تقلص الميزانية وتبعاته.. الصليب الأحمر يلغي نحو 3000 وظيفة ويقلص مخصصات الإغاثة

تقلص الميزانية وتبعاته.. الصليب الأحمر يلغي نحو 3000 وظيفة ويقلص مخصصات الإغاثة
اللجنة الدولية للصليب الأحمر

أعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنها ستخفض ميزانيتها لعام 2026 بنسبة 17 في المئة لتصل إلى مليار وثمانمئة مليون فرنك سويسري (نحو 2.2 مليار دولار)، في خطوة تعكس أعمق أزمة مالية تواجه المنظمة منذ عقود، ويترافق هذا الخفض مع إلغاء ما يقرب من2900 وظيفة حول العالم، في وقت تتراجع فيه إسهامات المانحين وفي مقدمتهم الولايات المتحدة التي تعيد هيكلة سياساتها الخارجية تحت شعار أمريكا أولاً.

ضغوط غير مسبوقة 

يمثل هذا التراجع في التمويل والدعم علامة إضافية على تآكل منظومة الإغاثة الدولية، إذ تعاني وكالات العمل الإنساني من عجز مالي متزايد بفعل تعدد الصراعات وارتفاع عدد النازحين إلى مستويات قياسية، وفق وكالة رويترز، في حين تتجه الدول الكبرى إلى تعزيز ميزانيات الدفاع على حساب المساعدات الخارجية، ويجد العاملون في المجال الإنساني أنفسهم أمام واقع يفرض إعادة ترتيب الأولويات وتقليص البرامج، حتى في المناطق الأكثر هشاشة.

اتساع دائرة الدول التي تقلص دعمها

أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن الولايات المتحدة لا تزال المانح الأكبر، غير أنها خفضت إسهاماتها المالية لهذا العام، كما اتجهت دول أخرى كانت في السابق ركائز أساسية للتمويل، مثل بريطانيا وألمانيا، إلى السير في الاتجاه ذاته، وتدفع هذه التغيرات المنظمة إلى اتخاذ إجراءات داخلية واسعة تشمل دمج إدارات وتحسين أنظمة العمل بهدف زيادة الكفاءة وتركيز الموارد على العمليات الضرورية في مناطق النزاعات.

تشير المنظمة إلى أن تقليص الوظائف سيشمل نحو 15 في المئة من موظفيها البالغ عددهم 18500 شخص حول العالم. وتوضح أن ثلث هذه النسبة سيتم تقليصه عبر التسريح الطوعي ومن خلال عدم شغل الوظائف التي أصبحت شاغرة بالفعل، ورغم التحديات، تؤكد اللجنة أنها ستواصل عملها في مناطق مشتعلة مثل السودان وأوكرانيا والشرق الأوسط وجمهورية الكونغو الديمقراطية، حيث يظل وجودها ضرورياً لضمان وصول المساعدات إلى الفئات الأكثر عرضة للخطر.

قالت رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر ميريانا سبولياريتش إن المنظمة ما تزال ملتزمة بالعمل عند خطوط التماس في الصراعات التي لا تستطيع جهات أخرى العمل فيها. وأضافت أن الضغوط المالية الحالية تجبر المنظمة على اتخاذ قرارات صعبة لضمان استمرار تقديم المساعدات الحيوية للمدنيين، مؤكدة أن الحفاظ على الحضور الميداني في البيئات الهشة يمثل أولوية قصوى رغم محدودية الموارد.

دور إنساني يصعب تعويضه

تتمتع اللجنة الدولية للصليب الأحمر بوضع خاص في القانون الدولي الإنساني، إذ تعمل وسيطاً محايداً في النزاعات المسلحة، وتضطلع بدور محوري في حماية المدنيين وأسرى الحرب، وتحتفظ بقدرة نادرة على الوصول إلى مناطق شديدة الخطورة لا تتمكن منظمات أخرى من دخولها. وقد ظهرت أهمية هذا الدور خلال الأشهر الأخيرة حين تولت نقل رهائن كانوا محتجزين في غزة وفلسطينيين معتقلين لدى إسرائيل بعد التوصل إلى وقف إطلاق النار في العاشر من أكتوبر، وهو ما يؤكد طبيعة مهامها الحساسة ومكانتها الفريدة.

يرى مراقبون أن تقليص الميزانيات الإنسانية في لحظة تتسع فيها ساحات النزاع يهدد بخلق فجوة كبيرة بين الاحتياجات الفعلية والإمكانات المتاحة، ففي ظل تزايد العنف وتدهور الظروف المعيشية في عشرات المناطق، يصبح غياب التمويل الكافي عاملاً مضاعفاً للأزمات، ويزيد من المخاطر الصحية والغذائية، ويفتح الباب أمام موجات نزوح جديدة قد تمتد آثارها عبر الحدود.

تحديات متصاعدة في بيئة دولية مضطربة

تعيش المنظمات الإنسانية حقبة معقدة تتقاطع فيها الضغوط الاقتصادية العالمية مع التحولات السياسية في الدول المانحة، ويؤدي تقليص المساعدات إلى إعادة تشكل خريطة النفوذ الإنساني، حيث يضطر عدد من المؤسسات إلى تقليص حضورها أو الانسحاب من مناطق متوترة، في حين تحاول أخرى الحفاظ على الحد الأدنى من العمل وسط قيود مالية قاسية، وفي هذا السياق يبرز دور الصليب الأحمر باعتباره من بين القلائل القادرين على العمل ضمن الأزمات الممتدة.

تأسست اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف قبل أكثر من قرن ونصف، وتعمل اليوم في أكثر من 90 دولة، حيث تقدم المساعدة للمدنيين وضحايا الحروب والكوارث الطبيعية وتزور المحتجزين في السجون وتعمل على لم شمل الأسر، وتُعد المنظمة جهة محورية في تنفيذ اتفاقيات جنيف المتعلقة بحماية ضحايا النزاعات. وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن العالم يشهد أعلى معدلات للنزوح منذ الحرب العالمية الثانية، مع ازدياد عدد المحتاجين إلى المساعدة الإنسانية إلى مستويات غير مسبوقة، وفي ظل هذا الواقع، تزداد أهمية التمويل المستدام لهيئات الإغاثة، في حين يدفع تقلص الدعم الدولي المنظومة الإنسانية نحو أزمة قد تهدد قدرتها على أداء أدوارها الأساسية في حماية ملايين البشر من آثار الحروب والمجاعات والانهيار الصحي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية