التضخم يضرب اقتصادات العالم
التضخم يضرب اقتصادات العالم
سجلت أغلب دول العالم ارتفاعاً في معدلات التضخم، ما ينذر بموجة كساد كبيرة يتوقع أن تضرب اقتصادات العالم أجمع، وترتفع المخاوف من خروج التضخم عن السيطرة، خاصة بعد أن سجلت أسعار الطاقة والغاز ارتفاعات هائلة مع زيادة الطلب على السلع، في الوقت الذي لا تزال اقتصادات العالم تعاني من تداعيات تفشي فيروس “كورونا”.
ويأتي ذلك في ظل ارتفاع أسعار المحروقات في معظم دول العالم بشكل كبير، مع وجود انتعاش قوي للنفط الخام بعد عام صعب من القيود الوبائية وانخفاض الطلب، وفي حين ترتفع مستويات الإنتاج ببطء، بحسب تقرير لموقع “أويل برايس”.
وأظهرت مختلف الصناعات تعرضها للضرر بدرجات مختلفة مع استمرار ارتفاع أسعار الوقود، حيث تواجه الشركات حول العالم صعوبة في ضبط التكاليف، ما قد يضطرها إلى نقل العبء إلى المستهلك النهائي.
وبالنظر إلى سعر البنزين خلال الأعوام الماضية، يتبين أن المتوسط العالمي تضاعف من 0.60 دولار للتر في عام 2001 إلى 1.20 دولار للتر الآن. وهذا العام على وجه الخصوص، كانت الزيادة في الطلب مع انفتاح الاقتصادات مجدداً بعد أكثر من عام من القيود -إضافة إلى نقص الإمدادات في معظم أنحاء العالم- تعني أن الأسعار تقترب من أعلى مستوياتها على الإطلاق.
أسباب أخرى
ويشهد العالم بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الوقود، ارتفاعاً في تكاليف الطعام والشراب، حيث وصل متوسط أسعار المواد الغذائية إلى أعلى مستوى خلال عقد من الزمان، وكان أكثر بمقدار الثلث في سبتمبر الماضي.
وليست تكاليف الوقود الحافز الوحيد لارتفاع أسعار المواد الغذائية، حيث تأثرت المحاصيل بسبب الطقس الحار وقيود “كوفيد”، وزيادة الطلب العالمي مع شتاء عام 2020 شديد البرودة وصيف عام 2021 الحار، بالإضافة إلى اضطرابات سلسلة التوريد، وفي حال واصلت تكاليف النقل والزراعة في الارتفاع، فمن المرجح أن تستمر فاتورة الغذاء في الارتفاع على المستهلك.
ليس الغذاء فقط
ولا تعد سلسلة التوريد الغذائي الشيء الوحيد الذي يجب أن يقلق الناس بشأنه، عندما يتعلق الأمر بالتأثير غير المباشر لارتفاع أسعار النفط، وذلك بسبب أن أي صناعة تعتمد على النفط في صورة وقود أو أسمدة أو بتروكيماويات أو أي منتجات أخرى ذات الصلة، ستشعر بالضغط في الأشهر المقبلة، إذا لم تكن كذلك بالفعل، وهذا يعني أن كُلفة العديد من المنتجات الاستهلاكية والنفقات الأساسية قد ترتفع قريباً.
الأكثر تضرراً
سيكون الأكثر تضرراً من جراء هذه التغيُّرات، أولئك الذين يعيشون في الاقتصادات النامية التي لا تزال تكافح من أجل التعافي من تأثير وباء “كورونا”.
مع الانتعاش الاقتصادي غير المتكافئ، بسبب تأخر طرح اللقاحات واستمرار القيود الوبائية في العديد من البلدان منخفضة الدخل، يمكن أن يجبر ارتفاع أسعار الوقود والتأثير غير المباشر على الصناعات الأخرى -خاصة الغذاء- الحكومات على توفير محفزات اقتصادية لأفقر فئات السكان، فضلاً عن فرض سقف لأسعار الوقود.
أمريكا
أعلنت وزارة التجارة الأمريكية، في آخر تصريحات لها حول هذا الشأن، عن وصول معدل التضخم السنوي إلى أعلى مستوى في أكثر من 30 عاماً خلال شهر سبتمبر الماضي، رغم انخفاض الدخل الشخصي.
وزادت ضغوط الأسعار الرئيسية كما يتم قياسها من خلال مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، بما في ذلك الغذاء والطاقة بنسبة 0.3% للشهر، ما دفع المعدل السنوي إلى 4.4%، وهي أسرع وتيرة منذ يناير 1991، وجاءت قفزة التضخم المستمرة مع انخفاض الدخل الشخصي بنسبة 1% في سبتمبر.
الصين
وفي الصين، حذّر اقتصاديون من علامات الركود التضخمي، حيث تستمر الأسعار في الارتفاع بينما تظهر أحدث بيانات التصنيع تباطؤ الإنتاج.
يأتي ذلك، فيما أظهر مسح رسمي صدر يوم الأحد أن نشاط المصانع في الصين انكمش أكثر من المتوقع في أكتوبر، للشهر الثاني على التوالي.
وبدوره، علّق كبير الاقتصاديين في Pinpoint Asset Management، تشانغ تشيوي، قائلاً: “إن مؤشر الإنتاج قد انخفض إلى أدنى مستوى منذ نشره في 2005، باستثناء الأزمة المالية العالمية لعام 2008 وتفشي كوفيد-19 في فبراير من العام الماضي”، مضيفاً: “هذه الإشارات تؤكد أن الاقتصاد الصيني يمر بالفعل بركود تضخمي”.
ومن جانبه قال كبير الاقتصاديين في ANZ، ريموند يونغ: “يمكننا أن نرى بوضوح… التضخم المصحوب بالركود الصناعي في الصين بسبب تعزيز مؤشر الإنتاج، وفي الوقت نفسه نشهد زيادة قوية في مؤشر الأسعار، لذلك من الواضح أن القطاع الصناعي في وضع صعب للغاية”.
كيف تأثر الخليج؟
على الرغم من توقعات مؤسسة “أوكسفورد إيكونوميكس” البريطانية للدراسات الاقتصادية، أن تبقى معدلاته في دول الخليج العربي تحت السيطرة خلال هذا العام، إلا أن تلك المعدلات جاءت أعلى من معدلات عامي 2019 و2020، بسبب الارتباك الذي خلفه وباء “كورونا”.
ففي الكويت مثلاً، كشف تقرير حديث لبنك” MUFG ” الياباني، عن أن معدل التضخم في الكويت ارتفع بشكل كبير ومتواصل على مدار أكثر من عامين ليسجل 3% على أساس سنوي وليصل إلى أكبر معدل تضخم بين الدول الخليجية، بعد أن كان أقلها في نهاية عام 2018.
وأرجع صندوق النقد الدولي ارتفاع معدل التضخم في الكويت خلال عام 2021 إلى الزيادات الكبيرة التي شهدتها أسعار المواد الغذائية بالتزامن مع ارتفاع تكاليف الخدمات المتصلة بالسفر، وتوقع أن يصل معدل التضخم بنهاية العام الحالي إلى 3.2%، على أن يحافظ على مستوى 3% في المدى المتوسط.
وحلت قطر في المرتبة الثانية بمعدل تضخم أقل بشكل طفيف عن 3% تلتها عمان والسعودية والإمارات ثم البحرين ولكن بفوارق شاسعة، حيث تراوحت معدلات التضخم هناك حول 1% أو أقل.
التضخم العالمي
اتفق خبراء الاقتصاد على أن موجة ارتفاع الأسعار التي يشهدها العالم في الوقت الحالي -ومن المتوقع استمرار تصاعدها الفترة المقبلة- لها عدة أسباب، على رأسها تداعيات جائحة كورونا، بالإضافة إلى أزمة الطاقة التي تعاني منها الصين، أكبر منتج للسلع في العالم، وكذلك التغيرات المناخية التي أثرت على المنتجات الزراعية ما تسبب في رفع الأسعار.
تعود أسباب التضخم العالمي الذي تشهده البلاد إلى نقص الإمدادات نتيجة توقف عجلة التشغيل والإنتاج على مدار 20 شهراً بسبب جائحة كورونا، ومع بداية التعافي حدث ارتفاع كبير للطلب وعمليات الشحن، فارتفعت أسعار الوقود والطاقة، وجرى تحميل التكاليف على الإنتاج
بالإضافة إلى أن دولة الصين التي تعتمد عليها العديد من دول العالم في المواد الخام أو السلع الأساسية والاستراتيجية، تواجه مشكلة نقص الغاز نتيجة تحولها من الطاقة النظيفة، ما يقلل السلع المتاحة في الأسواق وارتفاع أسعارها.
ويرجع الخبير الاقتصادي، الدكتور عبدالمنعم السيد، في تصريحات لـ”جسور بوست” أسباب التضخم العالمي إلى زيادة الطلب على السلع والمنتجات بعد إغلاق العديد من الدول ما أدى بدوره أدى إلى نقص كبير في مخزونات هذه الدول، وبالتالي بعد فتح البلاد مرة أخرى وتخفيف القيود ورجوع الحياة الطبيعية، تحتاج الدول إلى إعادة بناء تلك المخزونات للتوازن، وبالتالي زيادة الطلب يؤدي إلى زيادة الأسعار.
ويقول الخبير الاقتصادي إنه يضاف إلى ذلك الأزمة الحالية في أسعار الطاقة سواء في الغاز الطبيعي أو البترول الذي ارتفعت أسعاره العالمية من 32 دولاراً إلى 85 دولاراً للبرميل الواحد، كما سجلت أسعار الغاز في أكتوبر الماضي بأوروبا مستويات قياسية، متجاوزة مستويات 1300 دولار لألف متر مكعب.
تحذيرات من تخزين السلع
ولتخطي هذه الأزمة الاقتصادية الكبرى، يرى السيد أنه يجب على الدول والحكومات خاصة في الدول النامية والأقل نمواً، أن تتبع إجراءات احترازية لتسيطر على الأزمة وتقلل من آثارها السلبية على المواطنين، مشيراً إلى إجراءات توفير الأمن الغذائي ودعم وزيادة الإنتاج الزراعي بقدر المستطاع لتوفير الاكتفاء الذاتي، حيث يظل “المستورد” صاحب الفاتورة الأعلى.
كما يؤكد الخبير الاقتصادي على المواطنين ضرورة تجنب تخزين السلع الأساسية، حيث إن زيادة الطلب سيترتب عليها ارتفاع السعر.
ومن جانبه، يرى رئيس لجنة التجارة الداخلية بالشعبة العامة للمستوردين المصريين، متى بشاي، أن كل دول العالم تعاني من التضخم خاصة الدول التي تعتمد بشكل كبير على الاستيراد، وبالتالي ستزيد أسعار السلع المستوردة تامة الصنع وكذلك السلع التي تعتمد على خامات ومستلزمات إنتاج مستوردة.
الأكثر تأثراً
وأكد بشاي، في تصريحات لـ”جسور بوست” أن أسعار الخامات وحدها شهدت زيادة بنحو 40% نتيجة للطلب الكبير عالمياً، بعد أكثر من عام من التوقف نتيجة الإجراءات الاحترازية التي تبناها العالم بسبب وباء “كورونا” بالإضافة إلى أزمة الطاقة وتوقف العمل بالمصانع الصينية التي تعد “مصنع العالم”.
وأشار بشاي، إلى الخلل في سلاسل التوريد والإمداد، موضحاً أن أسعار الشحن من الصين في تصاعد مستمر وصل الآن إلى نحو 800%، وكذلك ارتفع سعر الشحن من الدول الأوروبية بنسبة 200%، بالإضافة إلى أن شركات الشحن قلصت مدة السماح من 21 يوماً إلى 14 يوماً فقط، ما تسبب في زيادة الغرامات على المستوردين بنسب كبيرة خاصة أن اليوم الواحد يكلف من 50 إلى 80 دولاراً غرامة تأخير، وذلك وفقاً لكل ميناء وخط ملاحي.