بين الحاجة الاقتصادية والضغوط على اللاجئين.. ألمانيا تعيد تشكيل سياسة الهجرة
بين الحاجة الاقتصادية والضغوط على اللاجئين.. ألمانيا تعيد تشكيل سياسة الهجرة
تعيد ألمانيا رسم ملامح سياستها المتعلقة بالهجرة في لحظة سياسية حساسة تتقاطع فيها الضغوط الاقتصادية مع التوترات الداخلية حول ملف اللجوء، خصوصًا المرتبط بالسوريين.
وتكشف التحركات الحكومية الأخيرة عن نهج جديد يقوم على فتح أبواب الهجرة المهنية لسد النقص في سوق العمل، مقابل تشديد شروط الإقامة والاندماج، ما يحدّ من بقاء اللاجئين غير القادرين على الاندماج أو العمل، بحسب ما ذكر موقع “مهاجر نيوز”، الاثنين.
وتسعى الحكومة إلى إعادة صياغة نهج شامل للهجرة يقوم على استقطاب العمالة الأجنبية المؤهلة، في ظل أزمة نقص حاد في السوق الألماني، خصوصًا في قطاع الرعاية الصحية.
الحاجة لهجرة واسعة
يؤكد المستشار فريدريش ميرتس، أن ألمانيا تحتاج “هجرة واسعة من مختلف دول العالم” لتظل دولة قادرة على العمل والنمو، مشيرًا إلى أن نحو ربع العاملين في دور رعاية المسنين من غير الألمان.
وتعمل برلين على إطلاق وكالة جديدة تحمل اسم "العمل والبقاء"، تُعد أكبر مشروع رقمي في هذه الدورة التشريعية، وتهدف إلى تسريع إجراءات الهجرة المهنية وتقليل التعقيدات البيروقراطية المتعلقة بتصاريح العمل والاعتراف بالمؤهلات.
ويواجه آلاف العاملين الأجانب صعوبات تتعلق برسوم التوظيف، واللغة، والتمييز، وضعف الاعتراف بشهاداتهم، وهي عراقيل تهدد قدرتهم على البقاء طويلًا، رغم حاجة الدولة الملحّة إليهم.
سوريون على خط النار
تفرض الحكومة بالتزامن سياسة أكثر صرامة تجاه اللاجئين. ويؤكد وزير الداخلية ألكسندر دوبريندت أن بقاء اللاجئ السوري سيعتمد على “نسبة اندماجه ومشاركته في سوق العمل”، معتبرًا أن الاندماج “مسؤولية فردية”.
وينصّ التوجه الجديد على أن أي سوري يسافر إلى بلده يفقد وضع الحماية تلقائيًا، باعتبار أن السفر يثبت انتفاء الخطر عنه، رغم اعتراض منظمات حقوقية ترى أن الزيارات القصيرة قد تكون إنسانية أو عائلية.
وتفاقمت حساسية هذا الملف بعد سقوط نظام بشار الأسد في نهاية عام 2024، ما أدى إلى انخفاض أعداد الواصلين من سوريا بنسبة 46.5%، مقابل ارتفاع أعداد العائدين طوعًا أو نتيجة ضغوط سياسية وإدارية.
ورغم إعلان ميرتس أن “الحرب الأهلية انتهت”، ما تزال تقارير أممية تثبت استمرار الاعتقالات والاختفاء القسري.
انقسامات داخل الحكومة
تثير قضية الترحيل إلى سوريا انقسامًا داخل الائتلاف الحاكم. وبينما يصرّ المستشار ميرتس على اعتبار سوريا آمنة، يتبنى وزير الخارجية يوهان فاديفول موقفًا أكثر حذرًا، مؤكّدًا أن العودة “ممكنة بشكل محدود فقط” بسبب استمرار المخاطر الأمنية.
وتعجز السلطات في بعض الولايات عن تنفيذ الترحيل القسري بسبب غياب أماكن الاحتجاز أو عدم وضوح جنسيات بعض الأفراد، وهو ما يجعل العودة الطوعية أكثر انتشارًا من الترحيل الإجباري.
تبرز التطورات أن ألمانيا تتبنى نهجًا ثنائي المسار: تشجيع الهجرة المهنية لجذب العمال المهرة وسد فجوات سوق العمل، وتشديد شروط الإقامة والاندماج وربط استمرار الحماية بالعمل والمشاركة الفعلية في المجتمع.
ورغم اعتماد الاقتصاد الألماني على الأجانب، خصوصًا في قطاع الرعاية، يواجه اللاجئون -خاصة السوريين- توجهًا متصاعدًا يربط حق البقاء بمدى الاندماج، في خطوة يحذر حقوقيون من أنها قد تغلب الضغوط السياسية على الاعتبارات الإنسانية.











