مجال السياسات السكنية الإجراءات بأنها "إخفاء للمشكلة" وليست استراتيجية لإسكان الناس، داعين إلى التركيز على دعم برامج الإسكان الدائم والنماذج المجتمعية المثبتة علمياً مثل سياسة "Housing First".

وقد حذرت منظمات حقوقية مثل الجمعية الأمريكية للحريات المدنية (ACLU) والأحزاب الحقوقية الدولية من أن الإجبار والتنفيذ بالعنف ينتهكان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة أو الحالات الصحية العقلية، ويطالبون بإجراءات تراعي القانون والإنسانية، بحسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

الأطر القانونية وحقوق الإنسان

خلال السنوات الماضية شهدت الولايات المتحدة نقاشاً قضائياً حاسماً حول أزمة المشردين حيث كان هناك حكم قضائي إقليمي اعتبر تجريم النوم في العلن غير دستوري حين لا تتوفر ملاجئ كافية، لكن قراراً لاحقاً للمحكمة العليا أعطى حكومات محلية سلطة أوسع لفرض عقوبات على التواجد في الأماكن العامة، مما زاد من الهشاشة القانونية لحقوق المشردين.

 على المستوى الدولي، أبدى خبراء الأمم المتحدة وأجهزة حقوق الإنسان قلقهم من تحويل التشرد إلى مسألة إنفاذ أمني بدلاً من حقوقية، معتبرين أن التزامات الدولة تجاه الحق في السكن والكرامة تفرض عليها أولاً تأمين بدائل سكنية وخدمات قبل أي نوع من العقاب أو الإبعاد. 

وتظهر البيانات المتوفرة أن الحلول المبنية على الإسكان توفّر على الخزينة وتحقّق نتائج أفضل في خفض التشرد المزمن وخدمات الطوارئ الصحية والعدالة الجنائية، كما أن التدفقات المالية إلى الإسكان المدعوم وتوسيع قسائم الإيجار ودعم برامج إعادة التأهيل يمكن أن تقلص عدد المشردين على المدى المتوسط، لذلك تبدو أي سياسة تفضّل الإبعاد أو الاعتقال قصيرة النظر ومكلفة على المستويين الإنساني والمالي، وفق شبكة "سي بي إس نيوز".

توصيات حقوقية

أكدت منظمات حقوقية ومراقبون ضرورة وقف فوري لأي إخلاء شامل دون خطط إسكانية ملموسة أي لا تُنفّذ عمليات الطرد قبل ضمان تسجيل كل شخص في نظام توجيه خدمات وإيجاد مكان سكن مؤقت لائق، مع استثمار فوري في الإسكان الدائم المدعوم من خلال توجيه موارد إلى وحدات سكنية قابلة للتوسيع وبرامج قسائم الإيجار التي ثبتت فاعليتها.

إضافة إلى ما سبق يجب مراجعة سياسات إنفاذ القانون المحلية وفحصها قانونياً لتفادي انتهاكات دستورية وحقوقية، وضمان وصول المشردين إلى محامين وممثلي حقوق الإنسان، ووضع برامج صحية ومجتمعية بديلة للعقاب: توسيع خدمات الصحة العقلية والدوائية خارج نطاق الاحتجاز القسري، مع تعزيز شبكات العمل الاجتماعي، مع وضع معايير زمنية واضحة لتقليص التشرد وربط التمويل الفيدرالي ببيانات ومنهجية تقييم شفافة.

إخراج خيام ومشردين من قلب العاصمة قد يمنح صوراً مكتملة لواجهة المدينة، لكنه لا يعالج جذور الأزمة، فالجهود الأمنية قد تطمئن الإعلام أو جزءاً من الرأي العام قصير النظر، لكن حلقة الفقر والغياب المزمن للإسكان الميسور لا تُكسر إلا بسياسات إسكان جريئة، استثمار طويل المدى، وحماية قانونية تضمن كرامة الناس وحقوقهم، وأي مشروع وطني لمواجهة التشرد ينجح فقط حين يضع الإنسان في مركز السياسات وفق منصة  "National Alliance to End Homelessness".

يذكر أن التقرير السنوي لوزارة الإسكان الأمريكية (AHAR 2024) وثّق ما يقترب من 770 ألف شخص يعانون بارتفاع 18% مقارنة بالعام السابق، وزيادة ملحوظة في عدد العائلات والأطفال المشردين، أثناء ذلك تحدثت مؤسسات حقوقية وصحية عن موجة تشريعات محلية تزيد من تجريم التواجد في الأماكن العامة، فيما دعا خبراء إلى الحفاظ على نموذج الإسكان كخيار أولي يعتمد على الدليل بدل الحلول القسرية، وتظهر إحصاءات محلية تباينات إقليمية، لكن الاتجاه العام الوطني يشير إلى أن الأزمة تتعمق وتتطلب استجابة وطنية منهجية وليس مجرد إجراءات إنفاذ. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية