"رحلة النزوح".. تذكرة بلا عودة تحرم مليون عراقي من ديارهم

"رحلة النزوح".. تذكرة بلا عودة تحرم مليون عراقي من ديارهم
نازحون عراقيون

بعد سنوات قضاها عماد العيساوي (اسم مستعار)، خارج مدينة الموصل العراقية هاربا من بطش تنظيم داعش الإرهابي، عاد إلى مدينته أخيرا ليجد منزله قد تحول إلى "ثكنة عسكرية"، كان يتخذها التنظيم مقراً لمؤسساته الإعلامية.

يقول العيساوي لـ"جسور بوست"، إن "المنزل تعرض للضرر البالغ بسبب العمليات العسكرية، فضلا عن عثوره وإخوته على أسلحة وصواريخ غير منفلقة كان عناصر التنظيم يخبئونها داخل المنزل الواقع في الساحل الأيسر من المدينة".

معوقات وصعوبات عديدة واجهت آلاف النازحين من الموصل وغيرها من المدن التي شهدت نزوحاً منذ عام 2014 وحتى يومنا هذا، تمنعهم من المضي بـ"رحلة العودة"، ولعل أبرز تلك الصعوبات هي صعوبة إعادة إعمار المنازل المتضررة التي يتم تعمير أغلبها بالجهود الذاتية، إضافة إلى ملفات أخرى لا تقل تعقيداً من بينها "ثارات العشائر".

يقول ريان الشمري، وهو أحد سكان "مخيم الخازر" للنازحين والواقع على مسافة (30 كلم شرق مدينة الموصل)، إن "الكثير من النازحين يفضلون البقاء في المخيم، حيث المساعدات الإغاثية التي تغنيهم عن مشاق العودة إلى مناطقهم مرة أخرى، في حين يخشى البعض العودة، خوفا من الملاحقة العشائرية بسبب خلافات بينهم وبين ما يعرف باسم (عائلات داعش)"، حيث يجد نازحون أنفسهم ممنوعين من العودة إلى مناطقهم خوفا من تعرضهم للقتل أو الأذى من قبل عوائل أشخاص كانوا ينتمون لداعش، أو متعاونين مع التنظيم.

أكثر من مليون عراقي ينتظرون الفرج

ويعيش نحو 103 آلاف نازح في 477 موقعاً غير رسمي، وهي مواقع خارج المخيمات الرسمية التي لم يتم دمجها في المجتمعات المحيطة، لذا فهي مقطوعة عن الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه صالحة للشرب، وانعدام فرص العمل.

وخلال النزاع مع تنظيم داعش، نزحَ أكثر من 6 ملايين عراقي من ديارهم، وبعد مرور ما يقرب من 4 سنوات على انتهاء النزاع رسمياً، عادت مئات الآلاف من الأسر إلى ديارها، ومع ذلك، لا يزال ما يقدر بنحو 1.2 مليون شخص في حالة نزوح، بحسب تقديرات المنظمة الدولية للهجرة في العراق (IOM).

وأشار تقرير للمنظمة حصلت عليه "جسور بوست"، إلى أن "محافظة صلاح الدين العراقية كانت في صدارة المحافظات التي عاد إليها النازحون وبالأخص مدينة تكريت مركز المحافظة، تلتها محافظة الأنبار، وتحديدا مدن (القائم، والفلوجة، والرمادي)، أما محافظة نينوى فكانت أقل المحافظات تشجيعا على عودة النازحين، حيث لا يزال ملف النزوح غير محسوم في مناطق أبرزها الموصل، وتلعفر، وسنجار ذات الغالبية الإيزيدية". 

وبحسب التقرير الأممي، فإن "أغلب العراقيين الذين لا يزالون نازحين، يسكنون في مخيمات ومنازل بديلة تقع في مدن داخل العراق"، مبينا أن "قضاء الفلوجة في الأنبار يضم أكبر عدد من النازحين الذين لا يسكنون داخل مخيم، فضلا عن مناطق أخرى في محافظة دهوك".

إغلاق قسري للمخيمات

وقال المستشار القانوني لدى المنظمة الدولية للهجرة في العراق (IOM) محمد جمعة في تصريح لـ"جسور بوست"، إن "خدمات كثيرة يتم تقديمها للنازحين، أبرزها الخدمات القانونية المجانية، والتوكل لحسم قضاياهم"، مبينا أن "النازحين يعانون من عدم القدرة على الحصول على الأوراق الثبوتية أو التعويضات المالية، فضلا عن صعوبة تسجيل أطفال النازحين في المخيمات".

وأشار جمعة إلى أن "النازحين الذين لا يستطيعون العودة إلى مناطقهم الآن هم الأكثر عرضة للخطر، فضلا عن الموجودين في المخيمات والعشوائيات"، موضحا أن "هناك مشاكل عشائرية تحول دون عودة النازحين".

وأوضح، أن "هناك نازحين لديهم صلة قرابة عشائرية مع أشخاص ينتمون لداعش، وهناك خطوط حمراء أمام عودتهم لمناطقهم"، مبينا أن "مناطق في صلاح الدين وديالى تمنع عودة عشائر معينة إليها لهذا السبب".

وبين، أن "هناك قرارات سياسية تمنع عودة النازحين إلى بعض المناطق، وأبرزها منطقة (جرف الصخر) في بابل، ومناطق أخرى في الأنبار وديالى"، منوها بأن "حل ملفات هؤلاء النازحين مرهون بإزالة هذه الموانع السياسية، والعراق يعاني من إغلاق مخيمات قسراً، وهناك عوائل اضطرت مجبرة إلى ترك المخيمات والسكن بعشوائيات".

عراقيل في ملف التعويضات

من جانبه، أكد قائممقام الموصل أمين الفنش، أن أبرز معوقات عودة النازحين إلى مناطق سكناهم، هو التوافق السياسي والأمني، الخارج عن إرادة الحكومة المحلية في محافظة نينوى.

ولفت الفنش خلال حديثه لـ"جسور بوست" إلى أن "أبرز المناطق التي تشهد اضطراباً أمنيا وعدم وجود توافق لعودة النازحين هي قضاء سنجار وبعض قرى زمار وربيعة وخازر"، منوها بوجود مناطق أخرى خارج ما يسمى خط الصد غرب البعاج وجنوب غرب الحضر بسبب تحركات داعش وخلو تلك المناطق من التواجد الأمني.

وأشار قائممقام الموصل، إلى أن "ملف التعويضات يعتبر ضخماً حيث تم المصادقة على أكثر من 72 ألف معاملة خلال الفترة الأخيرة"، كاشفا عن "تخصيص 168 مليار دينار توزع على المتضررين من العمليات الإرهابية، لضمان الاستقرار وإعمار المنازل".

وفي الأنبار، قال مازن أبو ريشة مستشار المحافظ، إن "ملف النزوح أغلق في المحافظة، رغم وجود 250 عائلة نازحة في مخيم العامرية"، واصفا تلك المخيمات بـ"العشوائية".

وكشف أبو ريشة لـ"جسور بوست"، عن "وجود مخيم آخر، في منطقة بزيبز، الذي يضم 4 آلاف عائلة تقطن بمخيمات مأساوية منذ أكثر من 7 سنوات"، مؤكدا أن "إعادة هؤلاء النازحين إلى مناطق سكناهم يحتاج إلى تخصيص مالي كبير".

وأكد مستشار محافظ الأنبار، أن "ملف التعويضات سيبدأ عند إغلاق آخر مخيم للنزوح"، منوها بأن “أكثر العائلات النازحة لا تملك أموالا لإعمار منازلها المهدمة جراء العمليات الإرهابية”.

37 ألف نازح بـ32 مخيماً

وعقب إعلان الحكومة أواخر 2017، هزيمة داعش، عاد الكثير من النازحين إلى ديارهم، لكن لا يزال الكثير غير قادرين على العودة لمناطقهم الأصلية نتيجة تدمير منازلهم خلال الحرب، فضلاً عن عدم توفر البنى التحتية الأساسية للخدمات، وعدم استقرار الوضع الأمني.

وفي ديسمبر الماضي٫ أعلنت وزارة الهجرة والمهجرين، إغلاق جميع مخيمات النازحين في المحافظات العراقية باستثناء المتواجدة منها في إقليم كردستان.

وفي آخر إحصائية لها أشارت الوزارة إلى "وجود 37 ألف عائلة نازحة تقطن 32 مخيما (16 في محافظة دهوك، و10 في محافظة أربيل، و4 في محافظة السليمانية، ومخيمان في مدينة الموصل)".

ولفت وكيل وزارة الهجرة والمهجرين كريم النوري، في حديثه لـ"جسور بوست" إلى، أن "أغلب العائلات النازحة في المخيمات هي من قضاء سنجار"، موضحا أن "أعداد النازحين خارج المخيمات أكبر بكثير مما في داخلها".

وأضاف النوري، أن "بعض المشاكل والمعوقات تمنع النازحين من العودة إلى منازلهم، منها لوجستية وأخرى عشائرية، فضلا عن القضايا الأمنية والسياسية".

وتسببت الحرب على تنظيم داعش بنزوح ملايين العراقيين عن ديارهم، وتؤكد الحكومة العراقية، أن أعداد المخيمات عام 2017 بلغ 120 مخيما نزح إليها ما يربو على 5 ملايين شخص، مشيرة إلى أن كثيرا منهم نزح إلى المخيمات الموزعة على محافظات بغداد ونينوى وصلاح الدين والأنبار وكركوك وديالى وبابل وإقليم كردستان.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية