يقترب من المرحلة الحمراء.. التلوث يهدد ملايين الإيرانيين وطهران في قلب الأزمة

يقترب من المرحلة الحمراء.. التلوث يهدد ملايين الإيرانيين وطهران في قلب الأزمة
أطفال يحاولون حماية أنفسهم من تلوث الهواء في إيران

على مدار أيام متتالية، تستيقظ طهران حاليا على سماء رمادية ثقيلة تخنق الأنفاس فيما يتضاعف القلق اليومي لسكانها، في مشهد بات مألوفا لكنه أكثر قسوة هذا العام، وتقترب العاصمة الإيرانية مجددا من دخول المرحلة الحمراء لتلوث الهواء، في مؤشر يعكس أزمة بيئية وصحية متفاقمة تهدد حياة ملايين المواطنين، وسط تحذيرات رسمية وصمت سياسي يثير تساؤلات واسعة حول مستقبل المدينة وسلامة سكانها.

وأعلنت شركة مراقبة جودة الهواء في طهران، اليوم الأربعاء، أن مؤشر جودة الهواء اللحظي بلغ 149، وهو رقم يضع العاصمة على بعد خطوة واحدة من الدخول إلى المرحلة الحمراء، التي تعني أن الهواء غير صحي لجميع الفئات دون استثناء.

ويعكس هذا المستوى المرتفع تصاعد تركيز الملوثات الدقيقة في الجو، خصوصا الجسيمات العالقة التي تتسلل إلى الجهاز التنفسي وتسبب أضرارا صحية خطيرة على المدى القصير والطويل، وفق وكالة مهر للأنباء.

وأكدت إدارة الأرصاد الجوية العامة في طهران استمرار حالة التلوث في المحافظة، في ظل استقرار الأحوال الجوية وضعف حركة الرياح، ما يمنع تشتت الملوثات ويؤدي إلى تراكمها فوق المدينة المكتظة بالسكان.

سجل مقلق خلال العام

تلوث الهواء في طهران لم يعد حادثا عابرا أو موسما استثنائيا، بل تحوّل إلى أزمة مزمنة تتكرر بوتيرة أعلى، فمنذ بداية العام الحالي سجلت العاصمة 6 أيام فقط بهواء نقي، مقابل 131 يوما بهواء مقبول، و116 يوما غير صحي للفئات الحساسة، إضافة إلى 21 يوما غير صحي للجميع، ويومين غير صحي جدا، ويومين في حالة خطرة.

هذه الأرقام تعكس اختلالا عميقا في إدارة الملف البيئي، حيث أصبحت الأيام التي يمكن فيها للسكان التنفس دون قلق أقل بكثير من الأيام التي يضطرون فيها للبقاء خلف النوافذ المغلقة أو ارتداء الكمامات في الشوارع.

ومع اقتراب المؤشر من المرحلة الحمراء، كثفت وسائل الإعلام الإيرانية التحذيرات الصحية، داعية مرضى القلب والرئة وكبار السن والأطفال والحوامل إلى تجنب الخروج في الهواء الطلق، وتقليل النشاط البدني إلى الحد الأدنى.

وأفادت وكالة مهر بأن التلوث في منطقة باقرشهر جنوب طهران بلغ المرحلة البنفسجية، وهي مرحلة غير صحيّة جدا، ما يعكس تفاوتا خطيرا في مستويات التلوث داخل العاصمة وضواحيها، ويضاعف المخاطر الصحية على الفئات الأكثر هشاشة.

إلغاء الأنشطة الرياضية

لم تقتصر تداعيات التلوث على التحذيرات الصحية فقط، بل امتدت إلى تعطيل الحياة اليومية، فقد أعلن اتحاد كرة القدم في محافظة طهران إلغاء جميع المباريات والتدريبات في ذلك اليوم، مؤكدا أن أي نشاط رياضي في الهواء الطلق غير مسموح به حفاظا على صحة اللاعبين والجمهور.

هذا القرار يعكس مدى خطورة الوضع، حيث بات الهواء نفسه عائقا أمام ممارسة أبسط الأنشطة اليومية، في مدينة يفترض أن تكون مركزا للحياة والعمل والحركة.

إلى جانب الأضرار الجسدية المعروفة، بدأت الأبحاث الطبية تُسلّط الضوء على آثار أكثر عمقا لتلوث الهواء، وأشار تقرير صادر عن نادي الصحفيين الشبان إلى أن الجسيمات الدقيقة والملوثات المرورية لا تؤثر فقط على القلب والرئتين، بل يمكن أن تصل إلى الدماغ، ما يزيد من مخاطر الاكتئاب والقلق وتراجع القدرات الإدراكية، خصوصا لدى كبار السن الذين يتعرضون لهذه الملوثات لفترات طويلة.

وفي هذا السياق، أعلن عضو هيئة التدريس في جامعة بهشتي للعلوم الطبية عباس شاهسوني في 25 نوفمبر أن تلوث الهواء يعد من بين خمسة أسباب رئيسة للوفاة في إيران، وهو تصريح يعكس حجم الكارثة الصحية التي تتجاوز كونها أزمة بيئية عابرة.

غضب شعبي 

على منصات التواصل الاجتماعي وفي الأحاديث اليومية، يعبر مواطنون عن غضبهم من استمرار الأزمة دون حلول جذرية، معتبرين أن السياسات الحكومية الفاشلة، مثل حرق المازوت في محطات الطاقة، أسهمت بشكل مباشر في تفاقم التلوث وتعريض صحة الملايين للخطر.

ويرى كثيرون أن الأزمة لم تعد تحتمل المعالجات المؤقتة أو البيانات التحذيرية، بل تحتاج إلى قرارات شجاعة تعالج جذور المشكلة، من تحديث أسطول النقل العام إلى ضبط الانبعاثات الصناعية، ووضع سياسات طاقة أكثر نظافة واستدامة.

تعاني إيران منذ سنوات من أزمة تلوث هواء متصاعدة، خاصة في المدن الكبرى مثل طهران وأصفهان ومشهد وأهواز، نتيجة عوامل متعددة تشمل الكثافة السكانية العالية، والاستخدام الواسع للوقود الأحفوري منخفض الجودة، وقِدَم البنية التحتية، إضافة إلى الظروف الجغرافية والمناخية التي تحاصر الملوثات داخل الأحواض الحضرية.

وعلى الرغم من التحذيرات المتكررة من خبراء الصحة والبيئة، لا تزال الحلول المطروحة محدودة التأثير، ما يجعل تلوث الهواء واحدا من أخطر التحديات البيئية والصحية التي تواجه المجتمع الإيراني اليوم، ويضع مستقبل الأجيال القادمة أمام مخاطر متزايدة. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية