"خفض الانبعاثات".. حجر عثرة أمام تطلعات الشعوب في قمم المناخ
على هامش مخرجات قمة المناخ "cop 27"
بعبارة "فشل في وضع خطة لخفض الانبعاثات بشكل جذري"، كان تقييم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بشأن مخرجات القمة الأممية للمناخ "cop 27" والتي انعقدت في مدينة شرم الشيخ المصرية.
واستضافت شرم الشيخ، قمة المناخ "cop 27" خلال الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر الجاري، قبل أن يتم تمديدها إلى 19 نوفمبر، بمشاركة وحضور 120 من قادة وزعماء العالم ورؤساء الحكومات وعدد من الشخصيات الدولية والخبراء.
واختتمت قمة المناخ أعمالها دون الوصول إلى اتفاق حاسم بشأن خفض الانبعاثات الكربونية الضارة، غير أن المفاوضات أسفرت عن إنشاء صندوق لتعويض "الخسائر والأضرار" التي تتكبدها الدول النامية جراء التغير المناخي.
والأحد، قال غوتيريش، في تصريح أوردته وكالة فرانس برس: "كوكبنا لا يزال في قسم الطوارئ، نحتاج إلى خفض جذري للانبعاثات الآن، وهذه مسألة لم يعالجها مؤتمر المناخ هذا".
وشهدت المناقشات والمفاوضات حول خفض الانبعاثات جدلا واسعا حال دون الوصول إلى اتفاق على كبح ارتفاع درجة الحرارة العالمية عند 1.5 درجة مئوية.
وفق العلماء، ارتفعت درجة حرارة الأرض بمقدار 1.1 درجة مئوية على مستويات ما قبل الصناعة، ما ينذر بوضع كارثي بدت إرهاصاته في توالي موجات الجفاف والفيضانات والحرائق المدمرة والتي ألحقت ضررا كبيرا بالمحاصيل والبنى التحتية.
ووفق التقديرات الأممية، تعد الدول النامية والفقيرة، لا سيما في القارة الإفريقية، هي الأقل إسهاماً في الانبعاثات الضارة والأكثر تضررا من التداعيات السلبية لظاهرة التغير المناخي.
ويحتاج العالم إلى 300 تريليون دولار لتمويل التكيف مع التغيرات المناخية حتى عام 2030، لكن الدول الصناعية الكبرى والمسؤولة بشكل أساسي عن الاحترار الكوني لا تفي بالتزاماتها تجاه الدول النامية.
و"قمة المناخ" تنعقد بشكل سنوي، حيث تحضرها 197 دولة لمناقشة العوامل التي أدت إلى تغير المناخ، وكيفية مواجهة الأزمة وسبل التصدي لتداعياتها السلبية.
وأعلنت الأمم المتحدة عن اتفاقية تخص مشكلة تغير المناخ، والتي تعتبر معاهدة دولية تم توقيعها من دول العالم للحد من الأنشطة البشرية التي تؤثر على المناخ، وتم الإعلان عنها لأول مرة في 21 مارس 1994.
نقلة نوعية
بدوره، قال الخبير الدولي في مجال البيئة والتنمية المستدامة الدكتور عماد الدين عدلي، إن دول العالم كانت تترقب نجاح مفاوضات قمة المناخ "cop 27" في خفض الانبعاثات الضارة، لكنها لم تحقق ذلك لعدة أسباب.
وأوضح عدلي في تصريح لـ"جسور بوست"، أن تحايل الدول الصناعية الكبرى على تمويل الدول النامية لتحقيق هدف خفض الانبعاثات، من شأنه تعطيل جهود الوصول إلى اتفاق بشأن وقف ارتفاع درجة الاحترار العالمي عند عتبة 1.5 درجة مئوية.
وأضاف: "يجب على الدول الصناعية الكبرى أن تمول نظيرتها النامية في مجالات أنظمة الطاقة المتجددة والتكنولوجيا الحديثة وبناء القدرات، كجزء من تحمل مسؤولياتها عن ارتفاع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون".
وتابع: "هناك 20 دولة بالعالم تتسبب في نحو 80 بالمئة من الانبعاثات الضارة وآثار التغير المناخي، ويجب أن تتحمل مسؤوليتها في انتقال الدول النامية إلى الطاقة النظيفة".
ومضى عدلي، قائلا: "الدول الصناعية الغنية تمتلك القدرة على التمويل، لكن ليس لديها إرادة على تقوية اقتصاديات الدول النامية وتعزيز برامجها في التنمية المستدامة والطاقة النظيفة".
وقال إن "تخفيض الانبعاثات والوصول إلى هدف الـ1.5 درجة من شأنه تحقيق العدالة المناخية والحفاظ على الكوكب من الدمار، ولا بد من بناء قدرات الدول النامية لتنفيذ هذه الأهداف".
وبشأن تقييم قرار إنشاء صندوق لتعويض الخسائر والأضرار، اعتبره الخبير الدولي "نقلة فارقة" في مسار قمة المناخ "cop 27" والتي لقبها البعض بـ"قمة تنفيذ الوعود".
وأوضح عماد الدين عدلي أن إنشاء الصندوق يعد نقلة نوعية كبيرة في قضية تغير المناخ، لا سيما أنه كان مطلبا دوليا منذ سنوات والقمم السابقة فشلت في وضعه على جدول الأعمال، لكن القمة الحالية نجحت في مناقشته وتمريره وهذا يحسب نجاحا لها.
وبمزيد من الواقعية، قال عدلي: "إنشاء الصندوق لا يعني أن الأموال ستتحول بانتظام إلى الدول النامية من اليوم الأول، لكنه سيظل نقطة أولى على سبيل التحرك الإيجابي في هذا المجال".
وأضاف مستشهدا بكارثة الفيضانات في باكستان والتي قدرت خسائرها بنحو 30 مليار دولار، قائلا: "لن يمكن للصندوق المستحدث أن يعالج جميع الأضرار والخسائر العالمية من التغير المناخي".
وعاب على الدول الصناعية الكبرى عدم الوفاء بتعهداتها في تقديم 100 مليار دولار منذ عام 2009 لمساعدة الدول النامية على إجراءات التكيف مع آثار التغير المناخي.
واختتم عدلي حديثه، قائلا إن "التعهد الأمريكي بتقديم 500 مليون دولار لمصر بهدف تقليل نسبة الانبعاثات نحو 10 بالمئة، سيخصص لشراء التكنولوجيا النظيفة والتي سيتم الاستعانة بها من الولايات المتحدة، وبالتالي فإن الأمر لا يتجاوز كونه تدويرا للأموال".
وعقد مؤتمر المناخ بحضور رؤساء وزعماء العديد من دول العالم وتمثيل أكثر من 190 دولة بالعالم، ومشاركة ممثلي منظمات المجتمع المدني الدولية المعنية بظاهرة تغير المناخ.
وناقشت قمة المناخ لعام 2022 عدة قضايا مصيرية بارزة، أهمها العدالة المناخية، وتنفيذ الالتزامات المناخية، والأمن الغذائي، والتمويل التكيف مع التغيرات المناخية، وتحديات التنمية.
وتتطلع دول العالم إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لإنقاذ الكوكب من آثار تغير المناخ، أبرزها تخفيض انبعاثات الاحتباس الحراري، والتكيف مع عواقب الظواهر المناخية المتطرفة، والوفاء بالتزامات تمويل العمل المناخيّ من الدول المتقدمة للبلدان النامية.