بسبب رخص الشاحنات.. واشنطن تهدد نيويورك بحجب 73 مليون دولار من ميزانية الطرق

بسبب رخص الشاحنات.. واشنطن تهدد نيويورك بحجب 73 مليون دولار من ميزانية الطرق
شاحنات أمريكية

تواجه ولاية نيويورك تهديداً مباشراً بحجب 73 مليون دولار من ميزانية الطرق السريعة، بعد اتهامات أطلقها وزير النقل الأمريكي شون دافي تتعلق بإصدار الولاية رخص قيادة تجارية لمهاجرين بشكل وصفه بغير القانوني، وفتحت القضية، التي تتقاطع فيها اعتبارات السلامة العامة مع الجدل السياسي حول ملف الهجرة، فصلاً جديداً من الصراع بين الحكومة الفيدرالية وإدارات ولايات كبرى يقودها الديمقراطيون.

وقال دافي في تصريحات له، الجمعة، إن ولاية نيويورك تصدر بشكل روتيني رخص قيادة تجارية لمهاجرين، وتبقى هذه الرخص سارية المفعول لفترات طويلة حتى بعد انتهاء تصاريح إقامتهم أو عملهم القانونية في الولايات المتحدة، واعتبر أن هذا الخلل يشكل خطراً مباشراً على السلامة العامة، مهدداً بحجب التمويل الفيدرالي ما لم تقم الولاية بإصلاح النظام وإلغاء الرخص التي وصفها بالمعيبة وفق شبكة "إيه بي سي" الإخبارية.

في المقابل، أكد مسؤولون في ولاية نيويورك أنهم يلتزمون بجميع القواعد الفيدرالية المنظمة لرخص القيادة التجارية، وأنهم يتحققون من الوضع القانوني للسائقين، مشددين على أن الاتهامات الموجهة إليهم تفتقر إلى الدقة.

نيويورك في دائرة الاستهداف

تعد ولاية نيويورك رابع ولاية يحكمها حاكم ديمقراطي يستهدفها وزير النقل في إطار ما يصفه بحملة وطنية لضمان أهلية سائقي الشاحنات والحافلات، المراجعة الفيدرالية بدأت بعد حادث سير وقع في ولاية فلوريدا في أغسطس، عندما تسبب سائق شاحنة غير مصرح له بالإقامة القانونية في البلاد بانعطاف غير قانوني، ما أسفر عن مقتل 3 أشخاص، ورغم أن قواعد إصدار هذه الرخص قائمة منذ سنوات، فإن الحادث أعاد فتح الملف على أعلى المستويات.

وأعلنت وزارة النقل الأمريكية أنها تجري تدقيقاً على مستوى البلاد لرخص القيادة التجارية الصادرة لغير المقيمين، غير أن اللافت، بحسب مراقبين، أن التدقيق لم يشمل حتى الآن أي ولاية يحكمها جمهوريون، ما أثار تساؤلات حول دوافع الحملة. دافي نفى بشكل قاطع وجود أي خلفية سياسية، مؤكداً أن الهدف الوحيد هو ضمان سلامة الطرق، وداعياً حاكمة نيويورك كاثي هوتشول إلى التعاون وتحمل المسؤولية.

وقال دافي، في تصريح لافت، إن الهدف هو التأكد من أن كل من يقود شاحنة تزن 80000 رطل مؤهل وقانوني، مضيفاً بلهجة ساخرة أن الردود الصادرة من الولاية تبدو وكأنها محاولة للتهرب والمراوغة بدلاً من معالجة المشكلة.

نتائج تدقيق صادمة

بحسب وزير النقل، أظهرت تحقيقات فيدرالية أن أكثر من نصف 200 رخصة جرى تدقيقها في نيويورك صدرت بشكل غير قانوني، وأوضح أن العديد من هذه الرخص تم تمديد صلاحيتها لمدة 8 سنوات بغض النظر عن تاريخ انتهاء تصريح العمل الخاص بالمهاجر، كما قال إن الولاية لم تتمكن من إثبات تحققها من الوضع الهجري للسائقين فيما يتعلق بنحو 32000 رخصة قيادة تجارية سارية لغير المقيمين.

وأضاف دافي أن المحققين عثروا أيضاً على حالات أصدرت فيها نيويورك رخص قيادة تجارية بعد انتهاء صلاحية تصاريح عمل المتقدمين، وعدّ هذه الوقائع لا يمكن وصفها بأخطاء إدارية بسيطة، بل تمثل تقصيراً واضحاً من جانب قيادة الولاية، مطالباً بإلغاء فوري لجميع الرخص الصادرة بشكل غير قانوني.

وأمام ولاية نيويورك مهلة 30 يوماً للرد رسمياً على هذه الاتهامات، وفي رد شديد اللهجة، دافع والتر ماكلور، المتحدث باسم إدارة المركبات في الولاية، عن سياسات نيويورك، متهماً الوزير دافي بالكذب ومحاولة صرف الأنظار عما وصفه بإدارة فاشلة وفوضوية، وأكد ماكلور أن رخص القيادة التجارية تخضع لتنظيم الحكومة الفيدرالية، وأن إدارة المركبات في نيويورك التزمت وستستمر في الالتزام بهذه القواعد دون استثناء.

الخلاف الحالي لا يعد الأول بين وزير النقل وولاية نيويورك، فقد هدد دافي سابقاً بسحب التمويل الفيدرالي إذا لم تتخلَ الولاية عن خطتها لفرض رسوم ازدحام مروري على سائقي المركبات في مدينة نيويورك، أو إذا لم تعالج مشكلة الجريمة في مترو الأنفاق، كما قامت وزارة النقل بتجميد تمويل بقيمة 18 مليار دولار لمشروعين رئيسيين للبنية التحتية في الولاية، أحدهما نفق سكك حديد جديد أسفل نهر هدسون بين نيويورك ونيوجيرسي، بدعوى وجود مخاوف تتعلق بمبادئ التنوع والإنصاف والشمول.

المهاجرون وسوق الشاحنات

تشير بيانات وزارة النقل إلى أن المهاجرين يشكلون نحو 20 بالمئة من إجمالي سائقي الشاحنات في الولايات المتحدة، في حين لا تمثل رخص القيادة التجارية الصادرة لغير المواطنين سوى 5 بالمئة من إجمالي هذه الرخص، ورغم ذلك، اقترحت الوزارة قيوداً جديدة تحد بشكل كبير من إمكانية حصول غير المواطنين على رخص قيادة تجارية، إلا أن محكمة فيدرالية علقت العمل بهذه القواعد الجديدة.

لم تقتصر تهديدات دافي على نيويورك وحدها، إذ لوح بحجب ملايين الدولارات من المساعدات الفيدرالية عن ولايات كاليفورنيا وبنسلفانيا ومينيسوتا بعد أن كشفت عمليات تدقيق عن ثغرات مشابهة في أنظمتها، وقد أدى هذا الضغط بالفعل إلى إلغاء ولاية كاليفورنيا نحو 17000 رخصة قيادة تجارية.

القضية تسلط الضوء على التوتر المتصاعد بين واشنطن والولايات في ملف الهجرة، خاصة عندما يتقاطع مع السلامة العامة والتمويل الفيدرالي، فبينما تصر وزارة النقل على أن الهدف هو حماية الأرواح على الطرق السريعة، ترى ولايات ديمقراطية أن هذه الإجراءات تحمل في طياتها بعداً سياسياً، وتُستخدم ورقة ضغط في صراعات أوسع مع الإدارة الفيدرالية.

تنظم رخص القيادة التجارية في الولايات المتحدة بموجب قواعد فيدرالية صارمة، تهدف إلى ضمان أهلية السائقين وسلامة النقل البري، خاصة في قطاع الشاحنات والحافلات الذي يعد شرياناً حيوياً للاقتصاد الأمريكي، في السنوات الأخيرة، تصاعد الجدل حول منح هذه الرخص للمهاجرين، في ظل نقص حاد في سائقي الشاحنات، يقابله تشدد متزايد في سياسات الهجرة.

 ومع وصول قضايا السلامة العامة إلى الواجهة بعد حوادث مميتة، باتت رخص القيادة التجارية ساحة صراع بين الحكومة الفيدرالية والولايات، حيث يتداخل القانوني مع السياسي، وتتحول ميزانيات البنية التحتية إلى أداة ضغط متبادلة، ويعكس النزاع الحالي مع نيويورك هذا المشهد المعقد، ويطرح تساؤلات حول مستقبل تنظيم هذا القطاع، وحدود صلاحيات كل طرف في نظام فيدرالي قائم على توازن دقيق بين المركز والولايات.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية