طالبان تغلق أبواب المعرفة.. حظر مؤلفات النساء في جامعات أفغانستان أداة جديدة للإقصاء
طالبان تغلق أبواب المعرفة.. حظر مؤلفات النساء في جامعات أفغانستان أداة جديدة للإقصاء
يشهد قطاع التعليم في أفغانستان أزمة غير مسبوقة مع إعلان حركة طالبان حظر مئات الكتب، منها أكثر من 140 كتاباً لمؤلفات نساء، من مكتبات الجامعات، إلى جانب منع تدريس 18 مادة دراسية تتعلق بحقوق الإنسان وقضايا المرأة.
القرار الأخير ليس إجراءً معزولاً، بل يأتي في سياق سلسلة من القيود المتشددة التي تفرضها الحركة منذ عودتها إلى السلطة عام 2021، وهو ما يعكس نهجاً لإقصاء النساء من المجال العام، وتحويل المؤسسات الأكاديمية إلى فضاء يخلو من أي صوت نسوي أو فكر نقدي وفق شبكة "بي بي سي".
القرار وأبعاده المباشرة
أوضحت وزارة التعليم العالي في حكومة طالبان أن لجنة من علماء الدين والمختصين هي التي أوصت بحظر هذه الكتب والمواد الدراسية، بحجة أنها تتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية وسياسات طالبان، وشملت القائمة كتباً علمية وتخصصية مثل السلامة في المختبرات الكيميائية، إلى جانب أعمال أكاديمية تناقش قضايا المرأة والتنمية والاتصال، وأدت هذه الإجراءات إلى حالة من الارتباك في الجامعات، حيث أبدى أساتذة قلقهم من الفراغ الأكاديمي الناتج عن إقصاء مؤلفات تمثل صلة مباشرة بالمجتمع الأكاديمي العالمي، خاصة تلك القادمة من إيران، والتي استهدفتها طالبان أيضاً ضمن الحظر.
القرار يعكس جانبين مترابطين: الأول أيديولوجي يتمثل في توجه طالبان إلى إخضاع المناهج الجامعية لتفسيرها الخاص للشريعة الإسلامية، في إطار سياسة أشمل تستهدف النساء والفتيات بالحرمان من التعليم والعمل، والثاني يرتبط بالتوترات الإقليمية مع إيران، حيث طالت القائمة كتباً لمؤلفين وناشرين إيرانيين، في سياق خلافات متصاعدة حول المياه وقضايا اللاجئين، وتشير تقديرات إلى أن إيران أعادت أكثر من 1.5 مليون أفغاني منذ بداية 2025، ما ضاعف توتر العلاقات الثنائية.
التداعيات الأكاديمية والاجتماعية
حظر مؤلفات النساء في أفغانستان لا يعني فقط إقصاء أصواتهن الفكرية، بل يضرب بنية التعليم العالي في الصميم، فوفق شهادات أكاديميين، تشكل الكتب المترجمة والمؤلفة من إيران أو من نساء أفغانيات وأجنبيات جزءاً أساسياً من المراجع العلمية، وحذفها يترك فجوة يصعب سدها، ويهدد هذا النقص بتراجع مستوى التعليم الجامعي، ويعزل الطلاب الأفغان عن الأبحاث والاتجاهات الفكرية العالمية، كما أن تهميش النساء في الجامعات يرسخ نموذجاً مجتمعياً يحصر دورهن في المجال الخاص، ويقوض أي فرصة لتحقيق التنمية المستدامة في بلد يعيش أزمة اقتصادية خانقة.
ردود الفعل المحلية والدولية
أثار القرار ردود فعل غاضبة من أكاديميين وناشطين محليين، حيث وصف بعضهم الإجراءات بأنها "محاولة لمحو المرأة من الذاكرة الأكاديمية الأفغانية"، أما على الصعيد الدولي، فقد أدانت منظمات مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش هذه السياسات، معتبرة أنها تنتهك بشكل مباشر الحق في التعليم وحرية التعبير.
الأمم المتحدة، من جانبها، أعربت مراراً عن قلقها إزاء القيود على تعليم النساء، مؤكدة أن ما يحدث يمثل "أكبر أزمة حقوق نساء في العالم المعاصر"، واعتبرت لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة التابعة للأمم المتحدة أن هذه الإجراءات تشكل خرقاً للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، اللتين تعد أفغانستان طرفاً فيهما.
من منظور قانوني، يندرج قرار طالبان ضمن الممارسات التي يمكن تصنيفها أنها تمييز مؤسسي ضد النساء، وهو ما يخالف التزامات أفغانستان الدولية، حتى وإن لم تعترف طالبان رسمياً بالمعاهدات، فالعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يكفل الحق في التعليم للجميع دون تمييز، كما أن المادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تؤكد أن التعليم يجب أن يكون موجهاً نحو تعزيز احترام حقوق الإنسان والمساواة، استمرار هذه السياسات يضع طالبان في مواجهة متزايدة مع المجتمع الدولي، ويعقد أي محاولات للاعتراف بكونها حكومة شرعية.
إحصاءات حديثة تكشف حجم الأزمة
منذ أغسطس 2021، حُرم أكثر من 1.2 مليون فتاة من مواصلة تعليمهن بعد الصف السادس، وفق تقديرات اليونيسف، كما أُغلق أمام النساء باب التعليم العالي مع نهاية 2022، عندما حظرت طالبان التحاق الطالبات بالجامعات، وفي عام 2024، أُغلقت آخر الدورات التخصصية في التمريض التي كانت متاحة للفتيات، وحالياً، ومع حظر مؤلفات النساء، يتعرض حتى المحتوى العلمي والأكاديمي الذي أنتجته النساء أو تناول قضاياهن للإقصاء، ما يضاعف حجم التهميش.
سياسات حركة طالبان الحالية ليست جديدة؛ فخلال فترة حكمها الأولى بين 1996 و2001، فرضت الحركة قيوداً صارمة على تعليم الفتيات والنساء، وأغلقت المدارس الخاصة بهن، غير أن المرحلة الحالية تختلف من حيث النطاق والحدة، إذ يجري استهداف التعليم ليس فقط بمنع الطالبات من الدراسة، بل أيضاً بمحو الإنتاج المعرفي الذي شاركت فيه النساء، وهذا التحول يعكس مسعى لفرض هيمنة كاملة على المجال الأكاديمي، وتجريد المجتمع من أي إمكانية لمعارضة فكرية أو ثقافية.
التداعيات المستقبلية
وبحسب منظمات حقوق الإنسان الدولية إذا استمر حظر مؤلفات النساء وتدريس قضايا النوع الاجتماعي، فإن ذلك سيقود إلى أجيال جديدة محرومة من المعرفة العلمية المتنوعة، ما يعمّق عزلة أفغانستان عن المجتمع الدولي، كما أن غياب النساء عن مجالات البحث والتعليم سيؤدي إلى تراجع في الكفاءات الوطنية، ويضعف قدرة البلاد على مواجهة أزماتها المتعددة، من الفقر إلى البطالة إلى التغير المناخي، وقد حذرت تقارير أممية من أن تهميش نصف المجتمع يهدد بزيادة معدلات الهجرة غير النظامية، ويغذي دوائر التطرف والعنف.
حظر طالبان لمؤلفات النساء في الجامعات ليس مجرد إجراء إداري بل خطوة ممنهجة ضمن سياسة أوسع تهدف إلى إخضاع المجتمع الأفغاني لقراءة أحادية للدين والسياسة، على حساب التنوع المعرفي والحقوق الأساسية، وبينما تواصل المنظمات الحقوقية والأممية الضغط على الحركة للتراجع عن هذه السياسات، يبقى السؤال قائماً حول قدرة المجتمع الدولي على تحويل الإدانة إلى إجراءات عملية، وفي غياب ذلك، يخاطر ملايين الأفغان، رجالاً ونساءً، بالعيش في نظام تعليمي يفرغ المعرفة من مضمونها ويقصي نصف المجتمع من حقه في الإسهام في بناء مستقبل بلاده.










