انتهاكات مستمرة.. دعوات لحماية الأسرى الفلسطينيين من التعذيب الإسرائيلي الممنهج
انتهاكات مستمرة.. دعوات لحماية الأسرى الفلسطينيين من التعذيب الإسرائيلي الممنهج
تتجدد المطالب الفلسطينية للمجتمع الدولي بالتدخل العاجل لوقف ما تصفه بـ"الجرائم الإسرائيلية الممنهجة" بحق الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، بعد انتشار مقاطع مصورة أظهرت وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير وهو يتجول بين معتقلين مكبلين ويطلق تصريحات تحريضية تدعو إلى "إعدامهم".
هذا المشهد الذي أثار موجة غضب فلسطينية وعربية ودولية، أعاد إلى الواجهة ملف الأسرى الفلسطينيين الذي يُعدّ أحد أكثر الملفات الإنسانية إلحاحاً في الصراع المستمر منذ عقود وفق وكالة أنباء الأناضول.
انتهاك اتفاقيات جنيف
تقول وزارة الخارجية الفلسطينية في بيان صدر السبت إن السياسات الإسرائيلية تمثل انتهاكاً صريحاً لاتفاقيات جنيف الرابعة، التي تحظر التعذيب وسوء المعاملة والاعتقال التعسفي، مشيرة إلى أن إسرائيل تتعامل مع الأسرى بوصفهم "أدوات انتقام جماعي"، لا أسرى نزاع يخضعون للحماية القانونية.
وتضيف الوزارة أن استمرار السلطات الإسرائيلية في منع اللجنة الدولية للصليب الأحمر من زيارة المعتقلين وحرمانهم من التواصل مع عائلاتهم يشكل "جريمة حرب مكتملة الأركان"، مطالبة المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق رسمي في الانتهاكات.
ودعت منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش إلى مساءلة المسؤولين الإسرائيليين عن هذه الانتهاكات، مؤكّدتين في تقارير متزامنة أن الظروف داخل السجون الإسرائيلية "وصلت إلى مستويات غير إنسانية"، مع تسجيل حالات وفاة نتيجة التعذيب أو الإهمال الطبي المتعمد.
وفي تقرير للأمم المتحدة لعام 2025، أشار مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان إلى أن نحو 5200 أسير فلسطيني محتجزون في السجون الإسرائيلية، منهم 170 طفلاً و32 امرأة، وأكثر من 1300 رهن الاعتقال الإداري دون توجيه تهم واضحة أو محاكمة.
التقارير الميدانية تشير إلى أن حملة الاعتقالات توسعت بشكل كبير منذ بداية الحرب على غزة عام 2023، إذ اعتُقل آلاف الفلسطينيين من الضفة الغربية والقدس، في حين نقل مئات المعتقلين إلى سجن سدي تيمان العسكري في صحراء النقب الذي أصبح رمزاً لسوء المعاملة والتعذيب الجسدي والنفسي.
المسؤولية الجنائية
وفي الوقت الذي تبرر فيه السلطات الإسرائيلية ممارساتها بأنها "إجراءات أمنية ضرورية"، يرى خبراء القانون الدولي أن هذه التبريرات لا تسقط المسؤولية الجنائية عن الانتهاكات الموثقة.
تقول مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة إن "ما يحدث داخل السجون الإسرائيلية هو انتهاك واضح للمادة الثالثة من اتفاقيات جنيف التي تحظر المعاملة القاسية والمهينة، سواء خلال النزاعات المسلحة أو بعدها".
القانون الدولي الإنساني يضع التزامات واضحة على قوة الاحتلال، أبرزها ضمان الرعاية الصحية للمحتجزين، وتأمين الزيارات العائلية، وعدم استخدام التعذيب لانتزاع الاعترافات. إلا أن المنظمات الحقوقية الفلسطينية، مثل نادي الأسير ومؤسسة الضمير، وثقت عشرات الحالات التي تعرّض فيها المعتقلون للتعذيب الجسدي، والحرمان من العلاج، والعزل الانفرادي لأشهر طويلة.
كما تشير الإحصاءات إلى وفاة أكثر من 250 أسيراً منذ عام 1967 داخل السجون الإسرائيلية، منهم 84 نتيجة الإهمال الطبي.
لجان تقصي حقائق دولية
على المستوى السياسي، طالبت وزارة الخارجية الفلسطينية مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة باتخاذ إجراءات عملية، منها فرض لجان تقصي حقائق دولية وإلزام إسرائيل بالسماح بزيارات أممية إلى أماكن الاحتجاز.
وتتهم فلسطين المجتمع الدولي بـ"ازدواجية المعايير" في التعامل مع قضايا حقوق الإنسان، معتبرة أن الصمت الدولي يشجع تل أبيب على مواصلة سياساتها دون محاسبة.
أما على الصعيد الشعبي، فقد شهدت مدن الضفة الغربية وغزة والقدس تظاهرات تضامنية مع الأسرى، رفعت خلالها شعارات تطالب بالإفراج عن المعتقلين، وبمحاكمة قادة الاحتلال أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وفي أوروبا وأمريكا اللاتينية، نظمت منظمات تضامن وقفات احتجاجية أمام السفارات الإسرائيلية، دعت فيها إلى وقف “الاعتقال الإداري” الذي تصفه الأمم المتحدة بأنه "أداة قمع سياسي" تخالف القانون الدولي.
الأسرى والنضال الفلسطيني
تاريخياً، يشكل ملف الأسرى جزءاً محورياً من النضال الفلسطيني منذ عام 1967، إذ تجاوز عدد الذين مرّوا بتجربة الاعتقال أكثر من مليون فلسطيني، ويعدّ الإضراب عن الطعام أحد أبرز وسائل المقاومة داخل السجون، وقد دفع العشرات من الأسرى حياتهم ثمناً للمطالبة بتحسين أوضاعهم أو إنهاء اعتقالهم الإداري.
التداعيات الإنسانية لهذه السياسات تتجاوز حدود السجون. فالأسر الفلسطينية تعيش قلقاً دائماً، والأمهات ينتظرن سنوات لرؤية أبنائهن، في حين يعاني الأسرى المحررون من صدمات نفسية عميقة جراء العنف وسنوات العزل.
تؤكد تقارير الطب النفسي الفلسطيني أن ما لا يقل عن 60% من الأسرى المحررين يعانون اضطرابات ما بعد الصدمة، وأن نسبة كبيرة منهم تواجه صعوبة في الاندماج مجدداً في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
في المقابل، يرى مراقبون أن استمرار هذه الانتهاكات يمثل تحدياً حقيقياً للنظام الدولي لحقوق الإنسان، ويقوّض الثقة في فعالية مؤسساته. فالقانون الدولي واضح في تعريف "جرائم الحرب"، لكن غياب الإرادة السياسية لتطبيقه يجعل من العدالة شعاراً مؤجلاً.
ختاماً، تؤكد المؤسسات الحقوقية الفلسطينية والدولية أن حماية الأسرى الفلسطينيين لم تعد مسألة إنسانية فحسب، بل اختبار حقيقي لضمير العالم. فإما أن يتحرك المجتمع الدولي لحماية القانون الدولي، أو يظل الصمت شريكاً في المعاناة اليومية خلف القضبان.










