مأساة إنسانية جديدة.. البحر يبتلع 116 مهاجراً قبالة تونس

مأساة إنسانية جديدة.. البحر يبتلع 116 مهاجراً قبالة تونس
محاولة إنقاذ مهاجرين

في الوقت الذي كانت فيه عائلات كثيرة حول العالم تستعد لاستقبال عيد الميلاد، كان البحر المتوسط يضيف مأساة جديدة إلى سجل طويل من الغرق والموت حيث ابتلع البحر  قبالة السواحل التونسية قارب مهاجرين انطلق من مدينة زوارة الليبية، حاملا أكثر من 100 إنسان فروا من واقع قاس بحثا عن فرصة حياة، لتنتهي رحلتهم بعد ساعات قليلة في واحدة من أكثر الحوادث دموية خلال عام 2025.

ونقلت منظمة "سي ووتش" إيطاليا، الثلاثاء، استنادا إلى تقرير صادر عن منظمة "ألارم فون"، تفاصيل الحادث الذي وقع عشية عيد الميلاد، مؤكدة غرق سفينة كانت تقل 117 مهاجرا، وبحسب المعلومات التي نشرتها المنظمة، فقد أسفر الحادث عن وفاة 116 شخصا، فيما نجا شخص واحد فقط بعد أن عثر عليه صياد تونسي، في واقعة أعادت طرح الأسئلة المؤلمة حول مصير المهاجرين في المتوسط ومسؤولية المجتمع الدولي عن حمايتهم وفق "مهاجر نيوز".

رحلة قصيرة انتهت بكارثة

انطلق القارب مساء 18 ديسمبر من مدينة زوارة الليبية، وهي إحدى نقاط العبور الرئيسية للمهاجرين نحو أوروبا، وعلى متنه 117 شخصا، بينهم رجال ونساء، غادروا الشاطئ وهم يدركون خطورة الرحلة، لكنهم فضلوا المخاطرة على البقاء في واقع يصفه كثيرون بأنه بلا أفق.

في 19 ديسمبر، تلقت منظمة ألارم فون بلاغاً في الساعة 14:00 يفيد بفقدان الاتصال بالقارب بعد وقت قصير من الإبحار، حاولت المنظمة مرارا التواصل مع القارب عبر هاتف الثريا، دون أي استجابة، ما أثار مخاوف جدية من تعرضه للغرق، خصوصا في ظل تدهور الأحوال الجوية في تلك الليلة.

إنذار بلا استجابة فعالة

بحسب بيان ألارم فون، جرى إبلاغ خفر السواحل المعنيين والمنظمات غير الحكومية بالحادث، رغم عدم توفر إحداثيات دقيقة لموقع القارب عبر نظام جي بي إس، وعلى مدار اليوم، واصلت المنظمة محاولاتها للاتصال بالقارب هاتفيا، لكن دون جدوى، فيما كانت الساعات تمر حاملة معها احتمالات مأساوية.

وأشارت منظمة الإنقاذ إلى أنها تواصلت مع خفر السواحل الإيطالي، الذي أكد استلامه البريد الإلكتروني المرسل بشأن القارب المفقود، إلا أن المكالمة انتهت سريعا دون تقديم أي معلومات إضافية أو طمأنة حول بدء عمليات بحث وإنقاذ فعالة.

كما جرى التواصل مع خفر السواحل الليبي، الذي أفاد هاتفيا بأنه لم ينقذ أو يعترض أي وسيلة إبحار يومي 18 و19 ديسمبر، ما زاد من الغموض حول مصير القارب وركابه.

العثور على ناج وحيد

بعد يومين من القلق والترقب، وفي مساء 21 ديسمبر، تلقت ألارم فون معلومات تفيد بأن صيادين تونسيين عثروا على رجل واحد فقط على متن قارب خشبي في عرض البحر، وأكد الرجل، وفق شهادة نقلتها المنظمة، أنه غادر زوارة قبل يومين، وأنه الناجي الوحيد من القارب الذي كان يقل 117 شخصا.

هذه الشهادة المؤلمة أكدت أسوأ المخاوف، إذ بات من شبه المؤكد أن 116 مهاجرا لقوا حتفهم في البحر، في حادث يضاف إلى سلسلة طويلة من المآسي التي يشهدها المتوسط سنويا.

الطقس العاصف واللحظات الأخيرة

بحسب شهادة الناجي الوحيد، فقد تدهورت الأحوال الجوية بعد ساعات قليلة من انطلاق القارب، حيث وصلت سرعة الرياح إلى 40 كيلومترا في الساعة، ما أدى إلى اضطراب شديد في البحر، ولم يكن القارب الخشبي الصغير مهيأ لمواجهة مثل هذه الظروف، ما يرجح تعرضه للغرق بسرعة.

وأكدت منظمة ألارم فون أنها حاولت التحقق من تفاصيل هذه الشهادة، لكنها لم تتمكن حتى الآن من تأكيد جميع المعلومات بشكل كامل، في ظل غياب ناجين آخرين أو تسجيلات رسمية توثق اللحظات الأخيرة للقارب.

البحث المتأخر

ذكرت "سي ووتش إيطاليا" أن عملية البحث عن القارب المفقود بدأت يوم الاثنين باستخدام طائرة سي بيرد، إلا أن هذه الجهود جاءت بعد فوات الأوان، وأكدت المنظمة أن غرق السفينة وقع بعد وقت قصير من الإبحار، ما يعني أن فرص الإنقاذ كانت ممكنة لو جرى التدخل بشكل أسرع وأكثر تنسيقا.

وأشارت "سي ووتش" إلى أن هذا الحادث يرفع عدد ضحايا حوادث الغرق خلال عام 2025 إلى مستويات مقلقة، مؤكدة أن 116 شخصا فقدوا حياتهم في هذه الواقعة وحدها، ما يجعلها من أكثر الحوادث دموية خلال العام.

المتوسط مقبرة مفتوحة

يعيد هذا الحادث تسليط الضوء على البحر المتوسط بوصفه أحد أخطر طرق الهجرة في العالم، فرغم التحذيرات المتكررة من المنظمات الإنسانية، لا تزال قوارب المهاجرين تنطلق من السواحل الليبية والتونسية، محملة بأشخاص يائسين يدفعهم الفقر أو الحرب أو الاضطهاد إلى ركوب البحر مهما كان الثمن.

وتؤكد منظمات الإغاثة أن غياب ممرات آمنة للهجرة، وتشديد السياسات الأوروبية، والتعاون مع خفر السواحل في دول العبور، كلها عوامل تدفع المهاجرين إلى الاعتماد على قوارب متهالكة ومسارات أكثر خطورة.

مسؤولية دولية غائبة

في تعليقها على الحادث، شددت سي ووتش إيطاليا على أن هذه المأساة لم تكن حتمية، معتبرة أن التأخر في الاستجابة لنداءات الاستغاثة، وغياب عمليات البحث والإنقاذ الفعالة، أسهما بشكل مباشر في ارتفاع عدد الضحايا.

وطالبت المنظمة بإعادة تفعيل عمليات إنقاذ بحرية مستقلة وواسعة النطاق، مؤكدة أن ترك مسؤولية الإنقاذ لدول تعاني من ضعف الإمكانات أو تضارب المصالح يعرض حياة آلاف المهاجرين للخطر سنويا.

تشهد منطقة وسط البحر المتوسط، الممتدة بين السواحل الليبية والتونسية والإيطالية، أحد أخطر مسارات الهجرة غير النظامية في العالم، ومنذ عام 2014، لقي عشرات الآلاف من المهاجرين حتفهم أثناء محاولتهم عبور هذا الطريق، وتلعب منظمات مثل ألارم فون وسي ووتش دورا محوريا في تلقي نداءات الاستغاثة وتوثيق حوادث الغرق، في ظل تراجع عمليات البحث والإنقاذ الرسمية، ومع استمرار الأزمات السياسية والاقتصادية في دول المصدر، يتوقع خبراء أن تتواصل هذه الرحلات الخطرة ما لم يتم توفير بدائل إنسانية وآمنة للهجرة، ومحاسبة الجهات التي تتقاعس عن إنقاذ الأرواح في البحر.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية