تهريب السلاح.. كيف تصاعد نفوذ الحوثيين عبر التهريب في البحر الأحمر؟

تهريب السلاح.. كيف تصاعد نفوذ الحوثيين عبر التهريب في البحر الأحمر؟
عناصر تابعة لميليشيا الحوثي

على امتداد مياه البحر الأحمر وخليج عدن، حيث تلتقي طرق التجارة العالمية بأخطر مسارات التهريب، تتشكل ملامح نفوذ جديد تمتد جذوره داخل اليمن وتتشابك فروعه مع جماعات مسلحة وشبكات إجرامية من القرن الإفريقي حتى السودان، وكشف تقرير حديث صادر عن معهد دراسات السياسة الدولية الإيطالي، اعتماداً على معلومات خبراء الأمم المتحدة، صورة أكثر تعقيداً لما يحدث خلف خطوط الحرب التقليدية، ويؤكد أن ميليشيا الحوثي المدعومة من النظام الإيراني عززت خلال عام 2025 قدراتها في عمليات التهريب بمختلف أشكاله، رغم الضربات الجوية الأمريكية والإسرائيلية التي استهدفت مواقعها.

دور مركزي في منظومة التهريب

وفق تقرير نشرته "نافذة اليمن" اليوم الاثنين، فإن لم تعد الجماعة مجرد طرف محلي يعتمد على شبكات عشوائية لتأمين الإمدادات، بل تحولت إلى الجهة الرئيسية التي تدير وتتحكم في أنشطة التهريب لصالح جماعات أخرى، فالحوثيون، بحسب المعهد الإيطالي، أصبحوا المزود الأول والمشرف المباشر على عمليات تهريب السلاح وتوفير الدعم الفني واللوجستي لحركة الشباب الصومالية وتنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وهو ما يعكس تطوراً خطيراً في طبيعة أدوار الجماعة ومساحة تأثيرها الإقليمي.

ويشير الخبراء إلى أن هذا الدور لم يأت صدفة، بل ضمن استراتيجية اعتمدتها الجماعة لتعويض الضغط العسكري والاقتصادي الذي واجهته خلال السنوات الماضية، فالتهريب بالنسبة للحوثيين لم يعد نشاطاً جانبياً، بل أصبح جزءاً أصيلاً في بنيتها الأمنية والاقتصادية، ومصدراً تمويلياً يعادل في تأثيره الموارد التي تحصل عليها من مناطق سيطرتها.

طرق إمداد متعددة ومسارات جديدة

يلفت التقرير إلى أن أبرز ما ميّز عام 2025 هو قدرة الحوثيين على تنويع طرق التهريب رغم الرقابة البحرية وعمليات الاعتراض الدولية، فقد توسعت الجماعة في استخدام السواحل الممتدة بين اليمن والقرن الإفريقي، كما استخدمت جيبوتي وسواحل السودان نقاط عبور أو محطات تخزين مؤقتة لشحنات الأسلحة والمعدات، وهذا التنويع ساعد في إخفاء الكثير من المسارات، وإطالة عمر شبكات التهريب التي تُعد اليوم أحد أهم مصادر قوتها.

ويذكر التقرير استمرار تدفق شحنات أسلحة ذات منشأ صيني إلى مناطق سيطرة الحوثيين، ورغم أن هذه الأسلحة تمر عبر أطراف متعددة، فإن مساراتها غالباً ما تنتهي في مخازن الجماعة أو لدى وكلاء محليين يتولون توزيعها.

وفي الوقت نفسه، ارتفعت العمليات البحرية التي نفذتها القوات الدولية واليمنية، وتم خلالها ضبط صواريخ متطورة وأجزاء طائرات مسيرة وأجهزة مراقبة حديثة، إضافة إلى مختبرات لإنتاج المخدرات الصناعية كانت موجهة للحوثيين، هذه المضبوطات كشفت مدى اتساع شبكة التهريب التي تعتمد عليها الجماعة، وعمق الروابط التي تجمعها بجهات إقليمية مختلفة.

اقتصاد الحرب والتحالفات العابر للحدود

يؤكد التقرير أن التهريب بالنسبة للحوثيين لم يعد مجرد وسيلة للحصول على السلاح، بل أصبح أحد أهم أعمدة اقتصاد الحرب الذي يدعم قدرتهم على الاستمرار، فعمليات التهريب توفر للجماعة موارد مالية كبيرة تستخدمها في تمويل قواتها المسلحة، وفي الوقت نفسه تمنحها القدرة على بناء علاقات ممتدة مع جماعات مسلحة خارج اليمن.

هذه الشبكات التي تمتد من السواحل الصومالية إلى الداخل السوداني، تمثل اليوم جزءاً من منظومة نفوذ إقليمي غير رسمي، يتيح للحوثيين بناء تحالفات عابرة للطوائف والحدود، ويمنحهم قوة إضافية في مواجهة الضغوط الدولية، ويشير التقرير إلى وجود مؤشرات على تعاون في مجال التهريب بين الحوثيين ومعسكر مؤيد للجيش السوداني، وهي علاقة قد تتوسع في ظل التقارب المتزايد بين الخرطوم وطهران.

تحديات أمنية لدول المنطقة

في ظل هذه التطورات، باتت مكافحة التهريب عنصراً رئيسياً في الاستراتيجية الأمنية اليمنية والدول الحليفة. فقد أعلنت الحكومة اليمنية تعاونها مع عشرات الدول ضمن ما يعرف باسم شراكة الأمن البحري اليمنية التي تضم خمسة وثلاثين دولة، بهدف تعزيز الرقابة على الممرات البحرية الحساسة.

كما تلعب السعودية دوراً مهماً في دعم خفر السواحل اليمني، في حين تواصل القوات المدعومة من الإمارات جهودها لمنع تمدد شبكات التهريب على السواحل الجنوبية والغربية، كل هذه الخطوات تعكس إدراكاً متزايداً لخطورة الدور الذي أصبح يمثله التهريب في بقاء الجماعة وقدرتها على تنفيذ عمليات عسكرية داخل اليمن وخارجه.

ومع تزايد التقارير التي تشير إلى حصول الحوثيين على معدات متطورة تستخدم في الهجمات البحرية، منها الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة، تبدو عملية تفكيك شبكات التهريب إحدى الأدوات القليلة القادرة على الحد من قدرات الجماعة على المدى القريب.

تأثير محتمل في مستقبل الصراع

يرجح التقرير أن إضعاف طرق الإمداد التي تعتمد عليها ميليشيا الحوثي قد يسهم في تقليص نفوذها الإقليمي وخفض قدرتها على شن هجمات نوعية داخل اليمن أو في البحر الأحمر. ومع ذلك، يحذر الخبراء من أن هذه الجهود وحدها لن تكون كافية إذا لم تُدعّم بخطوات سياسية واقتصادية تعالج الأسباب العميقة للصراع.

كما يشير التقرير إلى أن التهريب، بحكم طبيعته المعقدة وتعدد الأطراف المتورطة فيه، يمثل تحدياً كبيراً للدول التي تسعى لضبطه، فهذه الشبكات تعتمد على عوامل اجتماعية واقتصادية تمتد من داخل اليمن إلى دول القرن الإفريقي، ما يجعل مواجهتها تتطلب تعاوناً دولياً طويل المدى.

وبينما يسعى المجتمع الدولي لتحقيق توازن بين الضغط العسكري والعمل الدبلوماسي، تواصل الجماعة تطوير طرقها وخبراتها في الإمداد والتهريب، ما يجعل وقف هذه الشبكات مهمة صعبة تحتاج إلى استمرار التنسيق الدولي.

تنشط ميليشيا الحوثي منذ أكثر من عقد في شمال اليمن، وقد توسع نفوذها بعد عام 2014 مع سيطرتها على العاصمة صنعاء. وتلقى الجماعة دعماً عسكرياً وسياسياً من إيران، بحسب تقارير أممية ودولية، يشمل تدريب عناصرها وإمدادها بالأسلحة والمعدات، وفي المقابل تواجه الجماعة عزلة دولية وعقوبات متعددة، كما يشهد البحر الأحمر وخليج عدن توتراً متزايداً بسبب الهجمات البحرية التي نُسبت للحوثيين خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي وضع طرق التجارة العالمية تحت تهديد مباشر ودفع الولايات المتحدة ودولاً أخرى لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية