وادي أحدث الضحايا.. الجيش الإسرائيلي يواصل استهداف صحفيي غزة
وادي أحدث الضحايا.. الجيش الإسرائيلي يواصل استهداف صحفيي غزة
تتحول الكاميرا في غزة والضفة الغربية من أداة لنقل الحقيقة إلى هدف عسكري مباشر، فمع كل جولة تصعيد، ومع كل عدوان يتوسع في الجغرافيا والدم، تتكرّس حقيقة موجعة.. الصحفي الفلسطيني لم يعد شاهداً محايداً في نظر الجيش الإسرائيلي، بل أصبح “هدفاً مشروعاً” فقط لأنه يوثق ويروي وينقل صورة الواقع إلى العالم.
استشهد المصوّر الفلسطيني محمد عصام وادي، اليوم الثلاثاء، وأُصيب الصحفي محمد عبد الفتاح أصيلح بجروح، في قصف مباشر من طائرة مسيّرة استهدف مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الفلسطينية “وفا”، الثلاثاء.
وفي الوقت ذاته، اقتحم 631 مستوطناً باحات المسجد الأقصى المبارك، تحت حماية قوات الجيش الإسرائيلي، وأدّوا طقوساً تلمودية وجولات استفزازية، في مشهد يتكرر بشكل يومي ويعبّر عن سياسة ممنهجة لتغيير الواقع الديني والتاريخي للمدينة المقدسة.
هذا التزامن بين القتل في غزة والاقتحام في القدس، لا يمثل حادثاً عابراً، بل هو أحد وجوه منظومة متكاملة من القمع والاستهداف وانتهاك الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها: الحق في الحياة، والحق في حرية التعبير، والحق في ممارسة الصحافة بأمان.
مهنة تتحول لحكم بالإعدام
منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، دخل الصحفيون الفلسطينيون أخطر مرحلة في تاريخ الإعلام الحديث. فلم تعد السترات الصحفية التي تحمل كلمة “PRESS” تشكّل حماية، بل أصبحت في كثير من الأحيان علامة لاستهداف مباشر.
وخلال عام 2023، ومع بدء العدوان الواسع على قطاع غزة، استشهد عشرات الصحفيين في غضون أسابيع قليلة، معظمهم أثناء التغطية الميدانية، أو داخل منازلهم التي تم قصفها وهم نائمون مع عائلاتهم.
وفي عام 2024، دخلت غزة قائمة أكثر الأماكن خطورة على الصحفيين في العالم، مع استمرار سقوط الإعلاميين تحت القصف، أو نتيجة لنيران القناصة والطائرات المسيّرة، أو بسبب الجروح التي تعذّر علاجها نتيجة انهيار المنظومة الصحية.
وفي عام 2025، ما زال الاستهداف مستمراً، كما في حالة المصوّر الشهيد محمد عصام وادي، ما يؤكد أن سياسة اغتيال الصحافة لم تتراجع بل تتصاعد، في ظل غياب محاسبة دولية حقيقية.
هذا المسار لم يكن نتيجة “أضرار جانبية”، بل يعكس -وفق منظمات حقوقية- نمطاً متكرراً للاستهداف الممنهج، وهو ما يرقى إلى جريمة حرب بموجب القانون الدولي الإنساني، حيث يُصنّف الصحفيون بوصفهم مدنيين يتمتعون بحماية خاصة أثناء النزاعات المسلحة.
تدمير البنية الإعلامية
لم يقتصر الاستهداف على الأفراد، بل امتد ليشمل قصف مقار القنوات الفضائية المحلية والدولية، وتدمير أبراج سكنية تضم مكاتب إعلامية، واستهداف سيارات تحمل شعارات صحفية.
بالإضافة إلى قطع الإنترنت والكهرباء لمنع نقل الصورة للعالم، واغتيال صحفيين بعد تهديدات مباشرة لهم أو لعائلاتهم.
هذا التدمير المتعمد للبنية الإعلامية لا يهدف فقط إلى إسكات الصحفيين، بل يسعى إلى قتل الرواية الفلسطينية واحتكار سرد الأحداث وفق رؤية القوة المحتلة، في محاولة لطمس الجرائم ومنع التوثيق والمساءلة.
الاقتحامات في القدس
في سياق متصل بما يجري في غزة، تتواصل في القدس انتهاكات خطيرة لحرمة المسجد الأقصى، حيث اقتحم اليوم 631 مستوطناً باحاته تحت حماية قوات الاحتلال، ونفذوا طقوساً دينية تلمودية، في خرق واضح للوضع التاريخي والقانوني للمكان.
هذه الاقتحامات المتكررة تمثّل انتهاكاً لحرية العبادة، ومحاولة لفرض واقع جديد بالقوة، وتصعيداً خطيراً قد يشعل نزاعات دينية وإقليمية أوسع.
وهو ما يجعل المشهد الفلسطيني بأكمله -من غزة إلى القدس- ساحة مفتوحة لانتهاكات ممنهجة تطول الإنسان والمقدسات والكلمة والصورة في آن واحد.
جرائم بلا محاسبة
تؤكد المواثيق الدولية، ومنها اتفاقيات جنيف، أن الصحفيين يتمتعون بالحماية بوصفهم مدنيين في مناطق النزاع، استهدافهم يُعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وعدم محاسبة الجناة يشكل مشاركة فعلية في الجريمة عبر الصمت.
ورغم عشرات التقارير التي أصدرتها منظمات دولية، فإن الواقع يؤكد حتى الآن فشل المجتمع الدولي في توفير الحماية أو تحقيق العدالة، ما شجّع على استمرار القتل دون رادع.
ورغم كل الدماء، لا تزال الكاميرا الفلسطينية مرفوعة، ولا يزال الصوت يخرج من بين الركام. كل شهيد من شهداء الصحافة تحوّل إلى أمانة في أعناق الأحياء.. ألا تُطمس الحقيقة، وألا تتحول المجازر إلى أرقام باردة في نشرات الأخبار.










