ترامب يطيح بواحدة من أهم الاتفاقيات المناخية.. الحق في بيئة آمنة يتراجع أمام مصالح الشحن

ترامب يطيح بواحدة من أهم الاتفاقيات المناخية.. الحق في بيئة آمنة يتراجع أمام مصالح الشحن
السفن وانبعاثات الكربون

 

أطاح الهجوم السياسي الذي قاده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإحدى أهم الاتفاقيات البيئية التي كانت الأمم المتحدة تعوّل عليها لتحقيق خفضٍ حقيقي في انبعاثات قطاع الشحن البحري العالمي، مُعلنًا بداية مرحلة جديدة من الصراع بين السيادة السياسية وحق الإنسان في بيئة آمنة.

فقد عرقلت الولايات المتحدة، مدعومةً بعدد من الدول النفطية، الجهود الدولية لاعتماد أول ضريبة عالمية على الكربون في قطاع النقل البحري، بعدما كانت الاتفاقية قد حازت موافقة مبدئية من غالبية الدول الأعضاء في المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة خلال شهر أبريل الماضي.

تُبرز هذه التطورات مدى هشاشة الإرادة الدولية في مواجهة أزمة المناخ، فقد وصفت “فايننشيال تايمز ”ما حدث بأنه "ضربة للدبلوماسية الدولية"، في حين رأت الغارديان أنه "استجابة مباشرة للضغوط الأمريكية"، أكدت أسوشيتدبرس أنّ القرار مثّل "تراجعًا عن العدالة المناخية لأجل التسويات السياسية".

ويُظهر التصويت الذي جرى في مقر المنظمة البحرية الدولية في لندن حجم الانقسام: 57 دولة صوّتت لأجل التأجيل، مقابل 49 دولة ضده، وامتنعت 21 دولة عن التصويت، بعد أن كانت النسبة مختلفة في أبريل حين أيّد 63 عضوًا الاتفاق وعارضته 16 دولة فقط.

يُحذّر الأمين العام للمنظمة البحرية الدولية، أرسينيو دومينغيز، من أن "الطريقة التي جرت بها المحادثات لا تُبشّر بخير"، داعيًا الوفود إلى عدم تكرار "هذا النهج في المستقبل"، فيما وصفت "الغارديان" المشاهد داخل قاعة الاجتماعات بأنها "استثنائية وغير مسبوقة"، إذ ساد التوتر والانقسام بين الوفود إلى حدّ دفع دومينغيز إلى مطالبتهم بعدم التصفيق عند إعلان النتيجة، قائلاً إنّه "لا فائزين في هذا الاجتماع".

الضغوط الأمريكية

أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تصريحات نُشرت عبر منصته الاجتماعية "تروث سوشيال"، رفضه لما وصفه بـ"الضريبة العالمية الجديدة على الشحن البحري"، معتبرًا إياها "خدعة بيئية" تستهدف الاقتصاد الأمريكي.

ويُلوّح بسلسلة من العقوبات والقيود ضد الدول التي تؤيد الاتفاق، منها حظر السفن، وإلغاء التأشيرات، وفرض رسوم تجارية جديدة. وبحسب "أسوشيتدبرس"، فقد "هددت واشنطن بفرض رسوم جمركية وقيود على الموانئ في حال المضي في التصويت لأجل الاتفاق"، وهو ما عدته منظمات بيئية "انتهاكًا صريحًا لحق الدول الصغيرة في المشاركة الحرة في صنع القرار الدولي".

بارك وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، هذا التعطيل واصفًا إياه بأنه "انتصار كبير آخر" لترامب، وقال عبر منصة "إكس": "لقد منعت الولايات المتحدة ضريبة أممية ضخمة كانت ستثقل كاهل المستهلك الأمريكي وتموّل مشاريع مناخية تقدمية".

يُسجّل وزير تغيّر المناخ في فانواتو، رالف ريجينفانو، اعتراضًا حادًّا على القرار، واصفًا التأجيل بأنه "غير مقبول بالنظر إلى الإلحاح الذي يفرضه تسارع تغيّر المناخ"، مضيفًا أن هذه النتيجة "ستجعل المناقشات في قمة المناخ (كوب 30) بالبرازيل أكثر صعوبة".

وعبر الوفد البرازيلي عن استيائه من "الأساليب غير المسبوقة" التي استُخدمت للضغط على الدول، قائلاً إن مثل هذه الوسائل "ينبغي ألا تُمارَس بين دول ذات سيادة"، محذّرًا من أن تحل "المفاوضات الثنائية القسرية محل الحوار المتعدد الأطراف".

العدالة المناخية

يُفسّر خبراء المناخ نتائج التصويت على أنها "تراجع جديد عن مبادئ العدالة المناخية"، إذ تُعدّ الضريبة المقترحة على انبعاثات السفن وسيلةً لتجسيد مبدأ "الملوّث يدفع"، وهو أحد المبادئ الأساسية في القانون البيئي الدولي.

يُذكّر الدكتور سيمون بولوك، الباحث في مركز تيندال لأبحاث تغير المناخ بجامعة مانشستر، بأن "الدول القوية المنتجة للوقود الأحفوري نجحت مجددًا في عرقلة الجهود العالمية للتعاون بشأن تغير المناخ"، مشيرًا إلى أن "النتيجة التي أُعلِنت ليست ما أرادته الصناعة، ولا ما يمكن لشعوب العالم تحمّله"، وفقًا لـ"الغارديان"

ويُقدّر الخبراء أن الضريبة، لو تم إقرارها، كانت ستُحقّق ما بين 10 إلى 15 مليار دولار سنويًا اعتبارًا من عام 2030، تُخصص معظمها لتمويل التحول إلى وقود أنظف وتحديث السفن والموانئ، إلا أن "الغارديان" تشير إلى خيبة أمل لدى الدول الصغيرة التي كانت تأمل أن تُوجَّه عائدات الضريبة لمساعدتها على التكيّف مع آثار المناخ، بدلًا من إعادة ضخها في قطاع الشحن نفسه.

ويُنبّه الأمين العام للغرفة الدولية للنقل البحري، توماس كازاكوس، إلى أن "القطاع بحاجة إلى مزيد من الوضوح ليتمكن من الاستثمار في إزالة الكربون"، مشددًا على أن "الضبابية الحالية تُهدّد الجدول الزمني للتحول الأخضر في الصناعة".

الحق في بيئة آمنة

من جانبها تُشير "أسوشيتد برس" إلى أن انبعاثات الشحن البحري تمثل نحو 3% من إجمالي الانبعاثات العالمية، مع توقعات بارتفاعها إلى 10% بحلول منتصف القرن إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة، وتُذكّر أن "السفن الكبيرة تدوم في الخدمة نحو 25 عامًا، ما يعني أن تأجيل القرارات الآن سيترك آثارًا طويلة الأمد على الأجيال القادمة".

وتُبرز المديرة العليا للدبلوماسية المناخية في منظمة "أوبورتيونيتي جرين"، إيما فينتون، أن "الاستسلام للضغوط السياسية يعني التخلي عن الدول الأكثر عرضةً للمخاطر المناخية"، مؤكدة أن ما حدث "يكشف ضعف التزام المجتمع الدولي بمبدأ العدالة المناخية".

تُعيد هذه التطورات إلى الواجهة جدلية التوازن بين السيادة الوطنية والالتزامات الدولية لحقوق الإنسان في بيئة صحية، فبينما تُدافع الولايات المتحدة عن موقفها باعتباره حماية لاقتصادها، ترى الدول الجزرية الصغيرة أن تأجيل الإجراءات "انتهاك مباشر لحقها في البقاء" على خلفية ارتفاع منسوب البحار.

تُحذّر كبيرة مسؤولي سياسات النقل البحري في منظمة "بحار في خطر"، أناييس ريوس، من أن "تأجيل اعتماد الإطار الصفري الصافي يعني إهدار فرصة حقيقية لمعالجة مساهمة الشحن العالمي في تدهور المناخ"، داعيةً الدول إلى "العودة بتصويت أقوى وأكثر ثقة لا يمكن إسكاتُه".

ويُظهر تزامن قرار التأجيل مع التحضير لقمة المناخ (كوب) في البرازيل حجم التحدي الذي يواجه المجتمع الدولي في إعادة بناء الثقة، وقد وصفت "فايننشيال تايمز" ما جرى بأنه "تمهيد لنهاية الاتفاق"، في حين أكدت "أسوشيتد برس" أن "المفاوضات المستقبلية ستبدأ من نقطة ضعف بعد أن فقدت المنظمة البحرية الدولية زخمها".

ويُشدّد وزير مناخ فانواتو، على أن "فشل المنظمة البحرية الدولية في اعتماد الإطار يُعد فشلًا في اتخاذ إجراءات حاسمة لحماية الكوكب"، مضيفًا أن "القانون الدولي في صفّ الدول الصغيرة التي ستواصل نضالها من أجل العدالة المناخية".

تُختَتم الجلسة وسط خيبة أمل، حيث طلب الأمين العام دومينغيز من المندوبين مغادرة القاعة دون تصفيق، مؤكدا انه لم يكن هناك فائز، بل خسارة جماعية للحق في بيئة آمنة ولإمكانية تحوّل قطاع الشحن إلى نموذج أكثر استدامة.

وعلى الرغم من أن العالم قد شهد في العام الماضي أكثر الأعوام حرارة على الإطلاق، فمع ذلك ما تزال القرارات المناخية تُؤجَّل عامًا بعد عام، وبينما تتقدم مصالح الوقود الأحفوري على العدالة المناخية، يبقى حق الإنسان في بيئة نظيفة وصحية مؤجلاً هو الآخر.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية