"صفقة غامضة".. ترحيل 5 رجال من الولايات المتحدة إلى إسواتيني يثير الجدل
"صفقة غامضة".. ترحيل 5 رجال من الولايات المتحدة إلى إسواتيني يثير الجدل
في مشهدٍ أقرب إلى قصص التهريب السري، اختفى المواطن الكوبي روبرتو موسكيرا البالغ من العمر 58 عاماً عقب اعتقاله في يونيو الماضي من قبل عناصر إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية (آيس) أثناء تسجيل روتيني في ولاية فلوريدا، قبل أن تكتشف عائلته بعد شهر كامل من الغموض أنه نُقل إلى مملكة إسواتيني الإفريقية، على بُعد أكثر من 13 ألف كيلومتر من الولايات المتحدة.
كانت عائلته تظن أنه أُعيد إلى كوبا، بلده الأصلي الذي غادره منذ كان في الثالثة عشرة، قبل أن يظهر اسمه وصورته فجأة في منشور رسمي على منصة “إكس” لمساعدة وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية تريشيا ماكلولين، التي أعلنت أن موسكيرا وأربعة رجال آخرين رُحّلوا إلى إسواتيني في إطار “اتفاق خاص” مع الحكومة الأمريكية، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، الجمعة.
كشفت وثائق اطلعت عليها "فرانس برس"، أن إسواتيني وافقت على استقبال ما يصل إلى 160 مرحّلاً مقابل 5.1 مليون دولار مقدّمة من واشنطن، تحت عنوان “بناء قدرات إدارة الحدود والهجرة"، وإلى جانب موسكيرا، شملت الدفعة الأولى أربعة رجال من جامايكا ولاوس وفيتنام واليمن.
وفي حين تقول الولايات المتحدة إن المرحّلين الخمسة “مجرمون خطرون” أدينوا بجرائم تتراوح بين القتل واغتصاب الأطفال، يؤكد محاموهم وأسرهم أنهم أنهوا عقوباتهم منذ سنوات وكانوا يعيشون حياة طبيعية ومستقرة داخل الأراضي الأمريكية.
أما في إسواتيني، التي يحكمها الملك مسواتي الثالث بقبضة أمنية صارمة منذ 39 عاماً، فقد تم سجن الرجال الخمسة في مركز إصلاحي يخضع لحراسة مشددة، دون توجيه أي تهم رسمية لهم أو السماح لهم بتوكيل محامين.
"ليس وحشاً".. شهادة المقربين
في صورة نشرتها المسؤولة الأمريكية، بدا موسكيرا بلحية بيضاء كثيفة ووشوم ظاهرة على ذراعيه مرتدياً زياً برتقالياً، ووُصف بأنه “قاتل خطير”، لكن صديقة العائلة آدا، التي تحدثت تحت اسم مستعار خشية الانتقام، قالت: “صوّروه كوحش، لكنه ليس كذلك.. إنه رجل تغيّر".
وأوضحت أن موسكيرا أدين عام 1989 بمحاولة قتل بعد إطلاقه النار على رجل أصيب في ساقه، وقضى تسع سنوات سجناً، ثم أُطلق سراحه في 1996، قبل أن يُسجن مجدداً عام 2009 لثلاث سنوات بتهم تتعلق بسرقة السيارات والاعتداء على موظف عام.
ومنذ خروجه الأخير من السجن، “تزوج وأنجب أربع فتيات، وعمل في شركة سباكة لأكثر من 13 عاماً، وأصبح يتحدث ضد العنف والعصابات”، كما تقول آدا.
ورغم صدور حكم بترحيله سابقاً، فإن كوبا ترفض استقبال المرحّلين، مما أبقاه في الولايات المتحدة بصفة قانونية حتى اعتقاله المفاجئ في يونيو.
حرمان قانوني وتكتم رسمي
قال المحامي الأمريكي تين ثانه نغوين، الذي يتولى الدفاع عن رجلين من فيتنام ولاوس، إن الرجال الخمسة “يعيشون دوامة قانونية بلا نهاية”، إذ لم يُبلغ أي منهم بقرار ترحيله إلا أثناء وجوده على متن الطائرة. وأضاف: “ما حدث أشبه بتهريب عصري للبشر عبر قنوات رسمية".
وفي إسواتيني، مُنع المحامون المحليون من زيارة المعتقلين، ومن بينهم المحامي سيبوسيسو نهلاباتسي الذي قال إن حراس السجن أبلغوه زوراً بأن الرجال “رفضوا مقابلته”.
وأكدت محامية موسكيرا واليمني المرحّل ألمى ديفيد أن موكليها لم يُخطروا بأي زيارة قانونية، وأن السلطات رفضت السماح لها بالاتصال المباشر بهم حتى عبر الفيديو.
صفقة بلا شفافية
تقول المحامية ديفيد: “بغض النظر عن جرائمهم السابقة، فإن هؤلاء الأشخاص يُستخدمون الآن كبيادق في لعبة سياسية تُباع فيها الأجساد مقابل المال".
وتشير تقارير إلى أن إدارة ترامب السابقة كانت قد بدأت مفاوضات مشابهة مع عدة دول إفريقية مثل رواندا وغانا وجنوب السودان لاستقبال مهاجرين مرفوضين مقابل مساعدات مالية، وهو ما أثار حينها انتقادات منظمات حقوق الإنسان التي وصفت هذه الترتيبات بأنها “ترحيل بلا وجهة قانونية”.
حتى الآن، أُعيد فقط أحد المرحّلين، وهو الجامايكي أورفيل إتوريا، إلى بلده في سبتمبر الماضي. وقالت محاميته ميا أونغر في نيويورك إن موكلها “ما زال يحاول التأقلم مع الحياة في بلد لم يعرفه منذ خمسين عاماً”، مؤكدة أن ما جرى معه يمثل قسوة صادمة وغير مبررة.
بعيداً عن الوطن
تظهر مأساة موسكيرا بوضوح في آخر اتصال بالفيديو أجراه من سجن إسواتيني، حيث بدا “نحيلاً للغاية وقد فقد شعره”، وفقاً لحديث صديقته آدا التي قالت بصوت مرتجف: “لقد دمّروا حياته.. هذا ليس ترحيلاً، بل حكم بالإعدام".
ورغم تعهد حكومة إسواتيني بإعادة المرحّلين إلى بلدانهم الأصلية، إلا أن أحداً لا يعرف متى –أو إن كان– سيحدث ذلك فعلاً، بينما يواصل هؤلاء الرجال العيش في عزلة تامة داخل سجن بعيد، لا تربطهم به أي صلة سوى أنه أصبح منفاه الأخير.