الإعدام عقوبة لا يمكن تصحيحها.. تقرير أممي يفتح ملفاً شائكاً من حقوق الإنسان
الإعدام عقوبة لا يمكن تصحيحها.. تقرير أممي يفتح ملفاً شائكاً من حقوق الإنسان
عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دورته الـ60 في جنيف، والتي تتواصل حتى 8 أكتوبر 2025، وفي هذا السياق، قدمت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تقريرًا شاملًا إلى المجلس، تضمن ملخصًا لحلقة النقاش رفيعة المستوى بشأن عقوبة الإعدام، التي انعقدت سابقًا خلال الدورة الـ58 للمجلس.
وأعاد التقرير فتح ملف العقوبة الأكثر جدلًا في القانون الدولي، عارضًا شهادات وتجارب الدول الأعضاء والمجتمع المدني والخبراء، ومسلطًا الضوء على التوجهات الدولية المتباينة بين الإلغاء الكامل للعقوبة والتمسك بها تحت ذرائع الردع والقصاص.
وبحسب التقرير الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، فقد جاءت حلقة النقاش الرفيعة المستوى حول عقوبة الإعدام استجابة لقرارات سابقة لمجلس حقوق الإنسان، التي دعت إلى فتح نقاش دوري يتيح للدول الأعضاء والجهات المعنية مناقشة التطورات المتعلقة باستخدام هذه العقوبة.
ووفقا لتقرير المفوضية، كان الهدف الأساسي من الحلقة هو تقييم الاتجاهات العالمية في ما يخص إلغاء عقوبة الإعدام أو الإبقاء عليها، وتحليل انعكاسات استمرار تطبيقها على منظومة حقوق الإنسان، خصوصًا في ظل القلق المتنامي من مخاطر الأخطاء القضائية، وغياب ضمانات المحاكمة العادلة في بعض السياقات الوطنية.
تنامي الاتجاه نحو الإلغاء
وأبرز التقرير أن حلقة النقاش سجلت بوضوح تزايد عدد الدول التي اتخذت خطوات لإلغاء عقوبة الإعدام في تشريعاتها الوطنية، سواء بشكل كامل أو عبر وقف التنفيذ الفعلي لأحكامها.
وأكدت المفوضية أن هذا التوجه يعكس قناعة متزايدة بأن العقوبة تمثل انتهاكًا للحق في الحياة، وهو حق غير قابل للانتقاص بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وشدد المتحدثون خلال الحلقة على أن الإلغاء لا يعني التخلي عن العدالة، بل هو جزء من إصلاح شامل لمنظومة العقوبات الجنائية، بما يضمن تحقيق الردع والإنصاف دون المساس بالكرامة الإنسانية.
ورغم هذه التطورات الإيجابية، أظهر النقاش أن عددًا من الدول ما زال متمسكًا بتطبيق عقوبة الإعدام، مبررة ذلك بدوافع الردع العام وحماية المجتمع من أخطر الجرائم، مثل القتل العمد والإرهاب.
وأشار التقرير إلى أن بعض الوفود أكدت أن العقوبة لا تزال جزءًا من نظمها القانونية استجابة لاعتبارات ثقافية واجتماعية ودينية، إلا أن المفوضية نبهت إلى أن هذه المبررات لا تعفي من الالتزام بالمعايير الدولية، وعلى رأسها ضمان محاكمات عادلة وشفافة، ومنع تنفيذ العقوبة بحق القُصر أو ذوي الإعاقات الذهنية والعقلية، وفقًا للمواثيق الدولية ذات الصلة.
مخاطر الأخطاء القضائية
وجاء القلق من الأخطاء القضائية التي قد تؤدي إلى إعدام أشخاص أبرياء كأحد أبرز محاور التقرير.
وأوضحت المفوضية أن الطبيعة النهائية للعقوبة تجعل أي خطأ لا يمكن إصلاحه.
وعرضت بعض الوفود المشاركة في النقاش تجارب وطنية أثبتت وقوع أخطاء في إجراءات التحقيق والمحاكمة، ما أدى لاحقًا إلى تبرئة أشخاص بعد سنوات من صدور أحكام إعدام بحقهم.
وشددت المفوضية على أن هذا الواقع يمثل انتهاكًا مضاعفًا للحق في الحياة، ويؤكد الحاجة إلى مراجعة شاملة لجدوى العقوبة في النظام القضائي.
وركز التقرير كذلك على الأثر غير المتكافئ لعقوبة الإعدام على الفئات الضعيفة، مثل الفقراء والأقليات.
ضعف فرص الدفاع
أوضحت المفوضية أن هذه الفئات غالبًا ما تعاني من ضعف فرص الدفاع القانوني وعدم القدرة على الوصول إلى محامين ذوي كفاءة، ما يجعلها أكثر عرضة لأحكام الإعدام.
وخلال النقاش، حذر عدد من المتحدثين من أن العقوبة قد تُستخدم بشكل انتقائي أو مسيس، بما يقوض مبدأ المساواة أمام القانون ويكرس أنماطًا من التمييز المؤسسي.
وأكدت المفوضية أن عقوبة الإعدام لا يمكن النظر إليها بمعزل عن منظومة حقوق الإنسان ككل، فهي تمس مباشرة الحق في الحياة، وتؤثر على الحق في الكرامة الإنسانية، وقد تُستخدم كأداة قمع سياسي أو وسيلة لإسكات المعارضين.
وشدد التقرير على أن المجلس يملك ولاية أساسية في متابعة هذا الملف، وضمان أن تبقى العقوبة –حيث لا تزال مطبقة– محكومة بأعلى المعايير القانونية والحقوقية، بما يحد من انتهاكاتها.
دعوة إلى وقف التنفيذ
وفي ضوء ما دار في النقاش، خلص التقرير إلى التأكيد على أهمية الدعوة العالمية المتزايدة لوقف تنفيذ أحكام الإعدام كخطوة انتقالية نحو الإلغاء الكامل.
وأشارت المفوضية إلى أن عددًا من الدول التي ما زالت تحتفظ بالعقوبة في قوانينها، قررت وقف التنفيذ فعليًا منذ سنوات، ما يبرهن على وجود أرضية سياسية وتشريعية لإلغاء العقوبة نهائيًا في المستقبل.
ومن النقاط البارزة التي وردت في التقرير الدور المهم الذي لعبته منظمات المجتمع المدني خلال حلقة النقاش، فقد قدمت هذه المنظمات شهادات وتقارير ميدانية توثق الانتهاكات المرتبطة بعقوبة الإعدام، بما في ذلك حالات إعدام نُفذت رغم وجود شكوك قوية بشأن نزاهة المحاكمات.
وأوضحت المفوضية أن هذه الإسهامات ساعدت في إثراء النقاش، وأكدت أهمية حماية الفضاء المدني وضمان مشاركة المنظمات في متابعة ملف العقوبة على المستوى الدولي.
وأنهت المفوضية تقريرها بمجموعة من التوصيات الموجهة إلى الدول الأعضاء، تضمنت تعليق تنفيذ أحكام الإعدام كخطوة أولى نحو الإلغاء الكامل للعقوبة، وضمان المحاكمات العادلة عبر إتاحة المساعدة القانونية المجانية للأشخاص المتهمين بجرائم قد تؤدي إلى الإعدام، ومنع تطبيق العقوبة بحق القصر والأشخاص ذوي الإعاقات الذهنية أو النفسية، التزامًا بالمعايير الدولية، وتعزيز الشفافية في ما يخص الإحصاءات المتعلقة بأحكام وتنفيذ الإعدام، بما يسمح بمتابعة دقيقة من قبل المجتمع الدولي.