أزمة معيشية.. كيف يحوّل زي المدرسة فقر الأسر البريطانية إلى مأزق يومي؟
أزمة معيشية.. كيف يحوّل زي المدرسة فقر الأسر البريطانية إلى مأزق يومي؟
كشف المسح الأخير لمؤسسة Parentkind عن واقع مريع يواجه آلاف الأسر في بريطانيا قبيل بدء العام الدراسي حيث باتت تكاليف الزي المدرسي تثقل الموازنات المنزلية لدرجة دفع بعض الأهالي إلى التضحية بالحصص الغذائية أو التدفئة، واللجوء إلى بطاقات الائتمان وخدمات الدفع المؤجل لتغطية ما تصل إليه الفواتير، وتتقاطع هذه الضغوط مع قرار حكومي لتقليص متطلبات الزيّ الممهور والتعديلات التشريعية المرتقبة، في محاولة للتهدئة.
وأظهر استبيان Parentkind الذي شارك فيه ألفان من أولياء الأمور في بريطانيا أن 29 في المئة اضطروا للاستغناء عن الطعام أو التدفئة لتمويل زي أطفالهم، بينما أقر 45 في المئة بأنهم سيتجهون لاستخدام بطاقات الائتمان، و34 في المئة سيعتمدون خدمات الدفع المؤجل.
وأعرب نحو 47 في المئة عن قلقهم من أن تكلفة الزي قد تصل إلى 400 جنيه إسترليني، وهذه الأرقام لا تعبّر فقط عن إنفاق إضافي، بل عن اختلال في أولويات الأسرة القسرية وارتفاع مخاطر الوقوع في فخ الديون قصيرة الأجل، وفق "الغارديان".
تؤكد نتائج المسح أن عنصراً مركزياً تسبب في تفاقم التكلفة هو إلزام بعض المدارس بشراء قطع ممهورة بشعار المدرسة، وهو ما يرفع سعر القطعة مقارنةً بالبدائل غير الممهورة، وأكثر من ثمانين في المئة من الأهالي يرون أن الشعار لا يغير سلوك التلاميذ، فيما يفضّل نحو سبعين في المئة شراء زي عادي ثم إضافة الشعار لاحقاً إن اقتضت الحاجة.
إجراءات حكومية
رداً على الضغوط، دعت وزيرة التعليم المدارس إلى تقليص عدد القطع الممهورة فوراً، قبل دخول قانون "رفاه الطفل والمدارس" حيّز التنفيذ في سبتمبر 2026، الذي يهدف إلى تقييد القطع المطلوبة إلى ثلاثة عناصر أساسية، مع إمكانية إضافة ربطة عنق للمرحلة الثانوية.
تقدّر الحكومة البريطانية أن التعديلات ستوفر عشرات الملايين سنوياً للأسر، وتعرض تدابير مصاحبة مثل تشجيع شراء القطع من متاجر منخفضة التكلفة وتوسيع برامج التبرع وإعادة التدوير، لكن التحدي يكمن في تنفيذ تلك التوجيهات على أرض الواقع وفي مدى استجابة المجالس والمدارس المحلية بحسب منصة (Schools Week).
قادة المدارس ورؤساء الجمعيات التعليمية حذّروا من أن تنفيذ قرارات تقليص القطع المشتراة قد يواجه عوائق لوجستية وسوقية، بينما دعت منظمات خيرية ومدافعون عن الفقراء إلى خطوات أسرع وأكثر شمولاً لمعالجة معضلة التكلفة المتراكمة التي لا تقف عند الزي بل تشمل كتباً، ووسائل نقل، ووجبات مدرسية، وأنشطة مدفوعة فيما ربطت تحذيرات أخرى بين ارتفاع معدلات فقر الأطفال وغياب سياسات دعم مباشرة للأسر منخفضة الدخل، ما قد يؤدي إلى زيادة غياب التلاميذ وتأثيرات سلبية على التحصيل وفق (Education Business).
الآثار الاقتصادية والاجتماعية
لا يقتصر التأثير على مجرد نفقة موسم، فالطلبة الدوليون والاقتصاد المحلي يعانيان، لكن على صعيد الأسر المحلية، تشير تقديرات إلى أن بعض الأسر الفقيرة قد تنفق ما يصل إلى ربع دخلها السنوي على تكاليف مرتبطة بالمدرسة، بحسب “الغارديان”.
بجانب أن تكليف الأسر بالديون عبر بطاقات ائتمان وخدمات دفع على أقساط يرفع نسبة الضغط النفسي ويضع الأطفال في دائرة استبعاد اجتماعي، حيث ينعكس غياب أدوات أو ملابس مناسبة في التمييز داخل المدرسة وسلوك الرفض الاجتماعي، كما أن التأجيلات والديون قد تزيد من الاعتماد على الدعم المجتمعي وبرامج التبرع التي لا تغطي دائماً الاحتياجات النوعية.
المجتمع المدني في بريطانيا والجهات المهنية اقترحوا حزمة إجراءات عاجلة تشمل إلزام المدارس بوضع قوائم موحدة للقطع الأساسية غير الممهورة، وتفعيل آليات تبادل الملابس وإعادة تدويرها على مستوى السلطات المحلية، وتوفير منح خاصة بالزي للعائلات الأشد هشاشة، وتنظيم شراكات مع سلاسل البيع بالتجزئة لضمان بدائل رخيصة وجودة مقبولة، على المستوى التشريعي، يؤكد الخبراء أن القانون وحده لا يكفي إن لم ترافقه رقابة تنفيذية ومخصصات مالية لدعم المدارس في الانتقال.
بين الحرية المدرسية وواجب الحماية
المعركة ليست تقنية بحتة، حيث تتقاطع مع مبادئ استقلالية المدارس في اختيار سياسات اللباس وواجب الدولة في حماية حقوق الطفل الأساسية، والنص التشريعي المرتقب يسعى إلى توفيق هذه القيم عبر حدود واضحة تقلص الممارسات التي تُثقل كاهل الفقراء، لكنه سيحتاج إلى إطار رقابي لضمان التزام جميع المدارس، بما في ذلك المدارس المستقلة والدينية، وعدم تحويل البنود القانونية إلى ثغرات جديدة تنشر التكاليف بطرق أخرى.
تكشف أزمة تكاليف الزي المدرسي في إنجلترا عن وجه آخر لأزمة تكلفة المعيشة التي تضرب الأسر منذ سنوات والتي تشمل ارتفاع أسعار الطاقة، والتضخم، وتراجع القدرة الشرائية، وبينما يعد الزي المدرسي تقليداً تربوياً فإن تطبيقه اليوم يحمل أثقالاً مادية وسياسية لا يمكن تجاهلها، والتشريع المرتقب يمنح نافذة أمل، لكنه يتطلب آليات تنفيذ صارمة ومورداً زمنياً واضحاً حتى لا تظل الأُسر ضحية لبطء التنفيذ، بحسب "الغارديان".