47 حالة خلال 2025.. تصعيد غير مسبوق لعقوبة الإعدام في الولايات المتحدة
رغم الجدل الحقوقي المتصاعد
عادت عقوبة الإعدام بقوة إلى المشهد الأمريكي، مسجلة أعلى عدد من عمليات التنفيذ منذ 16 عاما، فقد شهد عام 2025 تنفيذ 47 عملية إعدام بحق رجال في ولايات تطبق العقوبة، في قفزة حادة تكاد تضاعف أرقام عام 2024، وأعاد هذا التصعيد فتح نقاش واسع حول الحق في الحياة، وحدود السلطة، ودور السياسة في توجيه العدالة الجنائية.
وفق ما نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، اليوم الأربعاء، فإن هذه الموجة تمثل أكبر زيادة في عمليات الإعدام داخل الولايات المتحدة منذ عام 2009، وتأتي في سياق سياسي وقضائي متغير أعاد تفعيل القتل القضائي على المستويين الفيدرالي والولائي، وتشير الصحيفة إلى أن ما يجري لا يمكن فصله عن توجهات سياسية واضحة دعمت إعادة استخدام العقوبة باعتبارها أداة ردع، رغم الجدل الحقوقي المتصاعد حول مشروعيتها.
تضع هذه الأرقام الولايات المتحدة في مسار منفصل عن معظم الدول المتقدمة، التي ألغت عقوبة الإعدام أو جمدت تطبيقها، ففي السنوات الأخيرة، لم تنفذ الإعدامات سوى دول قليلة مثل اليابان وسنغافورة وتايوان، ويعكس هذا التباعد عزلة متزايدة للولايات المتحدة عن المعايير الحقوقية الدولية، خاصة مع تصاعد الانتقادات الموجهة للعقوبة باعتبارها انتهاكا لا رجعة فيه للحق في الحياة.
تناقض مع اتجاهات الرأي العام
يأتي هذا التصعيد في وقت يكشف فيه الرأي العام الأمريكي عن تراجع واضح في دعم عقوبة الإعدام، فقد أظهر استطلاع غالوب، الذي يتتبع مواقف الأمريكيين منذ عام 1937، أن 52 بالمئة فقط يؤيدون تطبيق العقوبة على المدانين بالقتل في عام 2025، وهي أدنى نسبة منذ 50 عاما.
كما تشير البيانات إلى أن غالبية الأمريكيين دون سن 55 عاما يعارضون هذه الممارسة، ما يبرز فجوة متزايدة بين السياسات الرسمية ومواقف المجتمع.
أكد مركز معلومات عقوبة الإعدام، الجهة التي تصدر أحد أكثر التقارير السنوية شمولا في هذا المجال، أن ما يحدث يعكس اتساع الهوة بين ما يقرره المسؤولون المنتخبون وما يريده الجمهور.
واعتبر المركز أن عقوبة الإعدام باتت أقل قبولا شعبيا، في وقت يواصل فيه صناع القرار تحديد مواعيد التنفيذ سعيا لتحقيق مكاسب سياسية محدودة، على حساب مبادئ العدالة وحقوق الإنسان.
دور الرئيس في إعادة الإحياء
برز دور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل واضح في هذا التحول، ففي أول يوم له في البيت الأبيض في 20 يناير 2025، أصدر أمرا تنفيذيا أعاد العمل بعقوبة الإعدام على المستوى الفيدرالي، بعد أن كان سلفه قد خفف أحكام غالبية المحكومين بالإعدام قبيل نهاية عام 2024، هذا القرار بعث برسالة سياسية قوية إلى الولايات مفادها أن زمن التراجع قد انتهى وأن العقوبة عادت لتكون خيارا معتمدا.
ترى ناشطة حقوقية بارزة معروفة بنضالها الطويل ضد عقوبة الإعدام أن هذا التوجه الرئاسي أسهم في خلق مناخ عام يبرر استخدام القسوة كحل للمشكلات الاجتماعية، وتؤكد أن الخطاب السياسي الذي يربط العدالة بالعقاب الأقصى يغذي ثقافة العنف ويقوض الجهود الرامية إلى إصلاح النظام الجنائي بطرق إنسانية.
وتجسدت نتائج هذا التوجه بوضوح في ولاية فلوريدا، فبعد أن نفذت الولاية عملية إعدام واحدة فقط في عام 2024، قفز العدد في 2025 إلى 19 عملية، محطما الرقم القياسي السابق للولاية، وهذا التصعيد جعل فلوريدا تتجاوز حتى ولاية تكساس، التي لطالما تصدرت قائمة الولايات الأكثر تنفيذا لعقوبة الإعدام.
إلى جانب فلوريدا، كانت ولايات ألاباما وكارولاينا الجنوبية وتكساس مسؤولة عما يقرب من ثلاثة أرباع عمليات الإعدام المنفذة خلال العام، كما ارتفع عدد الولايات التي استخدمت غرف الإعدام إلى 12 ولاية مقارنة بتسع ولايات في عام 2024، في مؤشر على عودة واسعة لتطبيق العقوبة بعد سنوات من التراجع.
وسائل إعدام أكثر قسوة
لم يقتصر التصعيد على الأعداد، بل شمل أيضا أساليب التنفيذ، فقد أصبحت لويزيانا ثاني ولاية تستخدم غاز النيتروجين بعد ألاباما، وهي طريقة أثارت جدلا حقوقيا واسعا بسبب ما تسببه من معاناة مطولة، وأفاد شهود بأن أحد المحكومين أظهر ارتجافا واضحا لعدة دقائق أثناء التنفيذ، ما أعاد طرح تساؤلات حول مفهوم العقوبة القاسية وغير المألوفة.
في مسار آخر، نفذت ولاية كارولاينا الجنوبية أول عملية إعدام رميا بالرصاص منذ عام 2010، مستخدمة هذه الطريقة في ثلاث من خمس عمليات نفذتها خلال 2025، وكشفت تقارير صحفية لاحقا أن إحدى هذه العمليات شابها خطأ في التصويب، ما تسبب بمعاناة إضافية للمحكوم قبل وفاته، وهو ما اعتبره حقوقيون دليلا صارخا على مخاطر هذه الوسائل.
إلى جانب السلطة التنفيذية، لعبت المحكمة العليا الأمريكية دورا محوريا في تسهيل هذا التصعيد، فقد رفضت الأغلبية المحافظة في المحكمة جميع طلبات وقف تنفيذ الإعدام خلال العام، في تحول لافت عن دورها السابق كملاذ أخير للمحكومين الذين يسعون لتأجيل التنفيذ لأسباب دستورية أو تتعلق بالبراءة.
غياب شبكة الأمان القضائية
يحذر خبراء قانونيون من أن النظام الحالي لعقوبة الإعدام بات يفتقر إلى شبكة أمان حقيقية، فالمحاكم الفيدرالية، التي يفترض أن تشكل صمام حماية ضد الأخطاء القضائية والعقوبات غير الدستورية، لم تعد تؤدي هذا الدور بالفعالية المطلوبة، ما يفتح الباب أمام تنفيذ أحكام لا رجعة فيها وسط شكوك قانونية وأخلاقية.
تعود جذور الجدل حول عقوبة الإعدام في الولايات المتحدة إلى عقود طويلة، حيث شهدت البلاد موجات متعاقبة من التوسع والتراجع في تطبيقها، وخلال العقدين الماضيين، اتجهت غالبية الولايات إلى تقليص استخدامها أو تعليقها، مدفوعة بتزايد الوعي بالأخطاء القضائية، وعدم المساواة العرقية، وغياب الردع المثبت علميا، غير أن عام 2025 شكّل نقطة انعطاف أعادت العقوبة إلى الواجهة، في مسار يثير مخاوف عميقة لدى المدافعين عن حقوق الإنسان، ويضع الولايات المتحدة أمام اختبار أخلاقي جديد بشأن التزامها بالحق في الحياة ومعايير العدالة الحديثة.











