"مستودعات الاستيراد".. جبهة جديدة في حملة ترامب على المهاجرين

"مستودعات الاستيراد".. جبهة جديدة في حملة ترامب على المهاجرين
اعتقال مهاجر في الولايات المتحدة

يفتح اقتحام مستودعات الاستيراد في ولاية نيوجيرسي فصلاً جديداً في حملة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على الهجرة، حيث لم تعد المداهمات مقتصرة على الأحياء السكنية أو مواقع العمل التقليدية، بل امتدت إلى منشآت تخضع لإشراف مباشر من الحكومة الفيدرالية، وتعمل ضمن منظومة التجارة والاستيراد العالمي، وفق ما وثّقه تقرير لصحيفة "نيويورك تايمز".

يروي عمال في منشآت تخزين البضائع المشحونة أن ضباط الجمارك الذين اعتادوا تفتيش السلع المستوردة باتوا يلعبون دوراً مباشراً في تسهيل اعتقال المهاجرين، من خلال فتح الأبواب أمام عناصر إنفاذ قوانين الهجرة داخل المستودعات الجمركية، وهي منشآت تسمح الحكومة للشركات باستخدامها لتخزين البضائع حتى سداد الرسوم الجمركية.

يبدأ المشهد، كما وصفته الصحيفة الأمريكية، في أحد أيام أكتوبر داخل مستودع بمدينة أفينيل في ولاية نيوجيرسي، حيث كان العمال المكلفون بتخزين فساتين فيرساتشي وكريستالات سواروفسكي وأحذية لويس فويتون الرياضية قد شرعوا في نوبتهم اليومية، قبل أن يقتحم عشرات من مسؤولي الهجرة المبنى ويحاصروه من جميع الجهات.

يغلق ضباط ملثمون يحملون بنادق طويلة المخارج، ويستخدمون الكلاب وأجهزة الكشف الحراري لتعقب العمال المختبئين، في حين تحلق مروحية فوق الموقع، لينتهي الأمر خلال ساعات باعتقال 46 شخصاً، وهو ما قال مسؤولون فيدراليون إنه يمثل قرابة ربع القوة العاملة في المستودع في ذلك اليوم.

كشف التحقيق أن المستودع المستهدف يرتبط بعلاقة غير معروفة على نطاق واسع بالحكومة الفيدرالية، إذ تخضع هذه المنشآت لحراسة وإشراف مسؤولي الجمارك وحماية الحدود، الذين يسمحون للشركات بتخزين منتجاتها مؤقتاً، مقابل صلاحيات دخول غير مقيدة لتفتيش البضائع في أي وقت.

أوضح التقرير أن تلك الصلاحيات، التي وُضعت أساساً لأغراض جمركية وتجارية، تحولت في يوم المداهمة إلى أداة لاعتقال العمال أنفسهم، لا لفحص السلع، وهو ما أثار صدمة بين العاملين الذين قال بعضهم إنهم شعروا وكأنهم وقعوا في كمين نصبه لهم موظفون يتشاركون معهم المكان يومياً.

يعرّف التقرير هذه المنشآت بوصفها "المستودعات الجمركية"، المنتشرة بكثافة في شمال نيوجيرسي لقربها من ميناء دولي رئيسي، مشيراً إلى أن عملاء فيدراليين داهموا ثلاثة مستودعات على الأقل خلال أربعة أشهر فقط من العام، ما أثار قلق نشطاء حقوق العمال الذين يرون أن حملة ترامب على الهجرة بدأت تطول قطاع الاستيراد والتصدير الحيوي في المنطقة.

وينقل التقرير عن عمال معتقلين قولهم إن بعضهم كان يحمل تصاريح عمل، أو لديه فرص قانونية للحصول على وضع قانوني، وهو ما أكدته شهادات نقلتها "نيويورك تايمز" عن عمال في مستودع تستخدمه شركة إيطالية تُدعى "سافينو ديل بيني"، المتخصصة في تجارة الأزياء والسلع الفاخرة.

شهادات الاحتجاز

يسرد العامل السابق في المستودع جوناثان بيلو، البالغ من العمر 18 عاماً، تفاصيل اعتقاله بعد شهرين فقط من بدء عمله، موضحاً أنه أُطلق سراحه في ديسمبر بعد أسابيع قضاها في مركز احتجاز للمهاجرين، حيث واجه ما وصفه بظروف "لا إنسانية"، وفق "نيويورك تايمز".

يقول بيلو إنه كان يُقدّم له طعام فاسد، ويُجبر على الخروج إلى الهواء الطلق في درجات حرارة متجمدة دون معطف، رغم أنه يحمل تصريح عمل ورقم ضمان اجتماعي، وكان قد تقدم بطلب للحصول على وضع قانوني عبر زوج والدته، وهو مواطن أمريكي.

ينقل التقرير عن العامل قوله بالإسبانية: "لا يستحق أي إنسان هذا.. لقد عانينا من جوع وبرد شديدين"، في شهادة تعكس،

اتساع الفجوة بين الخطاب الرسمي حول "السلامة والكرامة" وواقع الاحتجاز.

توضح وزارة الأمن الداخلي، بحسب "نيويورك تايمز"، أن عناصر إنفاذ القانون كانوا يجرون تفتيشاً عندما ألقوا القبض على العمال، مؤكدة أن تصاريح العمل وطلبات اللجوء قيد الانتظار لا تمنح أصحابها وضعاً قانونياً، رغم أن هذه الفئات لم تكن تاريخياً من أولويات الترحيل.

وتشير الصحيفة إلى أن عدداً من العمال أُفرج عنهم لاحقاً بعد قضاء أسابيع خلف القضبان، دون حسم مصيرهم القانوني، في ظل غموض حول ما إذا كانت شركة "سافينو ديل بيني" ستواجه عقوبات لتوظيف أشخاص غير موثقين.

الجدل القانوني

يشكك مدافعون عن حقوق العمال في قانونية أسلوب الاعتقال، حيث تقول المنظمة المجتمعية أماندا دومينغيز، في منظمة "نيو ليبر" المدافعة عن العمال المهاجرين ذوي الأجور المنخفضة، إن إدارة الهجرة والجمارك تحتاج عادة إلى مذكرة تفتيش موقعة من قاضٍ لدخول أماكن العمل واحتجاز الأشخاص.

تضيف دومينغيز أن السلطات "تستغل ثغرة قانونية" مرتبطة بسلطات الجمارك داخل المستودعات الجمركية، مؤكدة أن ذلك لا يُغني عن الحاجة إلى إذن قضائي خاص بإجراءات الهجرة، وهو الرأي الذي تكرر في تغطية "الغارديان" للمداهمات نفسها.

وترد وزارة الأمن الداخلي بأن المستودعات الجمركية تخضع لسلطة تفتيش إدارة الجمارك وحماية الحدود، ويجوز تفتيش الأشخاص والممتلكات في أي وقت دون إذن قضائي، وهو ما يفتح باباً واسعاً للجدل حول حدود هذه الصلاحيات.

يتولى المحامي جيريمي جونغ، في منظمة "آل أوترا لادو" غير الربحية التي تقدم خدمات قانونية للمهاجرين في كاليفورنيا، تمثيل مهاجر رفع دعوى قضائية بعد اعتقاله في مستودع جمركي لتخزين النبيذ والمشروبات الكحولية في إديسون، نيوجيرسي.

يؤكد جونغ أن الحكومة انتهكت مبدأ الإجراءات القانونية الواجبة باعتقال أشخاص دون التحقق من وجودهم في البلاد بشكل غير قانوني، مضيفاً أن مجرد وجود حق للجمارك في التواجد داخل المستودع لا يعني أن التعديل الرابع للدستور، الذي يحمي من التفتيش والمصادرة غير المبررة، لا ينطبق.

احتجاز 80 ألف مهاجر

من جانبها، كشفت صحيفة "واشنطن بوست"، عبر وثائق داخلية لإدارة الهجرة والجمارك الأمريكية (ICE)، عن خطة تهدف إلى احتجاز أكثر من 80 ألف مهاجر في مستودعات صناعية، ضمن مشروع لبناء سبعة مراكز احتجاز ضخمة لتسريع عمليات الترحيل.

وتوضح الوثائق أن الخطة تقوم على إنشاء نظام فرز منظم، حيث يُسجل المحتجزون الجدد في مواقع معالجة لبضعة أسابيع، قبل نقلهم إلى مستودعات تتسع كل منها لما بين 5 و10 آلاف شخص، تقع بالقرب من مراكز الخدمات اللوجستية في ولايات عدة، من بينها فرجينيا وتكساس ولويزيانا وأريزونا.

وتشير الصحيفة إلى أن إدارة ترامب خصصت 45 مليار دولار لاحتجاز المهاجرين، وأعادت تشغيل سجون مهجورة، وأعادت توظيف أجزاء من قواعد عسكرية، وبنت مخيمات خيام في مناطق نائية، في إطار ما وصفته بحملة لاحتجاز وترحيل ملايين المهاجرين.

وتنقل "واشنطن بوست" عن المسؤول عن ملف الحدود توم هومان قوله إن الإدارة رحّلت أكثر من 579 ألف شخص خلال العام، بينما أظهرت بيانات الوكالة احتجاز أكثر من 68 ألف شخص في بداية الشهر، نصفهم تقريباً بلا أي سوابق جنائية.

تنبه الصحيفة إلى أن خبراء العقارات التجارية حذروا من أن المستودعات مصممة للتخزين لا للسكن البشري، وغالباً ما تفتقر للتهوية وأنظمة التحكم في الحرارة والبنية التحتية الصحية، وهو ما دفع ناشطين، مثل الناشطة تانيا وولف من مشروع الهجرة الوطني، إلى وصف الخطة بأنها "مهينة" وتشبه معاملة البشر "كالمواشي".

صورة مكررة للمداهمات

توثق صحيفة "الغارديان"، في تقرير سابق، مداهمة مماثلة في إديسون بنيوجيرسي، حيث اقتيد عشرات العمال مكبلين بأربطة بلاستيكية بعد دخول عناصر الجمارك وحماية الحدود، بمشاركة عناصر من إدارة الهجرة والجمارك.

وتنقل الصحيفة عن المنظمة أماندا دومينغيز تأكيدها أن الجمارك "تُبقي الباب مفتوحاً" أمام نظرائها من إدارة الهجرة، معتبرة أن ما يجري يمثل تجاوزاً قانونياً، ويعيد إنتاج نفس المشهد الذي وصفته "نيويورك تايمز" في أفينيل.

يختتم المشهد بشهادات ذوي العمال، حيث قالت والدة العامل جوناثان بيلو، ساندرا سويرو، إنها انتظرت خمس ساعات خارج المستودع دون أي معلومات عن مصير ابنها، مضيفة بالإسبانية: "نُفذت المداهمة وكأنهم أسوأ المجرمين.. كانوا يعملون فقط"، وهي شهادة تلخص البعد الإنساني لهذه السياسة كما عرضته الصحف الثلاث.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية