قمع الأصوات الفنية.. اعتقال ثلاثة مغنيي راب في إيران وبث اعترافات قسرية جديدة
قمع الأصوات الفنية.. اعتقال ثلاثة مغنيي راب في إيران وبث اعترافات قسرية جديدة
تواصل السلطات الإيرانية استهداف الأصوات الفنية الشابة التي تعبّر عن واقعها السياسي والاجتماعي، إذ أعلنت وسائل إعلام رسمية اعتقال ثلاثة من مغنيي الراب المعروفين، هم دانيال فرّخي الملقب بـ"مشكي"، وأردلان المعروف باسم "دِلو"، وسجاد شاهي، بتهمة "نشر محتوى غير لائق وإثارة الجدل عبر شبكات التواصل الاجتماعي".
وبحسب شبكة "إيران إنترناشيونال" أظهرت مقاطع فيديو بثتها القنوات الإيرانية ما وُصف بـ"اعترافات" للفنانين الثلاثة، في مشاهد تعيد إلى الأذهان أسلوب الاعترافات القسرية الذي تستخدمه السلطات منذ عقود لترهيب المعارضين، حيث ظهر المعتقلون في وضع مهين وهم يقرؤون نصوصًا موحّدة تعبر عن الندم والاعتذار.
من القناع إلى الكاميرا
من بين المعتقلين، برز اسم دانيال فرّخي الذي عرفه الجمهور من خلال أعماله التي تحمل مضامين سياسية واجتماعية جريئة، وكان يُخفي وجهه دائمًا خلف قناع أسود في فيديوهاته الموسيقية، لكن في الفيديو الأخير الذي بثّه الإعلام الرسمي، أُجبر على الظهور مكشوف الوجه لأول مرة، وتقديم اعتذار علني للمرشد الإيراني علي خامنئي.
وبحسب تقارير مستقلة، نُقل الفنانون الثلاثة إلى القسم الثالث في سجن طهران الكبير، وسط مخاوف من تعرضهم للتعذيب أو الضغط النفسي، وتشير المصادر إلى أن عدداً آخر من مغنيي الراب تلقوا استدعاءات للتحقيق من قبل الأجهزة الأمنية خلال الأيام الأخيرة.
اعتقالات متكررة واعترافات قسرية
تأتي هذه الاعتقالات بعد أسبوع واحد فقط من احتجاز مغنيي الراب آرش صيادي وأشكان شكاريان مقدم، والمُلحن رسام سهرابي، بذريعة "الاعتداء اللفظي في مكان عام"، وظهر هؤلاء أيضًا في تسجيلات مشابهة، حليقي الرؤوس، عراة الأكتاف، وهم يقرؤون نصوصًا موحدة كُتبت لهم مسبقًا، في مشهد أثار استنكارًا واسعًا في الأوساط الفنية والحقوقية.
الفنان الإيراني توماج صالحي الذي سبق أن اعتقل بسبب أغانيه المعارضة، ندّد في فيديو نشره فقال إن "القضية ليست من هم هؤلاء الأشخاص، بل من الذي منح نفسه الحق في إذلال إنسان أمام الكاميرا وحلق رأسه وإجباره على قراءة نص كُتب له بالقوة".
الموسيقى صوت للمقموعين
موسيقى الراب في إيران لم تكن يومًا مجرد فن ترفيهي، بل أصبحت وسيلة للتعبير عن القهر والبطالة والفساد وتقييد الحريات، ومع اتساع شعبيتها بين الشباب، تعاملت السلطات مع هذا الفن بوصفه تهديدًا ثقافيًا، فحظرته في معظم المنصات، وجرّمت أداءه في الأماكن العامة.
السلطات الإيرانية ترى في كلمات الراب الجريئة مساسًا بالقيم الدينية والسياسية، في حين يراها الفنانون محاولة للتعبير عن واقع جيلٍ يبحث عن صوت وحرية في بلد يضيق بأحلامهم.
منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979، دأبت السلطات على استخدام أسلوب "الاعترافات العلنية" بوصفها أداة سياسية لتثبيت الرواية الرسمية وقمع المعارضين، وتشمل هذه الاعترافات التي تبث عادة عبر التلفزيون الرسمي، سياسيين وناشطين وصحفيين وفنانين، يتم إجبارهم تحت الضغط أو التعذيب على تلاوة نصوص اعتذار معدة مسبقًا.
وفي السنوات الأخيرة، تحولت موسيقى الراب إلى ساحة مواجهة بين السلطة وجيلٍ جديد يسعى إلى كسر الصمت المفروض على المجتمع، لكن كلما ارتفع صوت المغنيين، ازدادت القيود، وتحوّل الفن في إيران إلى فعل مقاومة بقدر ما هو شكل من أشكال التعبير الثقافي.