تحت ضغط الحرب.. غياب القوى العاملة يحول الأزمة الاقتصادية في إسرائيل إلى تحدٍ طويل الأمد

تحت ضغط الحرب.. غياب القوى العاملة يحول الأزمة الاقتصادية في إسرائيل إلى تحدٍ طويل الأمد
الاقتصاد الإسرائيلي - تعبيرية

تشهد سوق العمل الإسرائيلية حالة من الهشاشة غير المسبوقة، وسط ارتفاع قياسي في عدد الوظائف الشاغرة، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على النشاط الاقتصادي وقدرة الشركات على الاستمرار في تلبية احتياجات السوق، وتشير بيانات حديثة إلى أن عدد المهن الشاغرة قفز إلى 149.8 ألف وظيفة في أكتوبر، مقارنة بـ147.3 ألفاً في سبتمبر، وهو مستوى قريب جداً من الرقم القياسي الذي بلغ 151.6 ألف وظيفة في يونيو 2022 بعد جائحة كورونا.

قفزة قياسية في الوظائف الشاغرة

صحيفة "كالكاليست" أكدت الثلاثاء أن الوضع الحالي يختلف جوهرياً عن أزمة ما بعد كورونا، حين كان ارتفاع الوظائف الشاغرة مرتبطاً بعدم تطابق مهارات العاملين مع متطلبات الوظائف المتاحة، أما اليوم، فالأزمة ترتبط بشكل رئيسي بالاستدعاءات المستمرة للاحتياط منذ اندلاع الحرب، ما يؤدي إلى فجوات هائلة في القوى العاملة المدنية، ويزيد من الضغوط على الشركات والاقتصاد بشكل عام.

مدير أحد شركات البناء في تل أبيب الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، قال إن الاستدعاءات العسكرية لمجموعة كبيرة من الموظفين تعني تعطيل المشاريع وتأجيل تسليم العقود، وأضاف أن "العمالة التي تغيب شهوراً بسبب الاحتياط لا يمكن تعويضها بسهولة، ونحن نعيش حالة من الترقب المستمر لمعرفة من سيعود للعمل ومن سيظل في الخدمة العسكرية".

تباطؤ حاد في التوظيف رغم الحرب

رغم استمرار النزاعات، سجل عدد العاملين ارتفاعاً بنسبة 4.6% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، إلا أن هذا النمو متواضع جداً مقارنة بالفترة بين 2021 و2023، حين ارتفع عدد العاملين بنسبة 11%، وهذا التباطؤ يعكس قدرة محدودة للاقتصاد على توليد وظائف حقيقية ومستقرة، ويشير إلى أزمة بنيوية تتجاوز مجرد تأثير الحرب في سوق العمل.

الزيادة في الوظائف الشاغرة طالت معظم القطاعات الاقتصادية في إسرائيل، مع تسجيل زيادات كبيرة في الضيافة والطعام والتجارة، في حين شهد قطاع البناء أكبر ارتفاع على الإطلاق. تقول المحللة الاقتصادية، ناتالي روزين، إن "القطاعات التي تعتمد على العمالة اليومية مثل البناء والخدمات والفنادق هي الأكثر تأثراً، لأن غياب عدد كبير من الموظفين يخلق فجوة يصعب سدها بسرعة".

الجانب الإنساني

الموظفون الذين لم يتم استدعاؤهم أو الذين عادوا من الاحتياط يواجهون ضغوطاً مزدوجة، إذ تضطر بعض الشركات لزيادة ساعات العمل لتعويض الغياب، ما يؤثر في حياة العاملين وأسرهم، تقول ليانا، موظفة في مطعم بمدينة حيفا، "نعمل ساعات أطول الآن، والمطاعم مزدحمة، لكن لا يمكننا اللحاق بالطلبات كلها، نحن مرهقون، والعائلات تعاني من ضغوط إضافية".

في قطاع الخدمات اللوجستية، يواجه سائقو الشاحنات نقصاً في العمالة يؤدي إلى تأخير تسليم المواد الغذائية والأدوية، في حين تقول الشركات الصغيرة إن تأمين البدائل مكلف للغاية، وفق صاحب شركة نقل، "نحن نضطر للاستعانة بسائقين مؤقتين، وهذا يزيد التكاليف ويقلل الكفاءة، الأمر الذي ينعكس على الزبائن والاقتصاد المحلي".

بطالة منخفضة على الورق 

رغم الأرقام الرسمية التي تشير إلى انخفاض البطالة، فإن الواقع مختلف تماماً، معدل التشغيل تراجع من 60.8% إلى 60.2% خلال شهر واحد، وهو اتجاه مستمر منذ بداية الحرب، ويعكس ضعف النشاط الاقتصادي الحقيقي. معدل البطالة الرسمي ارتفع قليلاً من 3% إلى 3.2%، وتوضح صحيفة كالكاليست أن هذه الأرقام لا تعكس الواقع، إذ إن معظم الغياب مرتبط بالخدمة الاحتياطية أو الإجازات القسرية.

المحلل الاقتصادي، يوآف هيرشكوفيتش، أشار إلى أن "المؤشرات الرسمية لا تعكس الأزمة الحقيقية في سوق العمل، فهناك آلاف من العمال القادرين على العمل، لكنهم غائبون بسبب الخدمة العسكرية، وهذا يعقد قدرة الاقتصاد على التعافي ويزيد من هشاشة القطاعات الحيوية".

أثر الحرب في القطاعات الحيوية

تظهر البيانات أن القطاعات الأكثر تضرراً في إسرائيل هي تلك التي تعتمد على العمالة اليومية مثل البناء، الضيافة، والمطاعم، إضافة إلى التجارة والخدمات اللوجستية، والتحدي الأكبر بالنسبة للشركات هو القدرة على ضمان استمرارية الأعمال أثناء غياب عدد كبير من الموظفين بسبب الاحتياط، خاصة في المدن الكبرى مثل تل أبيب وحيفا وأشدود، حيث الطلب مرتفع على الخدمات الأساسية.

رئيس غرفة التجارة في تل أبيب أكد أن "القطاع الخاص يعيش ضغوطاً غير مسبوقة، ومئات الشركات الصغيرة والمتوسطة تكافح لتغطية النقص في العمالة، وبعض الشركات اضطرت لتقليص ساعات العمل أو حتى إغلاق فروع مؤقتاً، وهو ما يهدد الاقتصاد المحلي على المدى الطويل".

عن سوق العمل في إسرائيل

الاستدعاءات الاحتياطية جزء من هيكل الأمن الإسرائيلي، إذ يُستدعى عدد كبير من المواطنين المدنيين للمشاركة في النزاعات والحروب، وهذا النظام الأمني، رغم أهميته للدفاع الوطني، يترك فجوات كبيرة في القوى العاملة المدنية، ما يزيد من هشاشة الاقتصاد ويؤثر في القطاعات التي تعتمد على العمالة اليومية.

منذ تأسيس الدولة، واجه الاقتصاد الإسرائيلي تحديات دورية في سوق العمل نتيجة الأزمات العسكرية، إلا أن الوضع الحالي يختلف من حيث العمق والمدة، إذ يضيف استمرار الحرب والتصعيد العسكري ضغوطاً مستمرة على الشركات والعمال، ويجعل أي انتعاش اقتصادي مؤقت غير كافٍ لتغطية الفجوات البنيوية.

خبراء الاقتصاد يؤكدون أن الحلول قصيرة المدى مثل الاستعانة بعمالة أجنبية أو زيادة ساعات العمل لا تعالج المشكلة، ويشددون على الحاجة إلى خطة استراتيجية طويلة الأمد لتأمين القوى العاملة، دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، وتحسين الإنتاجية في القطاعات الحيوية، مع مراعاة الأوضاع الأمنية المستمرة.

الوضع الحالي يوضح أن سوق العمل الإسرائيلي يمر بأزمة بنيوية حقيقية، تتجاوز الأرقام الرسمية للبطالة، وتنعكس بشكل مباشر على القطاعات الاقتصادية الأساسية، وقد تؤثر في النمو الاقتصادي لسنوات قادمة، وتشير التحليلات إلى أن استمرار الاستدعاءات الاحتياطية دون خطط بديلة لتعويض نقص العمالة سيؤدي إلى تفاقم الأزمة، ويزيد من صعوبة تلبية احتياجات المستهلكين، ويضع ضغطاً إضافياً على الأسر والشركات على حد سواء.

يؤكد الخبراء أن معالجة هذه الأزمة تتطلب رؤية متكاملة تشمل تعزيز برامج التدريب، تحسين جاذبية سوق العمل، دعم الابتكار والإنتاجية، واستحداث آليات للتعويض عن الغياب الطويل للعمالة نتيجة الخدمة الاحتياطية، كما يشددون على أهمية دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، لأنها الأكثر تأثراً بالغياب المفاجئ للعمال، ويجب أن تكون جزءاً أساسياً من أي استراتيجية إنعاش اقتصادي طويل الأمد.

في الوقت نفسه، يبقى البعد الإنساني محورياً، فالعاملون والأسر يعانون ضغوطاً مزدوجة نتيجة العمل لساعات طويلة لتعويض الغياب، وتأثيرات الحرب المستمرة، ما يستدعي تدخلات حكومية لدعم العاملين وحماية حقوقهم أثناء الأزمات.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية