طائر الفينق الروسي وحرب النجوم!
طائر الفينق الروسي وحرب النجوم!
باسم ثروت
منذ أن خلق الله الإنسان وهو يصارع على الهيمنة والسيطرة، فعلى مرّ التاريخ ومنذ أن ترك الإنسان الكهوف وعرف التحضر، كان صراع القوى حاضراً أينما حل البشر، فنجد دولاً تظهر وأخرى تندثر، ودولاً تقوم على بعضها، في مشهد يبدو أبدياً لن يتغير إلى قيام الساعة.
وقد عرف القرن الماضي واحداً من أهم صراعات التاريخ الحديث، ذلك الذي كان مثل البركان تحت سطح ساكن، حيث تصارع القطبان المنتصران في الحرب العالمية الثانية فيما يعرف بالحرب الباردة، التي لم تكن حرباً بالمعنى المألوف للحرب، أي الصدام العسكري المتعارف عليه، وإنما كانت حرب نفوذ وتسليح واستعراض للقوة الاقتصادية، فضلاً عن الصدام الأيديولوجي بين الليبرالية والشيوعية.
لكن لم يصمد الاتحاد السوفيتي كثيرا أمام هذا الصراع وانهار في أوائل التسعينيات (1991)، تاركاً الولايات المتحدة منفردة بمغاوير ومقادير العالم، لتعلن أن القرن الواحد والعشرين هو قرن أمريكي خالص.
طائر الفينق يعود من الرماد مرة أخرى:
لكن لم يفنَ الاتحاد السوفيتي بشكل تام فقد نهضت روسيا الاتحادية الوريثة الشرعية من تحت الرماد كطائر “الفينق” الأسطوري الذي ينهض من رماده بعد موته، متمتعة بالإرث الكبير الذي تركه لها الاتحاد، وخصوصاً الترسانة العسكرية الكبيرة والأبحاث والمشاريع الخاصة بها.
معلنة رجوعها إلى الساحة الدولية وبقوة. لم تتأخر روسيا عن ركب قطار الحداثة، فأطلقت الأقمار الاصطناعية وحدثت قدراتها وترسانتها العسكرية بما يتواكب مع العصر الحديث، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث صنعت الصواريخ الفرط صوتية والصواريخ المضادة للأقمار الاصطناعية.
ونتيجة لذلك التطور الكبير جداً في قدراتها العسكرية قامت روسيا بتجربة أحد صواريخها المضاد للأقمار الصناعية في يوم 15 نوفمبر 2021، استهدفت به أحد أقمارها الاصطناعية الذي يطلق عليه “كوزموس 1408″، تارك 1500 قطعة كبيرة من الحطام وآلاف القطع الصغيرة.
بطبيعة الحال لن يمر هذا الحدث مرور الكرام بالنسبة للولايات المتحدة، الذي عبر قائد قواتها الفضائية ” جين جايمس ديكنسون” في بيان نشرته قيادة قوات الفضاء واصفاً التصرف الروسي بأنه تصرف غير مسؤول يعرض رواد الفضاء في محطة الفضاء الدولية للخطر، فضلاً على ذلك، فإن الحطام الذي خلفه استهداف القمر الصناعي سيمثل خطراً على كل الأعمال ورحلات الفضاء في الأعوام القادمة وربما لعقود.
وأشار ديكنسنون إلى أن روسيا تعمل على تطوير ونشر قدرات لمنع الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها من الوصول إلى الفضاء واستخدامه.
تُظهر اختبارات روسيا لأسلحة الصعود المباشر المضادة للأقمار الصناعية بوضوح أن روسيا تواصل السعي وراء أنظمة أسلحة فضائية مضادة تقوض الاستقرار الاستراتيجي وتشكل تهديدًا لجميع الدول.
لماذا الآن؟! دلالات التوقيت والإشارة:
يأتي هذا الحدث في وقت تصاعدت فيه التوترات بين الولايات المتحدة وروسيا، فقد عبر مسؤولون أمريكيون عن قلقهم بشأن زيادة القوات الروسية بالقرب من حدودها مع أوكرانيا، علاوة على انضمامهم للدول الأوروبية في الإعراب عن القلق بشأن أزمة المهاجرين على الحدود مع بيلاروسيا والتي وصفها المسؤولون الأوروبيون بأنها أزمة من صنع الإنسان خلقتها بيلاروسيا المدعومة من روسيا كعمل من أعمال الحرب المختلطة ضد أوروبا.
يذكر أن تطوير أسلحة مماثلة يجري في الولايات المتحدة ودول أخرى. ففي عام 1985 تمكنت الولايات المتحدة بواسطة الصاروخ ASM-135 ASAT المضاد للأقمار الصناعية الذي أطلق من الطائرة المقاتلة F-15 على ارتفاع 555 كيلومترا، من إسقاط القمر الصناعي الأمريكي Solwind وفي عام 2008 دمر الصاروخ الأمريكي المضاد للصواريخ SM-3 القمر الصناعي العسكري USA-193 على ارتفاع 247 كيلومترًا.
لعل أكثر الأسلحة الأمريكية الفضائية المثيرة للفضول هي طائرة التجسس بدون طيار”إكس-37 بي” (X-37B)، التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، حيث تقوم بمهام سرية منتظمة ذات أهداف مجهولة، ولكن على مر السنين ظهرت معلومات حول المركبة التي تُعرف أيضًا باسم مركبة الاختبار المدارية، تم بناء “إكس-37 بي” القابلة لإعادة الاستخدام، والتي تمثل نسخة مصغرة من أحد مكوكات الفضاء التابعة لوكالة ناسا التي خرجت من الخدمة عام 1999، يبلغ طولها حوالي 8.8 متر، وارتفاعها 2.9 متر، ويبلغ طول جناحيها أقل بقليل من 4.6 متر، وتزن 4990 كلغ عندما تكون على منصة الإطلاق.
ومثل مكوك الفضاء، تقلع “إكس-37 بي” عموديا، وتُدفع بواسطة صاروخ، وبمجرد وصولها إلى المدار يمكنها المناورة بمفردها، وفي النهاية تهبط على مدرج عائدة مرة أخرى إلى الأرض مثل الطائرة التقليدية. وتحتوي المركبة على منطقة حمولة صغيرة، تقريبا بحجم صندوق شاحنة نقل، مما يمكنها من حمل المعدات والأقمار الاصطناعية، وتعمل على ارتفاع يتراوح بين 240 و805 كيلومترات فوق الأرض، وفقا لما ذكرته الشركة “بوينغ” (Boeing) المصنعة لها.
الغرض الحقيقي من “إكس-37 بي” لا يزال غامضا، لكن بعض الاحتمالات تشير إلى أنها تتضمن مراقبة سطح الأرض من على ارتفاع، ونشر أقمار التجسس الاصطناعية، على الرغم من عدم تأكيد أي شيء على الإطلاق.
خلال جلسة في منتدى “آسبن للأمن” (Aspen Security Forum) عام 2019، كشفت سكرتيرة القوات الجوية السابقة “هيثر ويلسون” (Heather Wilson) أن الطائرة “إكس-37 بي” قد تكون قادرة على الطيران على ارتفاع منخفض بما يكفي لاستخدام الغلاف الجوي للأرض لتغيير مدارها.
وقالت ويلسون إن مناورات المركبة مصممة خصيصا لإثارة خصوم مثل روسيا والصين لأنهم غير قادرين على التنبؤ بما قد تفعله بالضبط.
إجمالا، يمكننا تلخيص الدوافع الروسية وراء هذه التجربة المفاجأة وتطوير أسلحة الفضاء في الجملة التي تعلو هذه الفقرة “إن مناورات المركبة مصممة خصيصا لإثارة خصوم مثل روسيا والصين لأنهم غير قادرين على التنبؤ بما قد تفعله بالضبط”، تحاول روسيا توصيل رسالة إلى الولايات المتحدة والصين والناتو، أنها حاضرة وبقوة ولديها من القوة ما يمكنها من صد أي هجمات عليها أو على أحد حلفائها وأي هجمات قد تهدد مصالحها في الفضاء، بل ذهب إلى أكثر من الصد بتلك التجربة التي تشير إلى قدرتها على الهجوم كذلك في حال اضطرت ذلك”.
لكن تبقى التساؤلات مفتوحة، هل سنرى يوماً حروب النجوم التي كثيراً ما شاهدناها في الأفلام الهوليوودية؟ هل سنشهد صراعاً كونياً وفناءً بشرياً عما قريب؟ تبقي الأسئلة مفتوحة والأذهان متحيرة.