محمد بن زايد.. وساطة عربية في الأزمة الأوكرانية
محمد بن زايد.. وساطة عربية في الأزمة الأوكرانية
حديث الرئيس بوتين، يوم أمس، خلال اجتماعات كازاخستان حول الدور الذي يقوم به الشيخ محمد بن زايد في الوساطة مع أوكرانيا، مهم، وإشارته إلى أن هذه الوساطة لن تكون بدون نتائج، تؤكد أهمية هذه الوساطة وإمكانية أن تحرك شيئًا في الصراع المتصاعد.
تأتي هذه التصريحات بعد يومين من زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى روسيا، في توقيت وظرف مهمين وخطيرين، التقى فيه بالرئيس بوتين في مدينة سانت بطرسبيرغ، الجانب الأساسي في هذه الزيارة وهذا اللقاء وتلك الاجتماعات هو تخفيف حدة التوتر في تلك المنطقة والبحث عن سبل الحوار بين روسيا وأوكرانيا، فما وصلت إليه الأمور في الحرب الروسية الأوكرانية أصبح مقلقًا لجميع دول العالم، وليس لأوروبا والغرب فقط، فحتى دول الخليج ودول الشرق الأوسط تتأثر بتلك الأوضاع.
الصراع الذي يدور في أوكرانيا ليس بين بلدين، فمن الواضح أنه صراع بين روسيا والغرب، والبعض يعتبره صراعًا بين الشرق والغرب، والبعض الآخر يذهب إلى أبعد من ذلك، ويعتبر أنها المعركة الأخيرة في تشكيل مراكز القوة في العالم الجديد وتعديل ميزان القوى والخروج من حالة أحادية القطبية التي يعيشها العالم منذ ثلاثة عقود إلى عالم متعدد الأقطاب، عالم جديد تكون فيه كل دول شريكة في تحديد مستقبل العالم ومستقبل البشرية.
وبغض النظر عن أي من تلك النظريات أو غيرها من النظريات هي الصحيحة أم لا، فإن الوضع في الميدان وعلى الأرض في أوكرانيا لم يعد يحتمل مزيدًا من الانتظار، فالتصعيد الأخير من الطرفين يحتم على حكماء العالم ورموز السلام أن يتحركوا.
زيارة الشيخ محمد بن زايد لروسيا -والتي كانت مجدولة سابقًا- لم يتم تأجيلها أو إلغاؤها بسبب الأحداث والمواجهات الأخيرة، بل على العكس، حرص الشيخ محمد بن زايد رغم الظروف الأمنية ورغم التفسيرات والتأويلات السياسية لدلالات الزيارة على أن يزور روسيا ويلتقي بالرئيس بوتين ويستغل هذه الزيارة للقيام بمحاولة جادة لتهدئة الأمور.
الرهان على نجاح الشيخ محمد بن زايد في هذه المهمة يأتي مما يمتلكه من شخصية كاريزمية قوية ومحترمة، ولما يعرف عنه من مصداقية وجدية في حل الخلافات، فضلاً عن علاقاته المتميزة مع الرئيس بوتين وكذلك علاقاته الجيدة مع أوكرانيا، فالإمارات منذ بداية الأزمة تتخذ موقف الحياد الإيجابي مع الطرفين بل ومع جميع الأطراف بما فيها الدول الأوروبية والولايات المتحدة.
وفي الوقت نفسه تعمل على المساهمة في تخفيف تأثيرات الحرب على الجميع، بما في ذلك توفير الطاقة، وتقديم الدعم الإنساني المطلوب، لذا كان واضحًا الترحيب العالمي بهذه الزيارة وترقب نتائجها، فثقة العالم في حكمة الشيخ محمد كبيرة، وخبرة سموه في حل الخلافات وتقريب وجهات النظر يعرفها كل من يعرف سموه، فعندما تكون الرغبة حقيقية والتحرك صادقًا والهدف هو إنهاء الخلاف دون خسارة أي طرف وبمنطق لا غالب ولا مغلوب تكون النتائج إيجابية.
عندما يتحرك الشيخ محمد بن زايد للوساطة فبلا شك أن الترحيب بهذه الوساطة يكون كبيرًا، فالإمارات ليست طرفًا في هذا الصراع، ولا مصلحة للإمارات في استمرارها، بل على العكس فإن مصلحتها ومصلحة العالم في إنهائها، وما يجعلنا نتفاءل بإحراز تقدم في هذه الوساطة هو ما يتميز به الشيخ محمد بن زايد من نَفَس طويل وطول بال في العمل من أجل المصالحة، فسموه لا يكل ولا يمل ولا ييأس عندما يعمل على إنهاء أي خلاف، وهذا ما يريح الأطراف في التفاوض.
الإمارات تتحرك من منطلق مسؤوليتها الدولية ومبادئها الأخلاقية التي تحتم عليها العمل من أجل السلام والسعي لاستتباب الأمن والاستقرار في أي مكان في هذا العالم، وهذه ليست المرة الأولى، فالعالم يتذكر دور الشيخ محمد بن زايد الحاسم في إنهاء سنوات القطيعة الكاملة بين الجارتين إثيوبيا وإريتريا، والذي انعكس إيجابًا على منطقة القرن الإفريقي.
كما ساهمت حكمة الشيخ محمد بن زايد وعلاقاته المتميزة في تخفيف حدة التوتر بين باكستان والهند، بعد هجوم بولواما في كشمير الهندية، فضلا عن عمله على تأكيد معنى السلام من خلال توقيع الإمارات وإسرائيل اتفاقية سلام عام 2020، التي اعتبرها الكثيرون خطوة تاريخية شجاعة وفرصة حقيقية لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة.