المرسوم 54 في قفص الاتهام.. لجنة حماية الصحفيين تدق ناقوس الخطر في تونس

المرسوم 54 في قفص الاتهام.. لجنة حماية الصحفيين تدق ناقوس الخطر في تونس
وقفة احتجاجية بشأن حرية الصحافة والتعبير في تونس

أطلقت لجنة حماية الصحفيين في تقرير حديث لها تحذيرا جديدا بشأن التدهور المتسارع لواقع الحريات الصحفية في تونس، داعية السلطات إلى الإفراج غير المشروط عن جميع الصحفيين المسجونين بسبب قضايا تتعلق بحرية التعبير، وإلى الإلغاء الفوري للمرسوم عدد 54 أو إصلاحه بشكل جذري.

ويعكس تقرير اللجنة قلقا متزايدا داخل الأوساط الحقوقية الدولية من مسار تعتبره اللجنة مهددا لجوهر العمل الصحفي ولمكتسبات حرية التعبير التي شهدتها تونس على مدى سنوات.

وطالبت لجنة حماية الصحفيين بإسقاط جميع القضايا المرفوعة بموجب المرسوم 54، بما في ذلك القضايا التي طالت صحفيين بارزين ومحامين وناشطين، وبحسب ما ذكرته شبكة "بوابة تونس" الإخبارية، اليوم الثلاثاء، شدد التقرير على أن استمرار سجن الصحفيين بسبب عملهم المهني أو آرائهم يمثل انتهاكا واضحا للمعايير الدولية لحرية التعبير وحرية الصحافة، ويضع تونس في موقع مقلق على خريطة الحقوق والحريات.

وأكدت اللجنة أن الإفراج عن الصحفيين يجب أن يكون غير مشروط، باعتبار أن القضايا المرتبطة بالتعبير لا ينبغي أن تُعالج بأدوات زجرية أو عبر قوانين استثنائية تجرم العمل الصحفي وتخنق النقاش العام.

المرسوم 54 محور الانتقادات

ركّز التقرير بشكل أساسي على المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الجرائم المتصلة بأنظمة المعلومات والاتصال، واعتبره الأداة القانونية الرئيسية التي تُستخدم اليوم لإسكات الأصوات المنتقدة وتجريم التغطيات الصحفية العادية، وأشارت اللجنة إلى أن هذا المرسوم، منذ اعتماده في 2022، تحوّل من إطار قانوني تقني إلى سيف مسلط على الصحفيين والمعارضين والناشطين.

وأضاف التقرير أن صياغة المرسوم الفضفاضة، والعقوبات القاسية التي يتضمنها، فتحت الباب أمام تأويلات واسعة، تُستغل لملاحقة الصحفيين بسبب مقالات أو تعليقات أو تغطيات إعلامية تدخل في صميم دور الصحافة الرقابي.

وتطرق تقرير لجنة حماية الصحفيين إلى عدد من القضايا التي اعتبرها رمزية وتعكس خطورة الوضع الراهن، من بينها محاكمات الصحفيين محمد بوغلاب وشذى الحاج مبارك، ومراد الزغيدي وبرهان بسيس، إلى جانب قضية المحامية سنية الدهماني، واعتبرت اللجنة أن هذه القضايا لا تمثل حالات فردية معزولة، بل جزءا من نمط أوسع يهدف إلى ترهيب الوسط الصحفي وإرسال رسائل ردع واضحة لكل من يفكر في ممارسة نقد السلطة أو كشف ملفات حساسة.

ورغم الإفراج عن المحامية سنية الدهماني، شدد التقرير على أن هذه الخطوة لا تعكس تحسنا حقيقيا في المشهد العام، بل تبقى إجراء جزئيا لا يغير من حقيقة أن المناخ العام للحريات يواصل التدهور.

تدهور مستمر لا بوادر انفراج

اعتبرت لجنة حماية الصحفيين أن الإفراج عن بعض الموقوفين لا يمكن قراءته كمؤشر إيجابي طالما استمر العمل بالمرسوم 54 واستمرت الملاحقات القضائية، وأكد التقرير أن تونس تواجه خطرا حقيقيا يتمثل في ترسيخ نظام تصبح فيه الصحافة المستقلة شبه مستحيلة، ويغدو ثمن الاختلاف أو النقد سنوات من الملاحقة القضائية والعقوبات السالبة للحرية.

وأضافت اللجنة أن هذا المسار يخلق مناخا من الخوف وعدم اليقين داخل غرف التحرير، ويدفع الصحفيين إلى إعادة التفكير في طبيعة عملهم وحدود ما يمكن نشره.

واستند التقرير إلى إحصائيات النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، التي تشير إلى رفع ما لا يقل عن 39 قضية ضد صحفيين بسبب عملهم منذ مايو 2023، استنادا إلى قانون الجرائم الإلكترونية وقانون مكافحة الإرهاب، واعتبرت لجنة حماية الصحفيين أن هذه الأرقام تعكس تصاعدا مقلقا في استخدام القوانين الزجرية لمواجهة العمل الإعلامي، بدل اللجوء إلى آليات تنظيمية أو أخلاقية داخل المهنة.

وأضاف التقرير أن هذه القضايا لا تقتصر على الصحفيين فقط، بل طالت أيضا محامين وناشطين ومعلقين سياسيين ومواطنين عاديين، ما يعكس توسعا في دائرة الاستهداف، ويؤشر إلى تضييق عام على الفضاء العام وحرية التعبير.

خنق العمل الصحفي

أشار تقرير لجنة حماية الصحفيين إلى أن هذا الواقع أفرز بيئة إعلامية يتراجع فيها العمل الصحفي الاستقصائي والنقدي، ونقل عن عدد من الصحفيين قولهم إنهم باتوا يمارسون مستويات عالية من الرقابة الذاتية خوفا من التتبع القضائي، بينما تحدث آخرون عن تأجيل أو إلغاء نشر تقارير سياسية أو تحقيقات حساسة، رغم جاهزيتها للنشر.

ورأت اللجنة أن الرقابة الذاتية أخطر من القمع المباشر، لأنها تقوض جوهر الصحافة من الداخل، وتحولها إلى ممارسة حذرة ومحدودة، تخشى الاقتراب من القضايا الكبرى التي تهم الرأي العام.

ودعت لجنة حماية الصحفيين إلى إلغاء المرسوم 54 أو إصلاحه بشكل جذري، بما يضمن مواءمته مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، كما شددت على ضرورة ضمان إجراءات قضائية علنية وشفافة، تراعي الحق في محاكمة عادلة، وتحترم قرينة البراءة وحرية التعبير.

وأكد التقرير أن أي إصلاح قانوني يجب أن يتم في إطار تشاركي، يشمل الصحفيين ونقاباتهم ومنظمات المجتمع المدني والخبراء القانونيين، لضمان عدم توظيف القوانين مستقبلا كأدوات سياسية لتصفية الحسابات أو إسكات الأصوات الناقدة.

تحذير من خسارة مكتسبات سابقة

حذّرت لجنة حماية الصحفيين من أن استمرار هذا المسار قد يؤدي إلى خسارة تونس مكانتها التي اكتسبتها بعد 2011 كواحدة من أكثر الدول العربية انفتاحا على مستوى حرية الصحافة، وأكدت أن تراجع الحريات الإعلامية لا يؤثر فقط على الصحفيين، بل ينعكس مباشرة على حق المواطنين في الوصول إلى معلومات مستقلة ومتنوعة.

وأضاف التقرير أن إضعاف الصحافة المستقلة يقوض أسس الشفافية والمساءلة، ويغذي مناخ الشائعات والمعلومات المضللة، في وقت تحتاج فيه المجتمعات إلى إعلام قوي لمواجهة الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

يأتي تقرير لجنة حماية الصحفيين في سياق جدل واسع تشهده تونس منذ اعتماد المرسوم عدد 54 في 2022، والذي بررته السلطات حينها بالحاجة إلى مكافحة الأخبار الزائفة والجرائم الإلكترونية، غير أن منظمات حقوقية محلية ودولية حذّرت منذ البداية من خطورة الصياغة الفضفاضة للمرسوم، ومن إمكانية استخدامه لتقييد حرية التعبير، ومع تزايد القضايا المرفوعة ضد صحفيين وناشطين بات المرسوم في صلب النقاش العام حول مستقبل الحريات في تونس، وسط مخاوف من عودة مناخات القمع وتراجع المكاسب الديمقراطية التي تحققت بعد الثورة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية