إعلامية كردية تكشف كيف أصبح الإعلام النسوي في كردستان محوراً للتغيير
إعلامية كردية تكشف كيف أصبح الإعلام النسوي في كردستان محوراً للتغيير
في زمنٍ تتسارع فيه التحولات السياسية والاجتماعية عبر المنطقة، بات الإعلام النسوي الكردي واحداً من أبرز الميادين التي تعكس صمود المرأة وقدرتها على إعادة صياغة واقعها، فلا يعود حضور الصحفيات اليوم إلى مجرد واجهة مهنية، بل صار امتداداً لذاكرة طويلة من التحدي، وساحة تُخاض فيها المعركة من أجل الحقيقة والحرية، ومن قلب هذا المشهد، كشفت أفين إبراهيم، الرئيسة المشتركة لاتحاد الإعلام الحر وعضوة اتحاد إعلام المرأة، كيف تحوّل الإعلام النسوي إلى جزء أصيل من تاريخ المقاومة الكردية.
ترى أفين إبراهيم وفق حوار نشرته وكالة أنباء المرأة، الجمعة، أن الصحافة النسائية لم تكن في بداياتها مهنة منظمة بقدر ما كانت مساحة لحفظ الذاكرة ورفض محوها. فالأمهات الكرديات، كما تقول، كنّ أول من مارس دور الصحفيات حين روين قصص المجازر والتهجير، واحتفظن بالتاريخ عبر الأغاني الشعبية والحكايات الشفوية التي انتقلت من جيل إلى آخر، وأن هذا التاريخ المنقول عبر الذاكرة الجمعية كان الأساس الذي بُنيت عليه لاحقاً الصحافة النسائية بمفهومها الحديث.
وأوضحت أنه مع صدور أول صحيفة كردية في نهاية القرن التاسع عشر، لم تكن النساء جزءاً من المشهد التحريري، لكن انطلاق حركة الحرية غيّر تلك الصورة بالكامل، فقد ظهرت غربتلي أرسوز كصحفية قائدة، تنظر إلى قضايا النساء والمجتمع بعمق وتكتب عنها من منظور مختلف، لتفتح الباب أمام حراك إعلامي نسوي لم يتوقف منذ ذلك الحين.
وتشير أفين إلى أن هذا التحول لم يكن مجرد انتقال من الغياب إلى الحضور، بل لحظة تأسيس لرؤية جديدة للصحافة بوصفها صوتاً يواجه الطمس والتهميش.
صحافة محفوفة بالمخاطر
تروي أفين أن العمل الصحفي في كردستان لم يكن يوماً مهمة آمنة، فقبل الثورة في شمال وشرق سوريا، كان الصحفيون الكرد يعملون في الخفاء خوفاً من الملاحقة، وكانت أي خطوة خارج هذا الظل تعرّضهم للاعتقال والمحاسبة القاسية، وفي ظل غياب حرية التعبير، لم تكن النساء الكرديات قادرات على الظهور في الإعلام أو ممارسة الصحافة إلا في إطار ضيق ومحفوف بالخطر.
ومع اندلاع ثورة روج آفا، تغير المشهد جذريا، فقد حملت النساء كاميراتهن وأقلامهن وانخرطن في الإعلام رغم أن كثيرات منهن لم يدرسن الصحافة أكاديمياً، كانت الضرورة الثورية هي الدافع، وكانت الحاجة إلى صوت نسوي قادر على تفسير الواقع الجديد أحد أهم أسباب هذا الاندفاع، وتصف أفين هذه المرحلة بأنها الأصعب، لكنها الأكثر تأثيراً، إذ انتقلت الصحافة النسائية من العمل السري المحدود إلى فضاء مفتوح يتيح للمرأة أن تكون راوية لتجربتها وصانعة لخطابها.
حضور يتحدى العنف والضغط
تؤكد أفين إبراهيم أن الظهور الإعلامي للمرأة لم يكن أمراً يسيراً، فقد واجهت الصحفيات أولاً قيود المجتمع، وثانياً مخاطر الحرب، وثالثاً العنف والضغط الممارس بحق المرأة عموماً، لكن أربعة عشر عاماً من الثورة أثبتت أن الصحفيات قادرات على التقدم إلى الصفوف الأولى، وأن حضورهن لم يعد استثناءً بل جزءاً أصيلاً من المشهد.
وبالنسبة لأفين، فإن قوة الإعلام النسائي لا تأتي فقط من الصور والكلمات، بل من أثره المباشر في تشريعات المجتمع، إذ أسهمت التغطيات الإعلامية المتصلة بقضايا النساء في صدور قوانين تخص الأسرة والمرأة، وفي إبراز المشكلات المسكوت عنها مثل العنف الأسري وزواج القاصرات والتمييز القانوني، وهكذا أصبح الإعلام النسوي منصة لإعادة صياغة الوعي الجمعي.
الصحافة النسائية صوت الثورة
ترى أفين أن دور الإعلام النسوي في ثورة المرأة لم يكن مجرد توثيق، بل مشاركة فعلية في بناء نظام جديد، فقد أسهمت الصحفيات في نقل التجارب النسوية المحلية إلى العالم، وربط نساء كردستان بنساء العالم عبر الجسور الإعلامية، ولعبت التغطيات الخاصة بوحدات حماية المرأة دوراً محورياً في إبراز مشاركة النساء في القتال، وفي تعزيز حضورهن كقوة سياسية واجتماعية.
وتشير أفين إلى أن استشهاد صحفيات أمميات كان له تأثير بالغ في إعلاء صوت الثورة الكردية وتدويل خطابها، إذ نقلت وسائل الإعلام العالمية قصص النساء اللواتي قدمن من خارج المنطقة لمساندة القضية الكردية، ما أضفى بعداً إنسانياً إضافياً على النضال.
فجوة الماضي وتحول الحاضر
في مقارنة بين حقبتي ما قبل الثورة وما بعدها، تنتقد أفين سنوات حكم النظام السوري السابق، حيث كان الاتحاد النسائي قائماً نظرياً لكنه بعيد عن تمثيل النساء أو تحليل قضاياهن، وتصفه بأنه أداة شكلية لا تؤدي دوراً حقيقياً، ما ترك النساء فريسة للعنف والزواج القسري والتمييز.
وبينت أنه مع قيام الإدارة الذاتية، حدث تحوّل عميق، فقد تأسست مؤسسات خاصة بالنساء، وصدر قانون للأسرة يهدف إلى حماية حقوقهن. ومع ذلك، تقول أفين إن العديد من المشكلات ما تزال قائمة، ومنها تعدد الزوجات وزواج القاصرات وقتل النساء، مؤكدة أن معالجتها تتطلب عملاً متواصلاً وإعلاماً يقف إلى جانب الضحايا.
التنظيم الإعلامي النسوي ومسارات التغيير
توضح أفين أن عام 2014 شهد انطلاق خط النشر النسائي داخل المؤسسات الإعلامية، وكان الهدف منه جعل الصحافة أكثر قدرة على البحث عن حلول لقضايا النساء. كما ركزت البرامج الإعلامية النسوية على التوعية المجتمعية وتثقيف الرجال بحقوق المرأة، مما أسهم تدريجياً في تغيير وجهات النظر داخل المجتمع.
وترى أن التحول التدريجي الذي شهده الوعي الجمعي تجاه المرأة يعكس نجاح الإعلام النسوي في أداء دوره، وحتى وإن كانت المسيرة غير مكتملة، فإنها حققت تقدماً ملحوظاً في بناء مجتمع أكثر إنصافاً.
ملفات الشهداء ومسؤولية إيصال صوتهم
تتوقف أفين عند ملف الصحفيات والصحفيين الذين فقدوا حياتهم في تغطية الحرب، ومن بينهم جيهان بلكين وناظم داشتان وعكيد روج، وتشير إلى أن ثلاثين صحفياً استشهدوا في شمال وشرق سوريا جراء الهجمات التركية أو قتال داعش، بينهم سبع صحفيات. وتضيف أن ملفاتهم أُرسلت إلى المؤسسات الدولية، لكن الظروف السياسية ما تزال تحول دون فتح القضايا أو محاسبة الجهات المسؤولة.
وترى أن وفاء المجتمع لذكرى الشهداء يتجسد كلما استشهد صحفي وظهر آخر يحمل كاميرته ليواصل الطريق، وتعتبر أن هذه الروح هي ما يحافظ على استمرار الثورة إعلامياً ويمنح الصحفيين دافعاً لمواصلة العمل رغم المخاطر.
برز الإعلام النسوي في كردستان ضمن سياق تاريخي طويل من الصراع على الهوية والوجود، حيث عانت المرأة الكردية من التهميش الثقافي والسياسي لعقود، ومع انطلاق ثورة روج آفا عام 2012، شهد المشهد الإعلامي تحولاً جذرياً عبر تأسيس اتحاد الإعلام الحر واتحاد إعلام المرأة اللذين عملا على تنظيم الجهود الإعلامية وإتاحة مساحة واسعة للصحفيات، وقد لعبت هذه المؤسسات دوراً رئيسياً في تغطية الحرب ضد داعش والهجمات التركية، وفي نقل التجربة الديمقراطية في شمال وشرق سوريا إلى العالم، ومع أن المنطقة ما تزال تواجه تحديات سياسية وأمنية كبيرة، فإن الإعلام النسوي بات اليوم قوة مؤثرة في تشكيل الوعي، وحماية ذاكرة المجتمع، والدفاع عن حقوق المرأة، وتقديم خطاب إعلامي جديد يضع الإنسان في مركز الاهتمام.











