الملابس الذكية.. راحة للإنسان وحماية للكوكب من التلوث
الملابس الذكية.. راحة للإنسان وحماية للكوكب من التلوث
تزايد الإقبال في السنوات الأخيرة على ما يُعرف بـ"الملابس الذكية"، وهي ثورة هادئة في عالم الموضة تمزج بين الراحة، والاستدامة، والتكنولوجيا، لتصبح الأقمشة جزءاً من نمط حياة أكثر وعياً وصداقةً للبيئة.
فبعد أن كانت الابتكارات النسيجية مقتصرة على الأزياء الرياضية أو المهنية -مثل الأقمشة المقاومة للبقع أو الألياف المضادة للبكتيريا- انتقلت هذه التقنيات اليوم إلى الملابس اليومية، لتجعل حياة الناس أكثر سهولة دون الإضرار بالطبيعة، بحسب ما ذكرت وكالة “فرانس برس”، اليوم السبت.
يقول أوليفييه بالا، رئيس شركة بالا تيكستيل الفرنسية للمنسوجات المتقدمة، في حديث لوكالة فرانس برس:
"لم تعد الماركات الفاخرة تكتفي بالجمال، بل تسعى لتوفير الراحة والتكنولوجيا في كل قطعة تُنتجها، لتكون الملابس ذكية بحق، تخدم الإنسان وتراعي البيئة في الوقت نفسه".
ابتكارات تواكب احتياجات الإنسان
تجسد شركات ناشئة مثل ماركة "سيبيا" الإسبانية هذا الاتجاه الجديد، إذ تجمع في تصاميمها بين الذوق الكلاسيكي والابتكار التقني.
ويشرح مؤسسها فيدي ساينز دو روبليس أن الشركة، التي فازت بالجائزة الوطنية للابتكار عام 2025، تعمل على إدخال التقنيات الحديثة في الملابس اليومية، قائلاً:
"الناس اليوم يبحثون عن الراحة والعملية، لكنهم يريدون أيضاً أزياء تحترم البيئة وتدوم طويلاً".
تقدّم "سيبيا" مجموعة متنوعة من القمصان والسراويل والبدلات المصنوعة من أقمشة مضادة للطيّات، ما يُغني عن الكيّ ويُقلل من استهلاك الطاقة والمياه.
ويؤكد روبليس أن 60% من الأثر البيئي للملابس لا يأتي من المصانع، بل من طريقة صيانتها في المنازل، سواء في الغسل المتكرر أو الكيّ أو استخدام المنظفات الكيميائية، لذلك فـ"كل غسلة أقل هي خطوة نحو كوكب أنظف".
ألياف ذكية وعمر أطول
في فرنسا، خاضت ماركة "سيغيل" التجربة نفسها منذ عام 2014، مستخدمةً أليافاً صناعية عالية الأداء تقاوم التمزّق والاحتكاك وتكوّن الوبر، ما يجعل الملابس أكثر متانة وأطول عمراً.
ويقول بيرتران دوران-غاسلان، أحد مؤسسي الشركة، إنهم يعتمدون أيضاً على ألياف طبيعية مثل صوف الميرينو الذي يساعد على تنظيم حرارة الجسم وطرد الروائح، فيجمع بين الراحة والأناقة والاستدامة.
ويضيف أن شركته تعتمد على معالجة نهائية تجعل الأقمشة مضادة للسوائل والبقع، مما يقلل الحاجة للغسل المتكرر، موضحاً أن الهدف ليس فقط بيع ملابس، بل تعليم الناس كيف يعيشون بتوازن مع ما يرتدونه.
موضة تحترم البيئة لا تستهلكها
رغم أن أسعار هذه الملابس الذكية أعلى نسبياً من الملابس التقليدية، فإن الشركات ترى أن الاستثمار في قطعة تدوم أطول وتستهلك موارد أقل هو رهان على المستقبل.
وتشير جولييتا ميرسيرا، خبيرة الاستدامة في معرض "بروميير فيزيون" في باريس، إلى أن "هناك اتجاهاً متزايداً نحو فهم المواد والعناية بها لإطالة عمرها بدلاً من التخلص منها سريعاً"، مؤكدة أن الموضة المستدامة لم تعد ترفاً بل ضرورة بيئية.
وتتبع هذه الماركات نهجاً مضاداً للموضة السريعة التي تُنتج وتُستهلك بسرعة ثم تُرمى، إذ ترى أن "البيئة لا تُصان فقط في المصانع، بل أيضاً في خزائننا وطريقة تعاملنا مع الملابس".
ملابس المستقبل.. وعينا الجديد
تجسّد الملابس الذكية تحولاً ثقافياً أكثر منه صناعياً، حيث لم تعد الموضة مجرد مظهر، بل مسؤولية إنسانية تجاه الأرض.
فالقمصان التي لا تحتاج إلى كيّ، والسراويل التي تقاوم الأوساخ، والأقمشة التي تتنفس مع الجسد، كلها علامات على وعي جديد بالراحة والاستدامة في آنٍ واحد.
لقد أصبح ارتداء قميص اليوم يعني أكثر من مجرد اختيار مظهر أنيق، بل هو بيان صامت عن احترام الذات والكوكب.