من الزنازين إلى المقاصل.. إسرائيل تُقنن القتل والفلسطينيون يطالبون بالعدالة
من الزنازين إلى المقاصل.. إسرائيل تُقنن القتل والفلسطينيون يطالبون بالعدالة
شهدت الساحة الفلسطينية اليوم ارتداداً واسعاً بعد مصادقة لجنة الأمن القومي في الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون يقضي بإعدام الأسرى الفلسطينيين المنفّذين لعمليات ضد إسرائيل، وهي خطوة أثارت ردود فعل منظمات حقوقية فلسطينية ودولية وداخل الأوساط الشعبية الرسمية، وتعتبر الفصائل الفلسطينية والمراكز الحقوقية أن هذا المسار التشريعي يمثّل “جريمة حرب” و”تمهيداً لحرب جديدة” ضد الإنسانية.
وأصدر المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى بياناً اليوم الاثنين وصف فيه مصادقة اللجنة بأنها جريمة حرب صريحة وأنها نذير حرب جديدة ضد الإنسانية، وأكد المركز أنّ حكومة إسرائيل تثبت مرة أخرى أنها تقتات على دماء وعذابات الأسرى في سجونها، واعتبر أن السياسات الانتقامية الممنهجة بحق الشعب الفلسطيني في هذا القرار تضع المنطقة على دوامة جديدة من العنف والمجهول، ودعا المركز إلى إعلان موقف وطني فلسطيني موحّد، على المستوى الرسمي والفصائلي والشعبي، دعماً للأسرى ورفضا لهذا المسار.
في سياق متّصل، وصف نادي الأسير الفلسطيني القرار بأنه خطوة إضافية لترسيخ جريمة قائمة وممارسة منذ عقود، من خلال تشريعها عبر القوانين والتشريعات والأوامر العسكرية، وأوضح النادي أن العدد المعلن من شهداء الأسرى الفلسطينيين منذ بدء الحرب وحتى أوائل نوفمبر 2025 بلغ 81، إلى جانب العشرات الذين لا يزالون رهن الإخفاء القسري من معتقلي غزة.
وأضاف أن الوصول إلى مرحلة القراءة الأولى للقانون لم يكن مفاجئاً في ظل توحش السلطات الإسرائيلية التي تمعن في الإبادة الجماعية، منوّهاً إلى أن القانون الدولي قد عمل على إلغاء عقوبة الإعدام ضمن عدة معاهدات، لكن أفعال سلطات إسرائيل تقول إنها تعمل فوق القانون وخارج نطاق المساءلة.
مخالفات وتهديد للقانون الدولي
ينص مشروع القانون الذي صادقت عليه اللجنة على أن الإرهابي الذي يقتل مواطناً إسرائيلياً بدافع العداء العنصري أو العلني، بهدف المساس بدولة إسرائيل وبعث الشعب اليهودي في أرضه، يُحكم عليه بالإعدام، ويُعدل الإجراءات القضائية بحيث يمكن للمحكمة العسكرية إصدار حكم الإعدام بأغلبية بسيطة من القضاة بدلاً من التوافق الإجماعي، ويمنع تخفيف العقوبة لمن صدر بحقه حكم الإعدام نهائياً.
من الناحية القانونية، يرى متابعون أن هذا المشروع يتعارض مع التزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والمواثيق التي تشترط ضمان محاكمة عادلة وعدم فرض عقوبة الإعدام في غياب معايير التقاضي العادل، كما أنّ منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والدولية اعتبرت أن النص يشكّل محاولة لتقنين ممارسات الإعدام خارج نطاق القانون وشرعنتها.
هذه ليست المرة الأولى التي يُطرح فيها مشروع قانون إعدام الأسرى الفلسطينيين في الكنيست، فقد أُعيد طرح المشروع خلال حكومة اليمين المتطرف برئاسة إيتمار بن غفير التي شكّلت تحالفاً مع حزب "الليكود" برئاسة بنيامين نتنياهو في أواخر عام 2022، ويندرج القانون في إطار الاتفاقات الائتلافية التي احتضنت البرنامج الأمني المتشدد تجاه الفلسطينيين.
وتأتي المصادقة على المشروع في سياق حرب غزة الممتدة وتصاعد عدد الأسرى الفلسطينيين وارتفاع عدد الشهداء بينهم، فضلاً عن سياسة اعتقالات إدارية وممارسات اعتقال وصفتها منظمات حقوقية بأنها تعسفية، بحسب تقرير حقوقي فإن عدد المعتقلين الفلسطينيين لدى إسرائيل بلغ نحو 11100 حالة، بينهم نساء وأطفال، مع تسجيل نحو 77 حالة وفاة في الحجز منذ أكتوبر 2023 حتى أغسطس 2025.
تداعيات إنسانية وأمنية
من الصعب فصل تبعات هذا القانون عن الواقع الذي يعيش فيه الأسرى الفلسطينيون وأُسرهم، إذ يشير البيان إلى أن مشروع القانون ليس مجرد تشريع أمني بل يحمل مضامين أمنية وسياسية تتجاوز المعتاد، لما يحمله من تهديد مباشر لحق الحياة والعدالة، ويرون أن العواقب لا يمكن لأحد التنبؤ بها إذا ما استمرت إسرائيل في انتهاكها السافر للقانون الدولي.
أولى التأثيرات المحتملة تشمل تصعيداً في التوترات داخل السجون، وانسحاباً من الاتفاقيات غير المكتوبة التي كانت ولو شكلياً تمنح المعتقلين معاملة أقل من الإعدام، كما أن الأسرى وعائلاتهم قد يشعرون بأن القانون يشرّع موتهم مسبقاً، ما يشكل ضغطاً نفسياً واجتماعياً جديداً في ظل ظروف الاحتجاز.
من جهة أخرى، قد تؤدي الخطوة إلى ردود فعل فلسطينية وعربية ودولية أوسع، قد تأخذ شكل إجراءات قانونية أمام مؤسسات دولية، أو تحفيزاً لمزيد من الحركة الشعبية والمقاومة، وتحذّر منظمات حقوق الإنسان من أن القانون قد يحفّز عمليات انتقامية أو إساءة معاملة داخل السجون، ويزيد من العنف المتبادل.
ما الذي يطالب به الفلسطينيون؟
طالبت الجهات الفلسطينية على جميع المستويات الرسمية والمجتمعية باتخاذ موقف وطنى موحّد يشمل رفض القانون الإسرائيلي، ودعم الأسرى الفلسطينيين، وتوحيد الجهود لتفعيل القنوات الحقوقية والدولية، والضغط على المجتمع الدولي لتحميل إسرائيل المسؤولية، كما دعت منظمات حقوق الإنسان إلى تدخل دولي عاجل لمراجعة أوضاع السجون الإسرائيلية وضمان محاكمة عادلة للأسرى ومنع تنفيذ هذا القانون إذا ما أصبح نافذاً.
على الصعيد الدولي، أكّدت بيانات متعددة رفض عقوبة الإعدام تدريجياً، بما في ذلك من خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة التي دعت إلى تخفيضها دولياً، والاتفاقيات التي تُقيّدها، وفي هذا الإطار يعتبر مشروع القانون خطوة في الاتجاه المعاكس للمسار الدولي.
يبقى أن ننتظر ما إذا كان المشروع سيحصل على القراءات الثلاثة في الكنيست ويصبح قانوناً نافذاً، وفي أي إطار يتم تطبيقه، وما هي الضمانات التي ستُمنح للمحاكمة العادلة، في حال تفعيل القانون، فإن أول اختبار سيكون تطبيقه أو رفضه في قضايا الأسرى الحالية أو المحتملة، كما ستحدد ردود الفعل الدولية ما إذا كان القانون سيُفعّل أو يُجمّد بفعل ضغوط أو تطورات ميدانية أو سياسية.
وعلى الجانب الفلسطيني، فإن توحيد الموقف وخيار اللجوء إلى المسارات الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية أو جهات حقوقية دولية قد يكون خياراً لاستنهاض الضغط على إسرائيل.










