بين السجن والإقصاء.. قلق حقوقي تجاه محاولات إسكات صوت المرأة الإيرانية

بين السجن والإقصاء.. قلق حقوقي تجاه محاولات إسكات صوت المرأة الإيرانية
نساء إيرانيات - أرشيف

في مشهد يتكرر بمرارة داخل إيران، تتحول القوانين والمؤسسات القضائية إلى أدوات للردع والإقصاء، لا للحماية والعدالة؛ حيث تُستهدف النساء الناشطات والطالبات والمهنيات بسلسلة من الإجراءات التعسفية التي تبدأ بالاستدعاء وتنتهي بالسجن أو الإقامة الجبرية أو الإقصاء الاجتماعي. 

واقع يعكس سياسة ممنهجة تهدف إلى إسكات صوت المرأة وإبعادها عن المجال العام، عبر الاعتقال والضغط النفسي والتضييق القانوني، في انتهاك صارخ لأبسط مبادئ حقوق الإنسان، بحسب ما ذكرت وكالة أنباء المرأة، اليوم الثلاثاء.

وتكشف الوقائع الأخيرة عن تصاعد هذه السياسة، حيث تتعرض نساء من خلفيات مختلفة -سياسيات وطالبات وناشطات مدنيات- لإجراءات عقابية قاسية لمجرد ممارستهن حق التعبير أو المطالبة بحقوقهن الأساسية.

إضراب عن الطعام

في هذا السياق، دخلت السجينة السياسية ريسا كمالي أردكاني، المحتجزة في سجن يزد، في إضراب مفتوح عن الطعام والدواء منذ 24 نوفمبر الماضي، احتجاجاً على عدم دمج الأحكام الصادرة بحقها. 

وتواصل كمالي إضرابها لليوم التاسع على التوالي، وسط مخاوف متزايدة على حياتها، خصوصاً أنها تعاني من مرض في الغدة الدرقية، ما يجعل حالتها الصحية شديدة الخطورة.

وبالتزامن مع بدء الإضراب، قطعت إدارة السجن اتصالها بعائلتها، كما نُقلت إلى الحبس الانفرادي في محاولة للضغط عليها وكسر احتجاجها، قبل إعادتها لاحقاً إلى العنبر. 

وكانت كمالي قد تقدمت سابقاً بطلب قانوني لدمج الأحكام الصادرة بحقها، إلا أن السلطات تجاهلت طلبها بالكامل، في انتهاك واضح لحقوق السجناء والإجراءات القانونية العادلة.

تجريم التعبير عن الرأي

ريسا كمالي المولودة عام 1986 في مدينة آبادان، طالبة في قسم الجغرافيا، واعتُقلت في 29 مايو 2024 بمدينة أصفهان، قبل نقلها إلى معتقل “دولت آباد”. 

لاحقاً، أصدرت المحكمة الثورية في أصفهان حكماً بحقها بالسجن لمدة سبع سنوات وتسعة أشهر، إضافة إلى سنتين من النفي، تحت تهم شائعة الاستخدام ضد النشطاء، مثل “الدعاية ضد النظام” و”العضوية في جماعات معارضة” و”تخريب الممتلكات العامة”، وهي تهم غالباً ما تُستخدم لتجريم التعبير السلمي عن الرأي.

وفي تطور آخر يعكس مدى التضييق الذي تتعرض له النساء، أعلنت طبيبة الأسنان والناشطة المدنية فريبا حسيني، المقيمة في مدينة شيراز، عن استدعائها إلى فرع تنفيذ الأحكام في محكمة الثورة لتنفيذ حكم يقضي بسجنها لمدة عام تحت المراقبة الإلكترونية، ضمن نطاق لا يتجاوز ألف متر من مكان وجودها، وجاء الحكم بعد إدانتها بتهم “خلع الحجاب” و”الدعاية ضد النظام”.

وقالت حسيني في تعليق على الاستدعاء: “طلبوا مني مراجعة المحكمة خلال أيام، وإلا سيقومون باعتقالي.. أي جريمة ارتكبت؟ لا شيء”.. كلمات تعكس واقعاً تعيشه آلاف النساء داخل إيران، حيث يُعد الاختيار الشخصي في اللباس أو التعبير عن الرأي جريمة تستوجب الملاحقة والسجن.

كتابة شعارات في الشوارع

وكانت حسيني قد اعتُقلت في يونيو الماضي أثناء قيامها بكتابة شعارات في شوارع شيراز، واحتُجزت لثلاثة أيام في أحد مراكز الاستخبارات، ثم نُقلت إلى سجن “عادل آباد” بعد رفض قبول الكفالة في البداية، قبل الإفراج عنها لاحقاً بكفالة مالية مرتفعة. 

ولم يقتصر الحكم على السجن تحت المراقبة، بل شمل أيضاً منعها من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لمدة عامين، ومنعها من السفر وإلغاء جواز سفرها، في محاولة لعزلها بالكامل عن الفضاء العام.

وفي مدينة يزد، كشفت الطالبة الجامعية زهرا رحيمي، وهي طالبة هندسة كيميائية وناشطة طلابية، عن تلقيها اتصالاً من رقم مجهول يطلب منها الحضور إلى إدارة الاستخبارات، دون أي استدعاء رسمي مكتوب، ورفضت الاستجابة للطلب الشفهي، مؤكدة أنها لن تذهب إلا بناءً على وثيقة قانونية رسمية.

فصل من الجامعة

زهرا رحيمي سبق أن فُصلت من جامعة يزد خلال الاحتجاجات المعروفة بشعار “المرأة، الحياة، الحرية”، لكنها تمكنت من العودة إلى مقاعد الدراسة بعد نجاحها مجدداً في امتحانات القبول عام 2024، مشددة أن عودتها كانت ثمرة جهدها الشخصي وليست منحة من السلطات. 

وأشارت إلى أنها تتعرض لضغوط غير مباشرة من جهات مرتبطة بإدارة الجامعة، عبر أساتذتها ومعارفها، في أسلوب وصفته بـ”غير القانوني وغير الأخلاقي”.

وتعكس هذه الحالات الثلاث جزءاً من واقع أكبر تعيشه آلاف النساء في إيران، حيث تتحول المؤسسات التعليمية والقضائية والأمنية إلى أدوات لإخضاع المرأة، بدلاً من حمايتها. 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية