تعطيل البرلمان.. أزمة سياسية تنعكس على حقوق النساء والأطفال في كردستان
تعطيل البرلمان.. أزمة سياسية تنعكس على حقوق النساء والأطفال في كردستان
تختلف المدد القانونية لانعقاد البرلمانات من دولة إلى أخرى، غير أن معظم الأنظمة البرلمانية تفرض سقفاً زمنياً لا يتجاوز 6 أشهر بين الجلسات، بما يضمن استمرار العمل التشريعي والرقابي، وفي إقليم كردستان، تجاوز هذا السقف بكثير، ليتحول الغياب البرلماني إلى أزمة سياسية وقانونية ذات آثار مباشرة في حياة المواطنين خاصة النساء والأطفال ومؤسسات الحكم.
في 20 نوفمبر جرت انتخابات الدورة السادسة لبرلمان إقليم كردستان، في استحقاق انتظره المواطنون باعتباره مدخلا لإعادة تنشيط الحياة السياسية، وبعد شهر و14 يوما، عقدت الجلسة الأولى للدورة الخريفية من السنة الأولى للبرلمان المنتخب حديثاً في 2 يناير، وسط آمال بأن تشكل هذه الجلسة انطلاقة فعلية لعمل تشريعي طال انتظاره وفق وكالة أنباء المرأة.
بعد أداء اليمين الدستورية، فتح رئيس الجلسة باب الترشح لمناصب رئيس البرلمان ونائبه وأمينه، استناداً إلى المادة 14 من النظام الداخلي، تقدمت كتل الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني وحركة الجيل الجديد بمرشحيها، إلا أن غياب النصاب القانوني حال دون المضي في إجراءات الانتخاب، ما دفع رئيس الجلسة إلى تعليقها مؤقتاً.
تعليق يتحول إلى شلل
لم ينجح استئناف الجلسة في حل المشكلة، إذ تقرر تأجيلها مرة أخرى إلى موعد غير محدد بسبب استمرار غياب النِّصاب، ومنذ ذلك اليوم، مر 423 يوماً دون عقد أي جلسة رسمية للبرلمان في كردستان، في سابقة تعكس عمق الخلافات السياسية وتداعياتها على المؤسسة التشريعية.
الصحفية شنو هیراني ترى أن الانتخابات في أي نظام ديمقراطي تمثل لحظة مفصلية، يمنح فيها المواطنون أصواتهم لممثليهم على أمل الدفاع عن حقوقهم وتحقيق تطلعاتهم، وفي إقليم كردستان، تجرى الانتخابات كل 4 سنوات، لكن ما إن تنتهي حتى تطفو على السطح صراعات سياسية بين الأحزاب والنواب، تعوق تلبية احتياجات المواطنين وتفرغ العملية الديمقراطية من مضمونها.
توضح هیراني أن البرلمان يفترض أن يكون ساحة للعمل المشترك، وتشريع القوانين، ومراقبة أداء السلطة التنفيذية، وضمان تنفيذ مطالب الناس عبر الأطر القانونية، إلا أن الواقع في الإقليم يشير إلى أن قطاعات واسعة من المجتمع تدار بعقلية التابع، ما يؤدي إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويضعف منظومة الحكم، ويدفع العملية السياسية نحو التراجع.
تأثيرات وصراعات داخلية
وتشير إلى أن التدخلات الخارجية تلعب دوراً بارزاً في زعزعة الاستقرار السياسي، حيث تواجه القوى السياسية في إقليم كردستان والعراق تحديات كبيرة في تشكيل الحكومات بعد كل انتخابات، غالباً ما يمر أكثر من عام دون استكمال تشكيل البرلمان أو الحكومة بسبب الخلافات الداخلية وتأثيرات دول إقليمية ودولية، ما يؤدي إلى إقصاء البرلمان عن المشهد السياسي وفقدانه لدوره القانوني والشرعي.
تلفت هیراني إلى أن نتائج الانتخابات غالبا ما تكرس هيمنة القوتين السياسيتين الرئيسيتين في الإقليم، في حين تظل قوى المعارضة ذات مساحة محدودة للتأثير داخل البرلمان، هذا الواقع ينعكس على سلوك الناخبين الذين يوجهون وفق اعتبارات حزبية ضيقة، ما ينتج لاحقاً صراعات بين الحزبين الحاكمين عند ممارسة السلطة ويؤدي إلى تعطيل عملية اتخاذ القرار.
غياب البرلمان لا يبقى محصوراً في الإطار السياسي، بل يمتد إلى المجتمع بأكمله، تؤكد هیراني أن تعطيل المؤسسة التشريعية يخلق اضطرابات اجتماعية واضحة، وتضرب مثالاً بقانون الأحوال الشخصية في العراق، حيث أدى غياب برلمان فاعل في إقليم كردستان وعدم العمل على تعديل القانون إلى وضع حياة النساء والأطفال تحت تهديد حقيقي.
تطور الحياة وتغير الظروف الاجتماعية والاقتصادية يتطلبان تحديثاً مستمراً للتشريعات، غير أن غياب البرلمان في الإقليم عطل هذه العملية، وتعد قوانين الأحوال الشخصية نموذجاً بارزاً لآثار هذا الغياب، إذ أسهم الجمود التشريعي في خلق حالة من التراجع المجتمعي، رغم الحاجة الملحة إلى دعم قانوني وإعادة تنظيم عبر المؤسسة التشريعية.
جهود مدنية تصطدم بالفراغ
رغم تحركات الناشطات والفاعلين في المجتمع المدني للدفاع عن حقوق النساء والأطفال، بقي غياب البرلمان عائقاً رئيسياً أمام إقرار التعديلات القانونية الضرورية، وهذا الفراغ جعل المطالب الحقوقية تدور في حلقة مفرغة، بلا جهة تشريعية قادرة على تحويلها إلى قوانين نافذة.
في ختام رؤيتها، تشير شنو هیراني إلى أن المواطنين يمنحون أصواتهم أملا في بناء نظام سياسي أفضل، لكن غياب البرلمان وتعطل التشريع يدفعانهم إلى فقدان الثقة بالانتخابات وبالسلطة معاً، وتؤكد أن استمرار هذا الوضع يهدد مستقبل المشاركة السياسية ويعمق الفجوة بين الشارع والمؤسسات.
تشدد هیراني على ضرورة أن يمارس المواطنون ومنظمات المجتمع المدني ضغطاً حقيقياً ومنظماً لإعادة تفعيل البرلمان، باعتباره الضمانة الدستورية لحقوق الناخبين، فاستعادة الدور التشريعي ليست مطلباً سياسياً فحسب، بل شرط أساسي لإعادة بناء الثقة، وتنظيم الحياة العامة، وضمان أن يكون صوت المواطنين حاضراً داخل المؤسسة التي انتخبوها.
يشكل برلمان إقليم كردستان إحدى الركائز الأساسية للنظام السياسي في الإقليم، إذ يفترض أن يتولى سن القوانين ومراقبة الحكومة وتمثيل إرادة الناخبين، ومنذ تأسيسه، مر البرلمان بمراحل من التعطيل والتجاذبات السياسية، غالباً ما ارتبطت بالخلافات بين الأحزاب الرئيسية وتأخر تشكيل الحكومات، ومع كل دورة انتخابية، تتجدد الآمال بإصلاح المسار الديمقراطي، غير أن استمرار تعطيل الجلسات وغياب النِّصاب القانوني يعمقان أزمة الشرعية، ويحولان البرلمان من مؤسسة فاعلة إلى عنوان للأزمة السياسية، بما ينعكس مباشرة على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والقانونية لمواطني إقليم كردستان.











