تصاعد العنف في الضفة الغربية يرهق كاهل الأطباء الفلسطينيين
تصاعد العنف في الضفة الغربية يرهق كاهل الأطباء الفلسطينيين
في أحد مستشفيات نابلس في الضفة الغربية، يجلس فلسطيني مراهق بدت عليه علامات الوجع نتيجة إصابته بنيران الجيش الإسرائيلي، على كرسي نقال للتوجه إلى غرفة العمليات حيث يبدو الأطباء عاجزين عن استيعاب تدفق المصابين بالرصاص في الأشهر الأخيرة.
أصيب الفتى البالغ من العمر 16 عاما والذي لم يكشف عن هويته، برصاصة تحت الركبة في اشتباكات ليلية في أحد أيام شهر أغسطس بين القوات الإسرائيلية وفلسطينيين من مخيم بلاطة للاجئين الذي يقع على أطراف المدينة.
وأدخل إلى مستشفى رفيديا كما يحصل عادة مع الجرحى الذين يصابون بشكل شبه يومي في المواجهات المتكررة في شمال الضفة الغربية.
ويقول رئيس قسم الجراحة في رفيديا فؤاد نافعة، "هناك ضغط كبير على المستشفى نتيجة كثرة الإصابات واختلافها".
وشهدت الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة تصعيدا في العنف بعد سلسلة اعتداءات في إسرائيل اعتبارا من مارس، دفعت القوات الإسرائيلية إلى تكثيف عملياتها الهادفة، وفق الجيش الإسرائيلي، إلى توقيف مشتبه بهم في منطقة ينشطون فيها مثل نابلس وأقصى شمال الضفة في مدينة جنين، وغالبا ما تتطوّر هذه العمليات إلى مواجهات دامية.
في التاسع من أغسطس، قام مسعفون من جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بتضميد جراح 69 مصابا بطلقات نارية في نابلس بعد عملية إسرائيلية، وقتل 4 أشخاص في العملية، أحدهم إبراهيم النابلسي الذي كان يعرف باسم "أسد نابلس".
في رفيديا، يشير نافعة إلى إن الفريق الطبي استقبل مؤخرا حالات "صعبة للغاية".
طوارئ ليلاً ونهاراً
ويوضح نافعة أن خطورة الإصابات تتأتى "من نوع الأسلحة المستخدمة والذخيرة المستخدمة، وأماكن الإصابة في الجسم مثل الرأس والرقبة والبطن والصدر".
في جنين، يقول مدير مستشفى ابن سينا جاني أبوجوخة إن عدد الإصابات "يتزايد بشكل كبير".
ويضيف "ليس من السهل التعامل مع عدد كبير من الضحايا في وقت واحد"، مضيفا "لكننا نتعامل معها... الطاقم من الخبراء".
ويشير أبوجوخة إلى يوم حرج شهده المستشفى عندما وصل نحو 15 مصابا في غضون 15 دقيقة، واحدا تلو الآخر.
وتدعم منظمة الصحة العالمية منذ إبريل تدريب الأطباء الذين يتعاملون مع حوادث الإصابات الجماعية في الضفة الغربية.
ويقول ممثل منظمة الصحة العالمية في الأراضي الفلسطينية ريك بيبركورن، إن حالات الطوارئ المفاجئة تشكل "ضغطا هائلا على النظام الصحي الهش أصلا".
ومنذ بداية العام الماضي، أصيب 1380 فلسطينيًا في أنحاء الضفة الغربية بإطلاق النار، بحسب أرقام الأمم المتحدة وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني.
وكان أكثر من 40% منهم في محافظتي نابلس وجنين.
في مايو، قُتلت الصحافية الفلسطينية الأمريكية شيرين أبوعاقلة، مراسلة قناة الجزيرة، شمال جنين أثناء تغطيتها عملية إسرائيلية.
وتعاني المستشفيات في الضفة الغربية منذ عام 1967، من نقص في الطواقم الطبية في جميع الأقسام على أثر النقص المزمن في التمويل، وفق ما يقول مسؤول في وزارة الصحة الفلسطينية.
وتوضح رئيسة وحدة التعاون الدولي في الوزارة ماريا الأقرع أن تصاعد اندلاع أعمال العنف دفع الأطباء إلى تأخير العمليات الروتينية.
وتقول "نحن نعيش في حالة طوارئ ليلا ونهارا.. العاملون يبذلون قصارى جهدهم وبعضهم يعمل 3 نوبات".
مستعدون دائماً
ولا يتوقف الخطر بمجرد إسكات البنادق، خصوصا مع احتمال أن تسوء حالات بعض الجرحى.
ويقول أخصائي العظام بمستشفى رفيديا جمال أبوالكباش، إن البعض يواجه خطر الإصابة بالشلل بعد إصابته بعيار ناري في الشريان أو العصب.
ويضيف "نواجه مشكلة كبيرة مع هذه الإصابات"، مرجعا سببها إلى "نوع من الطلقات المستخدمة.. الطلقات المتفجرة".
ويوضح "نحاول مساعدة المريض، ولكن قد ينتهي الأمر بالشلل، أو بتر الأطراف، أو الإعاقة أو بعدد من الكسور على اختلاف أنواعها".
ويقول الجيش الإسرائيلي إنه يستخدم الذخيرة الحية "بعد أن تنفذ الخيارات الأخرى".
ومع دخول قوات الأمن البلدة القديمة في مدينة نابلس في التاسع من أغسطس، أطلقت صاروخا محمولا على الكتف استهدف منزلا بداخله النابلسي، وقال الجيش إن "أعمال شغب عنيفة" بدأت في المنطقة.
وأوضح في بيان أن “عشرات من مثيري الشغب.. ألقوا حجارة ومتفجرات على القوات التي ردت بوسائل تفريق الشغب والذخيرة الحية”، ولم يصب جنود في المواجهة.
ومع استمرار العمليات الإسرائيلية في الضفة الغربية التي تنتهي في كثير من الأحيان باعتقال ناشطين مشتبه بهم وسقوط ضحايا فلسطينيين، يستعد الأطباء للتعامل مع حالات الإصابات القادمة.
في رفيديا، تفصل بين الأسرّة ستائر بنفسجية اللون في غرفة الطوارئ وإلى جانبها أعمدة المحاليل، في انتظار حالات طارئة محتملة.
ويقول نافعة "نحن مستعدون دائما.. في أي وقت وفي أي لحظة".
استمرار الصراع
ولا يزال الصراع قائماً بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بعد جولات طويلة من المفاوضات التي باءت بالفشل ولم تصل إلى حل بناء الدولتين، والذي أقر عقب انتهاء الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967، حيث تم رسم خط أخضر يضم الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية كحدود لدولة فلسطين.
وسيطرت إسرائيل على الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية في عام 1967، وضمت القدس الشرقية لاحقاً في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي، والتي يعيش فيها أكثر من 200 ألف مستوطن إسرائيلي، فضلاً عن 300 ألف فلسطيني.