الكوارث والطرد وقطع المساعدات.. تحذيرات أممية وإغاثية من انهيار الأمان الغذائي في أفغانستان

الكوارث والطرد وقطع المساعدات.. تحذيرات أممية وإغاثية من انهيار الأمان الغذائي في أفغانستان
أفغانيات ينتظرن الحصول على مساعدات إنسانية- أرشيف

أطلق برنامج الغذاء العالمي إنذاراً عاجلاً بشأن تفاقم أزمة الجوع في أفغانستان، محذراً من أن تتابع الكوارث الطبيعية مع تقلّص التمويل الإغاثي وقيود التشغيل يضع ملايين المدنيين على شفا مجاعة حقيقية قبيل حلول فصل الشتاء، تتقاطع في الأزمة عناصر مناخية وبشرية وسياسية -فيضانات وجفاف وزلازل تتضافر إلى قطع أو خفض مساعدات دولية وعودة أعداد كبيرة من العائدين- ما جعل قدرة المنظمات على تجهيز المخزون الغذائي في الوقت المناسب أمراً بالغ الصعوبة. 

مدى الأزمة.. أرقام لا تحتمل التأخير

تظهر بيانات الأمم المتحدة بحسب ما أوردته شبكة" أفغانستان إنترناشيونال" الجمعة، أن نحو 9.5 مليون شخص في أفغانستان يعانون مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي، وأن أكثر من 4.7 مليون امرأة وطفل يحتاجون علاجاً فورياً لسوء التغذية، في وقت يحدد الوكالة احتياجها المالي العاجل بمئات الملايين لتغطية العمليات حتى أوائل 2026، كما أشارت تقييمات مستقلة إلى أن ما بين 11 و12 مليون أفغاني يواجهون مستويات أزمة أو حالة طوارئ غذائية بحسب تحاليل IPC، ما يعني أن جزءاً كبيراً من السكان في حالة هشاشة غذائية متقدمة. هذه الأرقام تُترجم واقعاً إلى وحدات رعاية مصغّرة ممتلئة وأرفف مساعدات زائلة قبل موسم البرد، بحسب برنامج الأغذية العالمي.

أسباب متداخلة

تتعدد أسباب التدهور في أفغانستان بحيث لا يمكن عزوها لسبب منفرد، وتتمثل في أولاً، تضاعفت الصدمات المناخية: جفاف شديد تلاه فيضانات محلية وزلازل في مناطق شرقية ألحقت دماراً بالمزروعات والمخازن والطرق، ما أعاق سلاسل الإمداد المحلية، وثانياً، أثّر انسداد قنوات التمويل الدولي وتقليص المانحين بشكل كبير على قدرة الوكالات على استباق الشتاء من خلال تخزين المواد وإرسال قوافل مبكرة؛ فقد انخفضت مساهمات بعض الجهات الفاعلة الرئيسة في 2024–2025، ما ترك فجوة تمويلية كبيرة. ثالثاً، تزايد أعداد العائدين والنازحين داخلياً يضغط على موارد المجتمع المحلي والبرامج الإنسانية، وأخيراً، شملت القيود التشغيلية سياسات محلية تعوق عمل المنظمات، بما في ذلك قيود على مشاركة المرأة في العمل الإغاثي في بعض المقاطعات، ما يحدّ من فعالية توزيع المساعدات في بيئات محافظة.

تداعيات إنسانية صحّية واجتماعية سريعة ومريرة

النتيجة المباشرة لانسداد التمويل وتكرار الصدمات هي تسارع معدلات سوء التغذية الحاد عند الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات؛ حيث يقدّر برنامج الأغذية العالمي أن الملايين قد يحتاجون لتغذية علاجية عاجلة في 2025، وإلا فسترتفع مخاطر الوفيات المرتبطة بسوء التغذية ومضاعفاتها، ويرافق ذلك انهيار في الأمن الغذائي يؤدي إلى تفكك في وسائل الكسب، وارتفاع ضغوط النزوح الداخلي، وزيادة ضحايا الأمراض المرتبطة بسوء المياه والصرف الصحي بعد الكوارث، وباتت مشاهد طوابير الأشخاص أمام مراكز الإغاثة أو مقاطع عن أطفال يعانون هزالاً شديداً متكررة في تقارير الميدان. 

قيود في الميدان وتعقيدات لوجستية قبل الشتاء

مع اقتراب فصل الشتاء، يصبح التخزين المسبق أمراً حاسماً لأن الطرق الجبلية ستُغلق بالثلوج وتنفذ المساعدات المحورية، وتركز تحذيرات برنامج الأغذية العالمي على الحاجة إلى تمويل فوري يسمح بتخزين القمح والمواد الغذائية الطبية والوقود والنقليات، وإلا فإن العديد من القرى البعيدة ستُحرم من الإمداد لساعات أو أسابيع، إضافة إلى ذلك، أدت الأضرار في البنية التحتية جراء الزلازل الأخيرة إلى مغلقات طرقية وصعوبات في إيصال المساعدات إلى محافظات مثل نانغرهار وكونار.

ردود فعل المؤسسات الإغاثية والأمم المتحدة

دعت وكالات أممية كبرنامج الغذاء العالمي ومنظمة الصحة العالمية واليونيسف واللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى تمويل عاجل وتنسيق أكبر، وأطلق بعض الشركاء خططاً مشتركة للاستجابة الغذائية والإنسانية، وأكدت منظمات حقوقية أن فقدان التمويل وإجراءات الحظر على البرمجة النسائية فاقمت الحاجة، ودعت مجدداً إلى ضمان استمرارية الدعم بلا قيود سياسية على توظيف النساء في الميدان، لأن ذلك يؤثر مباشرة على قدرة المجتمع الإغاثي على الوصول إلى الفئات الأكثر هشاشة، كما طالبت منظمات أممية ودولية بتسهيل وصول القوافل عبر ممرات آمنة وضمان حصول العائدين على دعم مستديم. 

الأبعاد السياسية والالتزامات الدولية

أمريكا وأطراف فاعلة أخرى قلصت أو علقت بعض أشكال التمويل الإنساني والإغاثي بعد 2021، بما أثر في إجمالي الموارد المتاحة، ومع ذلك، ينص القانون الدولي لحقوق الإنسان ومعايير العمل الإنساني على تمكين إيصال المساعدات وحماية المدنيين، تحث هذه المعايير الفاعلين الدوليين على إبعاد الاحتياجات الإنسانية عن الحسابات السياسية وضمان استثناء المساعدات الإنسانية من أي عقوبات أو قيود إجرائية، كما تطالب منظمات حقوقية بآليات رقابة دقيقة على توزيع المساعدات لمنع التمييز وضمان الشفافية. 

منهجيات الاستجابة الموصى بها عملياً

تدعو توصيات الوكالات إلى مجموعة من الإجراءات الفورية تشمل تمويلا طارئا يسمح بــpre-positioning للمخزونات في مراكز استراتيجية، وتوسيع وحدات التغذية العلاجية للنساء والأطفال، وفتح ممرات إنسانية آمنة خلال الطقس السيئ، وإعادة النظر في أطر الشراكة التي تعيق توظيف النساء في العمل الإغاثي. على المديين المتوسط والطويل، وتتطلب الأزمة استثمارات في مقاومة المناخ (ترميم أنظمة الري ومخازن الحبوب المقاومة للفيضانات)، وسياسات لدمج العائدين في برامج الأمن الغذائي والعمل، فضلاً عن استدامة مالية دولية لبرامج التغذية الأساسية. 

أمام العالم نافذة زمنية ضيقة؛ إن لم يصل تمويل طارئ يتيح وضع المواد قبل قدوم الشتاء، قد تتحول موجة سوء التغذية الحالية إلى موجة وفيات واسعة لدى الأطفال والنساء وكبار السن، ومجابهة هذه المأساة تستدعي قراراً سياسياً من الدول المانحة لتفادي حلقة مميتة من الكوارث الطبيعية والفقر والحرمان الغذائي، كما تتطلب حماية المساحات الإنسانية ومعاملة المساعدات كأولوية إنسانية بعيدة عن الصراعات السياسية، لأن تكلفة التقاعس ستكون حياة بشرية ودماراً اقتصادياً لا يمكن إصلاحه بسهولة، وفق برنامج الأغذية العالمي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية