العدالة المناخية.. 3.6 مليار شخص يواجهون مخاطر متزايدة نتيجة الفيضانات والجفاف

العدالة المناخية.. 3.6 مليار شخص يواجهون مخاطر متزايدة نتيجة الفيضانات والجفاف
الطاقة النظيفة- أرشيف

عقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة دورته الـ60 في جنيف، والتي تتواصل حتى 8 أكتوبر 2025، حيث شكلت قضية العدالة المناخية محورًا أساسيًا للنقاشات. 

وفي هذا السياق، قدّمت آلية الخبراء المعنية بالحق في التنمية تقريرًا شاملًا إلى المجلس، تطرّق إلى التحديات التي تواجه الدول النامية في ظل تفاقم أزمة المناخ، مسلّطًا الضوء على الترابط بين التنمية المستدامة وحقوق الإنسان، وما يتطلبه من مقاربة قائمة على المساواة والإنصاف.

وبحسب التقرير الذي اطلع «جسور بوست» على نسخة منه، فإن التغير المناخي لم يعد مجرد قضية بيئية، بل تحول إلى تهديد متعدد الأبعاد يطول الحقوق الأساسية للسكان، ويقوض فرص التنمية العادلة، خاصة في المجتمعات الهشة التي تتحمل العبء الأكبر رغم إسهامها المحدود في انبعاثات الغازات الدفيئة.

الفقراء أول الضحايا

وأكدت آلية الخبراء أن آثار التغير المناخي لا تُوزع بالتساوي، إذ يقع العبء الأكبر على الفئات الأشد ضعفًا من فقراء ومهمشين وأقليات، يعيش معظمهم في دول الجنوب العالمي. 

وأوضح التقرير أن أكثر من 3.6 مليار شخص يواجهون مخاطر متزايدة نتيجة الفيضانات والجفاف وارتفاع درجات الحرارة، بما يؤثر على الأمن الغذائي والصحي والسكني.

وأشار التقرير إلى أن الكوارث المناخية أوقعت ملايين النازحين سنويًا، حيث تجاوز عدد المهجرين قسريًا بسبب الظواهر المرتبطة بالمناخ 20 مليون شخص سنويًا خلال العقد الماضي، معظمهم في آسيا وإفريقيا.

فجوة الإنصاف المناخي

وركز التقرير على أن العدالة المناخية لا تنفصل عن العدالة الاجتماعية، موضحًا أن الدول النامية التي تساهم بنسبة ضئيلة في الانبعاثات تتحمّل أعباءً اقتصادية وبشرية هائلة. وفي المقابل، ما زالت الدول الصناعية الكبرى تتلكأ في الوفاء بالتزاماتها بتوفير التمويل المناخي، حيث لم يتحقق بعد وعد المئة مليار دولار سنويًا الذي قطعته الدول المتقدمة لدعم التكيف والتخفيف في الجنوب العالمي.

ولفتت الآلية إلى أن التكلفة الاقتصادية للتغير المناخي قد تصل إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي سنويًا بحلول 2030، إذا استمرت الاتجاهات الراهنة دون تدخل فعال.

وسلط التقرير الضوء على العلاقة العضوية بين الحق في التنمية والعدالة المناخية، مؤكدًا أن غياب مقاربة حقوقية عادلة في معالجة التغير المناخي يؤدي إلى مضاعفة الفجوة بين الشمال والجنوب. 

وأشار إلى أن التنمية المستدامة الحقيقية لا يمكن أن تتحقق في ظل استمرار استبعاد المجتمعات الضعيفة من موارد التمويل والتكنولوجيا، أو تحميلها تكاليف التكيف دون دعم.

وأكدت الآلية أن العدالة المناخية تستوجب أن تكون سياسات التخفيف والتكيف متجذرة في مبادئ المساواة، مع ضمان مشاركة المجتمعات المحلية في صياغة القرارات التي تؤثر على حياتها، لافتة إلى أن الفئات المهمّشة غالبًا ما تُقصى من عمليات صنع القرار.

النساء في مواجهة العبء

وأفرد التقرير مساحة واسعة لتأثيرات التغير المناخي على النساء، موضحًا أنهن يتحملن أعباء مضاعفة نتيجة أدوارهن التقليدية في الزراعة وجلب المياه ورعاية الأسرة. وأن الأزمات المناخية تزيد من مخاطر العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتقلص فرص التعليم والعمل للفتيات، خاصة في المناطق الريفية.

وخلص التقرير إلى أن إدماج منظور النوع الاجتماعي في سياسات العدالة المناخية يمثل خطوة أساسية لضمان تحقيق التنمية الشاملة.

توقف التقرير عند ظاهرة النزوح المرتبط بالمناخ، مؤكدا أن الملايين باتوا يُعرفون بـ«اللاجئين البيئيين» رغم غياب تعريف قانوني معترف به دوليًا. وأوضح أن هذه الفئات لا تتمتع بالحماية المنصوص عليها في اتفاقية اللاجئين لعام 1951، ما يتركهم عرضة لانتهاكات جسيمة تشمل الحرمان من المأوى والرعاية الصحية والتعليم.

ولفت التقرير إلى أن الدول الجزرية الصغيرة تواجه خطر الزوال الكامل نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر، ما يعني تهديد وجودي لشعوب كاملة قد تفقد أوطانها.

دور المجتمع الدولي

وأكدت آلية الخبراء أن العدالة المناخية لن تتحقق دون تضامن دولي فعال، داعية إلى إصلاح منظومة التمويل المناخي بما يضمن وصول الموارد مباشرة إلى المجتمعات المتضررة، بدلا من بقائها رهينة الإجراءات البيروقراطية.

كما طالبت بتعزيز نقل التكنولوجيا الخضراء وبناء القدرات في الدول النامية، مشددة على أن الحق في التنمية يظل ناقصًا إذا لم يترافق مع تمكين هذه الدول من التصدي بفعالية لأزمة المناخ.

وأشار التقرير إلى أن التعاون الإنمائي التقليدي لم يعد كافيًا، وأن العالم بحاجة إلى آليات جديدة مبتكرة لتمويل العدالة المناخية، بما في ذلك الضرائب على الكربون والتحويلات المالية من الدول الأكثر تلويثًا إلى الأكثر تضررًا.

واختتم التقرير بجملة من التوصيات، مؤكدًا أن تحقيق العدالة المناخية يتطلب تغييرًا جذريًا في السياسات العالمية. ودعا الدول المتقدمة إلى الالتزام بتعهداتها المالية، مع رفع مستوى الشفافية في متابعة تنفيذها، وتوسيع نطاق الدعم ليشمل التكيف، والتخفيف، والخسائر والأضرار.

كما شدّد على ضرورة إدماج حقوق الإنسان بشكل صريح في جميع مفاوضات المناخ، بما في ذلك اتفاق باريس وآلياته التنفيذية.

ولفتت الآلية إلى أن بناء الثقة بين الشمال والجنوب يمر عبر خطوات ملموسة، تبدأ بتمويل عادل، ونقل للتكنولوجيا، وإشراك المجتمعات المحلية في القرارات المصيرية. مؤكدة أن العدالة المناخية ليست خيارًا سياسيًا بل التزامًا حقوقيًا وأخلاقيًا لضمان مستقبل البشرية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية