ناشطة حقوقية: تغييب النساء عن المشاركة السياسية يعمق أزمة المجتمع في كردستان

ناشطة حقوقية: تغييب النساء عن المشاركة السياسية يعمق أزمة المجتمع في كردستان
كَشَه دارا مديرة منظمة آزادبون

في إقليم كردستان العراق، لا تزال مشاركة النساء في الحياة السياسية محاطة بمعوقات اجتماعية وسياسية عميقة، تجعل من العمل النسوي جهداً مضاعفاً في بيئة لا توفر الدعم الكافي لتمكين المرأة أو دفعها نحو مواقع التأثير وصنع القرار، وبينما تبدو القوانين والمؤسسات في ظاهرها منفتحة على مشاركة النساء، يكشف الواقع فجوة واسعة بين النصوص والتطبيق، تعيد إنتاج الإقصاء وتحد من إمكانات نصف المجتمع.

وتنقل هذه المعطيات رؤية كَشَه دارا مديرة منظمة آزادبون، وفقاً لما أوردته وكالة أنباء المرأة الأربعاء، حول واقع المشاركة السياسية للنساء في إقليم كردستان، مشيرة إلى أن غياب الدعم المؤسسي والسياسي للحركات النسوية انعكس سلباً على حضور المرأة في المجال العام، وحوّل مشاركتها إلى استثناء أكثر من كونها قاعدة راسخة.

واقع اجتماعي يقيد الدور السياسي

في مجتمع تحكمه بنى اجتماعية غير متكافئة، وتوجهه سياسات يغلب عليها الطابع الذكوري، يتحول الدور الاجتماعي للنساء في كردستان من مساحة طبيعية للمشاركة والتأثير إلى إطار ضيق من القيود والتهميش، ولا يقتصر غياب النساء عن السياسة على كونه نقصاً في التمثيل العددي داخل البرلمان أو الحكومة، بل يعكس ثقافة أبوية ممتدة ترى في المرأة فاعلاً ثانوياً، وتتعامل مع مشاركتها بوصفها هامشاً لا ضرورة.

وترى كَشَه دارا أن تجاوز هذه الثقافة يتطلب الاعتراف بأن مشاركة النساء في السياسة ليست مطلباً فئوياً، بل خطوة أساسية نحو بناء مجتمع متوازن، فالحضور الفاعل للنساء يسهم في تعزيز التنمية وترسيخ قيم العدالة الاجتماعية، ويكسر احتكار السلطة الذي ظل لعقود طويلة حكراً على الرجال.

تجربة سياسية بجذور تاريخية

على الرغم من التحديات الراهنة، تؤكد دارا أن النساء في إقليم كردستان يمتلكن تجربة سياسية مهمة تعود إلى عقود مضت، فبعد انتفاضة عام 1991 وتأسيس الإدارة الكردية وانتخاب البرلمان، شاركت النساء في الحياة السياسية، وإن كان ذلك في الغالب بشكل فردي لا جماعي. وتعد أن هذه المشاركة، رغم محدوديتها، شكلت أساساً مهماً لمسيرة النساء في النضال من أجل الحرية والتقدم.

وتشير إلى أن جذور الوعي السياسي النسوي في المجتمع الكردي أقدم من ذلك بكثير، إذ لعبت النساء منذ ثلاثينيات القرن الماضي أدواراً بارزة في منظمات وحركات اجتماعية مختلفة، وتستحضر في هذا السياق تجربة حبسة خاني نقيب التي أسست تنظيماً خاصاً في تلك الفترة، معتبرة أن هذه النماذج تعكس إدراكاً مبكراً لدى المرأة الكردية لأهمية العمل السياسي والمجتمعي.

مشاركة محدودة وتأثير أقل

ورغم دخول النساء إلى البرلمان والحكومة في مراحل مختلفة، فإن حجم هذا الحضور وتأثيره ظل موضع انتقاد، وتقر كَشَه دارا بأن مشاركة النساء في مواقع صنع القرار لم تكن دائماً بالمستوى المطلوب، مشيرة إلى تجربتها الشخصية حين كانت عضواً في برلمان إقليم كردستان، وتوضح أنها حاولت العمل والاجتهاد وتحقيق خطوات إيجابية، لكنها تعترف بأن التحديات البنيوية والبيئة السياسية لم تكن دائماً مساندة.

وتلفت إلى أن البرلمانيات أبدين في فترات سابقة إرادة واضحة لإحداث تغييرات جوهرية في القوانين والسياسات، بهدف جعل مشاركة النساء أكثر فاعلية، وقد حظيت هذه الجهود حينها بدعم نسبي من السلطة التي كانت ترى في قضايا المرأة جزءاً من مسار الإصلاح السياسي.

تراجع الخطاب الديمقراطي

ترى دارا أن التحولات الإقليمية والدولية لعبت دوراً أساسياً في تراجع الاهتمام بقضايا النساء، ففي مراحل سابقة، كان الخطاب السياسي في الشرق الأوسط وكردستان يركز على الديمقراطية وحقوق الإنسان والحكم المدني، ما دفع السلطات إلى إبداء انفتاح أكبر على دعم مشاركة النساء. أما اليوم، فقد تراجع هذا الخطاب، وانعكس ذلك مباشرة على مستوى الدعم المقدم للقضايا النسوية.

وتؤكد أن مشاركة النساء في السياسة ظلت دائماً مرتبطة بمدى الدعم السياسي والاجتماعي، سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي، وأن أي تراجع في هذا الدعم يؤدي تلقائياً إلى انحسار دور المرأة في المجال العام.

الوعي بالذات مدخل للمساواة

تشدّد كَشَه دارا على أن نقطة الانطلاق الحقيقية لتمكين المرأة تبدأ من وعيها بذاتها وإنسانيتها، فحين ترى المرأة نفسها إنساناً كاملاً، تصبح في موقع متساوٍ مع الرجل، وقادرة على المطالبة بحقوقها بوصفها جزءاً من حقوق المجتمع كله، وترى أن هذا الوعي لا يخدم النساء وحدهن، بل ينعكس إيجاباً على رفاه المجتمع بأسره.

وتوضح أن العلاقة بين المرأة والرجل ليست صراعاً على السلطة، بل قضية اجتماعية تهدف إلى بناء حياة فضلى للجميع، وتؤكد أنها لا تسعى إلى الاستحواذ على ما يسمى بالسلطة الذكورية، بل إلى تحقيق المساواة في الحقوق والفرص، ومنها المشاركة في السلطة وصنع القرار.

الكوتا بين الضرورة والواقع

وتعد دارا نظام الكوتا لا يزال ضرورة في المجتمع الكردي؛ لأن الوعي المجتمعي بأهمية مشاركة النساء في السياسة لم يصل بعد إلى المستوى المطلوب، وترى أن الاستغناء عن هذا النظام في المرحلة الراهنة قد يؤدي إلى مزيد من التراجع، بدل تعزيز الحضور النسوي.

وتشدد على أهمية أن تكون النساء في مواقع القرار من ذوات الخبرة والتجربة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، حتى يتمكن من تقديم نماذج إيجابية تعزز ثقة المجتمع بدور المرأة، وترى أن بناء هذه الثقة مسؤولية مشتركة بين النساء والمجتمع؛ لأن المشاركة السياسية للمرأة ليست قضية فردية، بل ركيزة أساسية لتقدم المجتمع وازدهاره.

شهد إقليم كردستان العراق منذ تسعينيات القرن الماضي تحولات سياسية كبيرة، أبرزها تأسيس برلمان وحكومة محلية بعد عام 1991، ما أتاح هامشاً من المشاركة السياسية للنساء مقارنة بمناطق أخرى في العراق، ومع ذلك، ظلت هذه المشاركة محدودة التأثير، ومتأثرة بالبنى العشائرية والثقافة الأبوية والصراعات السياسية الداخلية، ورغم اعتماد نظام الكوتا لضمان تمثيل النساء في البرلمان، تشير تقارير محلية ودولية إلى أن التمثيل الشكلي لم يتحول بعد إلى نفوذ حقيقي في صنع القرار، ويظل تمكين المرأة في كردستان مرتبطاً بإصلاحات سياسية أوسع، وتعزيز ثقافة المساواة، ودعم مستدام للحركات النسوية بوصفها شريكاً أساسياً في بناء مستقبل أكثر عدلاً وتوازناً.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية