حرب لا ترحم.. أكثر من 5618 انتهاكاً بحق نساء اليمن خلال 10 سنوات
حرب لا ترحم.. أكثر من 5618 انتهاكاً بحق نساء اليمن خلال 10 سنوات
تكشف سنوات الصراع اليمني الممتدة منذ أكثر من عقد حجم المأساة التي دفعت النساء إلى واجهة الخطر، بعد أن تحوّل العنف السياسي والاجتماعي إلى جدار صلب يحيط بحياتهن، فمنذ انقسام البلاد وسيطرة ميليشيا الحوثيين على صنعاء عام 2014، انحدرت أوضاع النساء إلى مستويات غير مسبوقة من الاستهداف والانتهاكات، وتحوّلت حقوقهن إلى حقل تجارب.
وتُظهر هذه المرحلة تاريخًا جديدًا من الإقصاء، حيث أعيد تشكيل حياة المرأة وفق منظومة ذكورية حرمتها من مكتسباتها، ودفعتها إلى الهامش في السياسة والمجتمع والتعليم والعمل، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء المرأة، اليوم الثلاثاء.
وتؤكد تقارير حقوقية وأممية أن النساء اليمنيات واجهن مستويات من العنف تجاوزت حدود المعقول، فقد سجّلت الشبكات الحقوقية آلاف الانتهاكات: قتل، وإصابات، واختطاف، واختفاء قسري، وتعذيب، وتجنيد قسري، واعتداءات جنسية.
وتشير الشبكة اليمنية للحقوق والحريات إلى أكثر من 5618 انتهاكًا خلال الفترة من يناير 2017 وحتى يوليو 2025، بينها حالات قتل وإصابات ناجمة عن الألغام والقصف والقنص، فضلًا عن حملات ملاحقة طالت ناشطات وصحفيات وعاملات إنسانيات.
وتعكس هذه الأرقام حجم الانهيار الذي أصاب البنية القانونية والأمنية، وحجم العنف المنهجي الذي يمارس ضد النساء في كل المناطق دون استثناء.
انهيار الدور الاجتماعي للمرأة
تجد النساء أنفسهن اليوم في قلب تحوّل قاسٍ أعاد صياغة أدوارهن بشكل يناقض ما حققنه قبل الحرب، فبدلًا من المشاركة في الحياة العامة، أُعيد حصرهن داخل أطر الأسرة، وتحويل مسؤولياتهن إلى عبء مضاعف بعد سقوط شبكات الأمان الاجتماعي والاقتصادي.
وتروي نساء في مخيمات النزوح قصصًا عن أمهات فقدن المعيل، واضطررن لإعالة أسرة كاملة وسط ظروف تهدد الكرامة والأمان، النزوح لم يكن مجرد فقدان منزل، بل فقدان هوية اجتماعية كاملة.
وتستخدم ميليشيا الحوثيين وحدة “الزينبيات” كأداة قمع داخل جهازها الأمني، حيث تُكلَّف النساء المدرّبات باعتقال ناشطات ومداهمة منازل وتفتيش النساء في نقاط التفتيش.
وتوضح شهادات معتقلات سابقات أن الزينبيات شاركن في التعذيب والإهانة والضغط النفسي بهدف كسر إرادة المعتقلات، وتحوّل دور المرأة -الذي كان يُفترض أن يكون داعمًا للعدالة- إلى أداة لتثبيت منظومة قمع تُسكت النساء بأيدي نساء.
عنف بلا حدود
تُظهر التركيبة الاجتماعية، المدعومة بقوانين جامدة ومتحيزة، أن العنف ضد النساء ليس مجرد فعل فردي، بل منظومة كاملة. فالقانون اليمني يمنح الرجل “حق تأديب المرأة”، ويخفف عقوبات الجرائم ضدها، ويتيح الزواج المبكر ويقيّد الطلاق والتعليم والعمل.
وتبرز جرائم قتل زوجات وناشطات ومعلمات خلال السنوات الأخيرة، بعضها هزّ الرأي العام، بينما الكثير ظل مطمورًا بفعل الخوف والعار.
ويؤدي غياب القانون الرادع إلى استمرار دائرة العنف، حيث لا تجد النساء آلية آمنة للتبليغ عن الاعتداءات.
إقصاء سياسي ممنهج
يُظهر المشهد السياسي أن المرأة اليمنية مُستبعدة بشكل شبه كامل من القرار، ففي صنعاء، تعرّضت الناشطات للاعتقال والاختفاء، وفي مناطق الحكومة المؤقتة بقي وجود النساء شكليًا بلا تأثير يُذكر.
وتكشف التقارير أن البرلمان يضم أكثر من 300 رجل مقابل امرأة واحدة، صوت واحد لا يمكنه مواجهة مئات الأصوات التي تصنع القوانين وتقرر مصير المجتمع.
وتتعرض النساء للابتزاز الإلكتروني والتحرش الرقمي في ظل غياب تام لقوانين حديثة تحمي الخصوصية أو تجرّم الابتزاز الإلكتروني.
ويستغل المبتزون الثقافة المجتمعية التي تُحمّل الضحية المسؤولية، ما يدفع كثيرات للصمت ودفع الأموال، ويُحوّل الإنترنت إلى ساحة تهديد دائمة.
إعادة بناء الإنسان
يفرض الوضع الراهن ضرورة إعادة النظر في المنظومة السياسية والقانونية والاجتماعية التي شرعنت العنف ضد النساء لعقود.
ويتطلب مستقبل اليمن إشراك النساء في صنع القرار، تبني قوانين لحمايتهن، دعم التعليم، وقف العنف الرقمي، تفكيك وحدات القمع النسائية، وفتح مسارات لمحاسبة كل من تورط في الانتهاكات.
وتؤكد التجربة اليمنية أن المرأة كانت -وما زالت- القوة الخفية التي تحفظ تماسك المجتمع، وأن تجاهلها ليس مجرد ظلم، بل تهديدا لمستقبل البلاد بأكمله.










