اختفاءات قسرية واعتقالات.. تقرير حقوقي يكشف مدى القمع الحوثي المتزايد في ذمار
اختفاءات قسرية واعتقالات.. تقرير حقوقي يكشف مدى القمع الحوثي المتزايد في ذمار
تتسع المخاوف في محافظة ذمار يوما بعد آخر مع تصاعد حملات الاعتقال والاختطاف التي تنفذها جماعة الحوثي منذ سبتمبر الماضي، في موجة وُصفت بأنها الأكبر منذ سنوات، بعدما وثقت منظمة "رايتس رادار لحقوق الإنسان" احتجاز مئة وثمانية وثلاثين مدنيا، بينهم أربعة أطفال، في عمليات متفرقة شملت مدن المحافظة وريفها.
ويكشف التقرير الحقوقي الصادر من لاهاي عن نمط واضح للانتهاكات التي تستهدف شرائح متنوعة من المجتمع، في مشهد يعيد إلى الواجهة سؤال غياب الأمان وارتفاع منسوب القمع في مناطق سيطرة الجماعة، وفق ما أوردته الخميس شبكة "تهامة 24".
تصاعد غير مسبوق في الاعتقالات
يوضح تقرير "رايتس رادار" أن من بين المختطفين لا يزال خمسة وثمانون شخصا رهن الإخفاء القسري حتى اللحظة، بينما يقبع خمسة وعشرون آخرون في سجون تابعة للحوثيين موزعة بين مراكز أمنية وسجون غير رسمية، وفي الوقت نفسه، لم يتم الإفراج سوى عن ثمانية وعشرين محتجزا منذ بدء حملات الاعتقال، وهو رقم يعكس حجم التشدد الذي تحكم به الجماعة ملفات التوقيف والاحتجاز.
ويوضح الراصدون الحقوقيون أن هذه الموجة لم تتوقف عند فئة محددة، بل امتدت لتشمل مسؤولين محليين سابقين، ومعلمين وأكاديميين وطلاب جامعات، بالإضافة إلى نشطاء في القطاع الإنساني والمجتمعي، إضافة إلى مزارعين وعمال وكبار سن ومرضى يعانون من مشكلات صحية مزمنة، ويشير التقرير إلى أن هذه الاعتقالات تأتي في سياق واسع من القمع الذي تحوّل إلى سياسة ممنهجة تسعى إلى إحكام السيطرة على المجال العام في المحافظة.
استهداف المشاركين في ذكرى سبتمبر
تكشف البيانات أن اثنين وخمسين معتقلا تم توقيفهم عقب مشاركتهم في احتفالات ذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، وهي المناسبة التي أثارت حساسية كبيرة لدى الحوثيين، خاصة في المناطق التي تشهد مظاهر شعبية رافضة لسياساتها، كما تم اعتقال ستة وثمانين شخصا آخرين على خلفية اتهامات مرتبطة بمواقف سياسية أو تعبير عن آراء اعتبرتها سلطات الحوثيين معارضة.
وتشير المنظمة إلى أن هذه التهم فضفاضة ولا تستند إلى أي أسس قانونية، وتستخدم كذريعة لاحتجاز الأفراد في إطار التضييق على الحريات ومنع أي مظاهر للاحتجاج السلمي أو التعبير عن الرأي.
ممارسات قسرية وعمليات ترهيب
لا تقتصر الانتهاكات على الاعتقال فقط، إذ يوضح التقرير أن عمليات الخطف تمت بطرق متعددة، بعضها بدأ بمداهمة المنازل أثناء الليل، أو اقتحام أماكن العمل، فيما نُفذت عمليات أخرى داخل الأسواق والطرقات العامة، كما تم توقيف بعض الضحايا أثناء زيارتهم لأقاربهم أو أصدقائهم.
وترفق هذه العمليات في كثير من الأحيان بممارسات ترهيبية من عناصر الحوثي شملت ترويع الأطفال داخل المنازل، وإثارة الفزع بين الجيران، واستخدام القوة والعنف اللفظي والجسدي أثناء التنفيذ. وتؤكد المنظمة أن بعض الأسر تعرضت لإتلاف مقتنيات المنزل أو سرقة محتويات خلال المداهمات، وهو ما زاد من مستوى الرعب داخل المجتمعات المحلية.
انتهاكات تتجاوز القانون المحلي والمواثيق الدولية
تشدد رايتس رادار على أن ما يجري في ذمار يمثل انتهاكا فاضحا للقوانين اليمنية التي تحدد بوضوح شروط التوقيف والإجراءات الجنائية، كما يتعارض بصورة مباشرة مع الالتزامات الدولية التي يفترض أن تحمي المدنيين من الإخفاء القسري، بما في ذلك العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقيات جنيف.
وتشير المنظمة إلى أن استمرار هذه الممارسات دون أي إجراءات قضائية مستقلة أو شفافة يحول الاعتقال من حالة قانونية إلى أداة ضغط وقمع تستهدف إخضاع المجتمع والسيطرة على أي أصوات مختلفة، كما حذرت من أن غياب المعلومات عن مصير المخفيين قسريا يجعل حياتهم مهددة، خاصة في ظل تقارير سابقة عن تعرض محتجزين في سجون الحوثيين للتعذيب وسوء المعاملة.
دعوة للإفراج الفوري ومطالب بالضغط الدولي
طالبت المنظمة بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين والمخفيين قسريا، وتحميل سلطات الحوثي المسؤولية الكاملة عن حياتهم وسلامتهم، مع التأكيد على ضرورة تمكينهم من الحصول على الرعاية الصحية والحقوق القانونية الأساسية، بما في ذلك التواصل مع أسرهم وتوكيل محامين مستقلين.
ودعت رايتس رادار إلى وقف حملات المطاردة والاعتقال في ذمار وبقية المحافظات التي تشهد ممارسات مشابهة، مثل إب وصنعاء والحديدة، حيث يتكرر المشهد ذاته عبر احتجاز نشطاء ومواطنين لأسباب سياسية أو اجتماعية.
وفي ختام بيانها، ناشدت المنظمة المجتمع الدولي ومبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن هانز غروندبرغ بالتدخل العاجل للضغط على قيادة الحوثيين من أجل وقف الانتهاكات وإطلاق سراح جميع المعتقلين، مشيرة إلى أن الصمت الدولي يشجع على استمرار هذه الحملات ويضاعف من معاناة الضحايا وعائلاتهم.
ذمار بين الخوف والصمت
على أرض الواقع يعيش سكان ذمار حالة من القلق، إذ يتجنب الكثيرون الحديث في الشأن العام خوفا من أن يصبحوا ضحايا الاعتقال، بينما يصف أهالي بعض المخفيين قسريا الأيام التي يمضونها بأنها الأصعب منذ سنوات، بسبب غياب المعلومات وانقطاع التواصل الكامل مع ذويهم.
وتشير شهادات محلية إلى أن بعض الأسر التزمت الصمت تجنبا للمضايقات، بينما اختار آخرون التواصل مع منظمات حقوقية لإيصال أصواتهم بعد أن فقدوا الأمل في أن تثمر الشكاوى المحلية أي حلول، ومع اتساع رقعة الاعتقالات، يشعر المواطنون بأن الوضع يتجاوز الإجراءات الأمنية إلى سياسة اجتماعية تهدف إلى إحكام القبضة على المحافظة.
صمت المجتمع المحلي لا يعني قبول هذه الانتهاكات، بل يعكس حالة من العجز أمام سلطة أمنية تهيمن على المشهد وتمتلك أدوات الردع والضغط. ومع تراكم هذه الحالات، تتزايد المخاوف من أن تصبح المحافظة ساحة مفتوحة للاعتقالات العشوائية دون أي مساءلة.
ووثقت منظمات محلية ودولية، من بينها هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية، مئات الانتهاكات التي تضمنت اعتقالات تعسفية وإخفاء قسريا وتضييقا على الحريات العامة، وتعتبر ذمار إحدى المحافظات التي شهدت مؤخرا نموا ملحوظا في الاعتقالات، خصوصا بعد مناسبات سياسية أو اجتماعية تتعارض مع رواية الجماعة.
وتأتي هذه الممارسات في ظل غياب سلطة قضائية مستقلة ووسط ضغوط اقتصادية واجتماعية كبيرة يعاني منها السكان، ويؤكد خبراء أن استمرار هذه السياسات يهدد بتقويض النسيج الاجتماعي في المحافظة ويزيد من حالة الاحتقان الداخلي، بينما تتضاءل فرص الحلول السلمية مع اتساع الانتهاكات وغياب آليات المحاسبة.










