من نيرمبرغ إلى نيويورك.. تقرير حقوقي يكشف عن أهمية معاهدة الجرائم ضد الإنسانية

من نيرمبرغ إلى نيويورك.. تقرير حقوقي يكشف عن أهمية معاهدة الجرائم ضد الإنسانية
الأمم المتحدة

في أكتوبر الجاري أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش وشركاؤها ورقة إحاطة مكوّنة من 25 توصية موجهة إلى وفود الدول الأعضاء لدى الأمم المتحدة تحثّهم على المضي قُدمًا في التفاوض بشأن أول معاهدة دولية مخصصة لـ الجرائم ضد الإنسانية، هذه الخطوة تأتي في وقت يُصنّف فيه ارتكاب قتل جماعي ومنهجي موجه ضد المدنيين كأحد أخطر الجرائم في القانون الدولي، بينما يُعاني النظام الدولي من ضعف في الأطر القانونية التي تضمن الوقاية والمساءلة بشكل شامل.

بحسب تقرير نشرته منظمة هيومن رايتس ووتش اليوم الاثنين تشمل الجرائم ضد الإنسانية مجموعة واسعة من الأفعال مثل الإبادة، والاستعباد، والاغتصاب، والحمل القسري، والاضطهاد، والاختفاء القسري، عندما تُرتكب كجزء من هجوم واسع أو منهجي ضد المدنيين، رغم أن هذه الجرائم مُدرجة في النظام القانوني الدولي، لا تزال الدول تفتقر إلى اتفاقية مخصصة توحد التزاماتها لمنعها ومعاقبة مرتكبيها، إذ أشارت هيومن رايتس ووتش إلى أنه قد مرّ ٨٠ عامًا منذ محاكمات نورمبرغ في ألمانيا ولم تُثمر بعد معاهدة مخصصة لها. 

غياب هذه المعاهدة يعني أن التعاون الدولي، والتشريع الوطني، والمحاكم المحلية غالبًا ما تكافح لتعزيز المساءلة، حيث إن نظامًا متكاملاً للتعاون في الوقاية والتحقيق ليس قائمًا بالشكل المطلوب. 

الزخم القانوني والدبلوماسي

في ديسمبر 2024، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 79/122 الذي يمهّد لمفاوضات رسمية تبدأ بلجنة تحضيرية في يناير 2026، وتمهّد لعقد مؤتمر مفوضين في 2028 و2029 وهذا الإطار الزمني يمثل تأكيدًا دوليًا على أن المعاهدة ستُعدّ بعيداً عن خانة التأجيل.

وقد رحّبت منظمات حقوق الإنسان الدولية مثل الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان (FIDH) بهذا القرار، مطالبة بأن تُشمل حقوق الضحايا والمساواة في صياغة النص، وقد تكررت أهمية المشاركة الواسعة للمجتمع المدني والضحايا في التوصيات، حيث دُعي إلى تمثيل النساء، ذوو الإعاقة، والمجتمعات الأصلية، والشباب في المفاوضات. 

حسب الورقة الصادرة، يُعزى الزخم المتزايد إلى تزامن عدة عوامل منها: تصاعد الجرائم ضد الإنسانية في مناطق مثل أوكرانيا، إثيوبيا، وميانمار، وغزة والسودان، بالإضافة إلى تزايد الوعي بأن القانون الدولي الحالي لا يكفي وقد دفع ذلك الدول إلى الاعتراف بأن معالجة هذه الجرائم لا تشمل فقط آليات الجنائية الدولية، بل تحتاج إلى إنفاذ على المستوى الوطني، وتعاون قانوني عبر الحدود، وحماية وإعادة تأهيل للضحايا.

التحديات المنتظرة

ورغم تفاؤل ناشطي حقوق الإنسان، ثمة تحديات كبرى تواجه العملية، من أبرزها اعتماد القرار بالإجماع في اللجنة السادسة للأمم المتحدة، ما يمنح أي دولة القدرة على تعطيل المسار، كذلك، التباين بين الدول الغنية والجنوبية في الموارد والمشاركة، وتردد بعض القوى الكبرى في الالتزام بتوسيع الولاية القضائية أو رفع الحصانات.

المعاهدة المقترحة وعدت بأن تشمل حماية حقوق الضحايا، بما في ذلك التعويض، والمشاركة الفاعلة، وتسهيل الوصول إلى العدالة، من وجهة نظر إنسانية، فإن الضحايا الذين يعانون من آثار هذه الجرائم لا يزالون غالبًا خارج نطاق العدالة، إذ إن غياب معاهدة ينعكس في استمرار الإفلات من العقاب والتشتت القضائي.

ردود الفعل الدولية

منظمات حقوق الإنسان رحّبت بالخطوة، وقالت هيومن رايتس ووتش إن الدبلوماسية الطموحة والتطلّعية هي المفتاح لإنجاح المعاهدة، كما دعت أكشايا كومار المديرة المشاركة إلى تحدّي الاستبعاد وعدم المساواة الذي رافق صناعة القانون الدولي في الماضي، وأكد مشروع منع الجرائم ضد الإنسانية في كلية القانون بجامعة كولومبيا أن الدول يجب أن تؤكد التزامها بسيادة القانون وأن تقاوم الضغط لتخفيف المبادئ الأساسية للمعاهدة.

مصطلح جرائم ضد الإنسانية ظهر رسميًا في محاكمات نورمبرغ بعد الحرب العالمية الثانية، لكنه لم يُترجم حتى اليوم إلى معاهدة مستقلة وهذا الفراغ القانوني يُعدت هه اليوم أحد أسباب إبطال المساءلة في حالات عدة، وهو ما دفع أغلب خبراء القانون الدولي للإشارة إلى أن المعاهدة شأنها شأن اتفاقية الإبادة الجماعية أو العبودية، يجب أن تُعزّز واجب الدول في الوقاية والمعاقبة والتعاون. 

إذا ما تم إبرام المعاهدة، فمن المتوقع أن تؤدي إلى تبنّي قوانين وطنية تتناول الجرائم ضد الإنسانية ضمن التشريعات المحلية، وتقوية التعاون القضائي الدولي ومساعدة قانونية متبادلة بين الدول، وتعزيز وضع الضحايا ومنحهم حقوق مشاركة وتعويض، وإضفاء شرعية أعلى لملاحقة هذه الجرائم حتى في وقت السلم وليس فقط في النزاعات المسلحة، غير أن الإخفاق المحتمل أو التأخير الطويل قد يؤدي إلى ما وصفه بعض الخبراء بأنه أزمة شرعية للقانون الدولي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية