الروهينغا ينتظرون الإنصاف.. العدل الدولية تفتح ملفات الإبادة الجماعية في بورما

الروهينغا ينتظرون الإنصاف.. العدل الدولية تفتح ملفات الإبادة الجماعية في بورما
نازحون روهينغا

أعلنت محكمة العدل الدولية، أعلى محكمة تابعة للأمم المتحدة، عن عقد جلسات استماع علنية جديدة الشهر المقبل في القضية التي تتهم فيها ميانمار (بورما) بارتكاب إبادة جماعية بحق أقلية الروهينغا المسلمة، في خطوة تعيد واحدة من أكثر القضايا الإنسانية إيلاماً في العقد الأخير إلى صدارة الاهتمام الدولي، وسط ترقب واسع من الضحايا والمنظمات الحقوقية.

إعلان رسمي من لاهاي

وقالت محكمة العدل الدولية ومقرها لاهاي في بيان لها، الجمعة، إن الجلسات العلنية ستعقد خلال الفترة الممتدة من 12 يناير إلى 29 يناير 2026، موضحة أن هذه الجلسات ستخصص للنظر في جوهر القضية، ومنها الاستماع إلى الشهود ومناقشة إفادات خبير استدعته الأطراف المعنية. وأشارت المحكمة إلى أن جزءاً من جلسات الاستماع سيعقد بشكل مغلق حفاظاً على سلامة الشهود وحساسية الإفادات المقدمة وفق فرانس برس.

دعوى تقودها غامبيا

وتعود القضية إلى عام 2019 عندما رفعت غامبيا دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية، متهمة سلطات ميانمار (بورما) بانتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لمنع جريمة الإبادة الجماعية، واستندت الدعوى إلى الحملة العسكرية الواسعة التي شنها الجيش البورمي بدعم من ميليشيات بوذية ضد أقلية الروهينغا في عام 2017، وهي الحملة التي وصفتها تقارير دولية بأنها اتسمت بعنف مفرط ومنهجي.

وخلال تلك الحملة فر مئات الآلاف من مسلمي الروهينغا من قراهم في إقليم راخين شمال غرب بورما، هرباً من أعمال عنف شملت القتل والاغتصاب والحرق المتعمد للمنازل، وروى شهود عيان ومنظمات حقوقية تفاصيل مروعة عن استهداف المدنيين، ومنهم النساء والأطفال، ما أدى إلى واحدة من كبريات موجات النزوح القسري في المنطقة خلال السنوات الأخيرة.

تدابير مؤقتة دون تنفيذ

وفي عام 2020 أصدرت محكمة العدل الدولية أمراً لبورما باتخاذ جميع التدابير الممكنة لمنع وقوع أعمال قد ترقى إلى إبادة جماعية ضد الروهينغا، إضافة إلى الحفاظ على الأدلة المتعلقة بالانتهاكات. ورغم أن هذه الأوامر تعد ملزمة قانونياً، فإن غياب آليات تنفيذ فعالة على المستوى الدولي جعل تطبيقها على أرض الواقع موضع تساؤل وانتقاد من قبل منظمات حقوق الإنسان.

مطالب بالمساءلة والتعويض

وطالبت غامبيا المحكمة بإدانة بورما رسمياً وتحميلها المسؤولية القانونية عن الانتهاكات المرتكبة، مع إلزامها بدفع تعويضات للضحايا وتقديم ضمانات واضحة بعدم تكرار هذه الجرائم مستقبلاً، وترى بانجول أن هذه القضية لا تمثل فقط دفاعاً عن حقوق الروهينغا، بل اختبار حقيقي لقدرة النظام الدولي على حماية الأقليات ومنع الجرائم الجماعية.

ووفقاً لبيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يعيش أكثر من 1000000 من الروهينغا في مخيمات مؤقتة في بنغلادش المجاورة منذ فرارهم من بورما عام 2017، وتعاني هذه المخيمات من أوضاع إنسانية صعبة تشمل الاكتظاظ ونقص الخدمات الأساسية، في ظل غياب أفق واضح لعودة آمنة وكريمة إلى ديارهم الأصلية.

انتظار طويل للعدالة

ويمثل انعقاد جلسات الاستماع المقبلة محطة مفصلية في مسار القضية، إذ ستنتقل المحكمة من مرحلة التدابير المؤقتة إلى بحث جوهر الاتهامات، وهو ما يمنح الضحايا أملاً متجدداً في سماع أصواتهم داخل قاعة العدالة الدولية. غير أن هذا الأمل يظل مشوباً بالقلق، في ظل تجارب سابقة أظهرت محدودية قدرة الأحكام الدولية على إحداث تغيير فعلي دون إرادة سياسية دولية داعمة.

تعد محكمة العدل الدولية الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، وتختص بالفصل في النزاعات القانونية بين الدول، وتستند قضية الروهينغا إلى اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية التي أقرت عام 1948، والتي تلزم الدول ليس فقط بعدم ارتكاب الإبادة، بل أيضاً بمنعها ومعاقبة مرتكبيها. ورغم أن أحكام المحكمة ملزمة وغير قابلة للاستئناف، فإن تنفيذها يعتمد على تعاون الدول المعنية وعلى دعم مجلس الأمن الدولي، وهو ما يضع قضايا مثل الروهينغا أمام تحديات سياسية وقانونية معقدة، وفي ظل استمرار معاناة مئات الآلاف من اللاجئين، ينظر إلى هذه الجلسات باعتبارها اختباراً لجدية المجتمع الدولي في تحويل مبادئ العدالة وحقوق الإنسان من نصوص قانونية إلى واقع ملموس.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية