اليمن 2022.. عام الخوف والجوع ونقص الأدوية والأنفس والحريات
اليمن 2022.. عام الخوف والجوع ونقص الأدوية والأنفس والحريات
بعد 8 سنوات مدمرة من الحرب الأهلية، يواجه اليمن أزمة اقتصادية عميقة، في حين تهدد التحديات المالية والنقدية المتزايدة قدرة الحكومة على تقديم الخدمات العامة الحيوية.
ومع تصاعد وتعدد أشكال الصراع اليمني المنقسم على نفسه، ترتفع نسبة الفقر والجوع وتزيد الانتهاكات، ليفقد الشعب اليمني كامل حقوقه الإنسانية من مأكل ومشرب وغذاء وحريات.
بعد 8 سنوات من الحرب وفي عام 2022، لم يتغير شيء، ما زال العالم يدير ظهره لأسوأ أزمة إنسانية لقي بسببها ما لا يقل عن 400 ألف شخص مصرعهم في الصراع اليمني، ونزح ملايين اليمنيين.
كما تصنف الأمم المتحدة الحرب وعواقبها على أنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إنها حرب دموية بالوكالة.
"جسور بوست"، ترصد من منظور حقوقي كيف كان حال اليمن في 2022 في ملفات مختلفة:
الاقتصاد اليمني في 2022
خلافا للأعوام السابقة، كان 2022 أفضل للاقتصاد اليمني وإن كانت أفضلية ضئيلة ومهددة.
التحسن أعلن عنه رئيس الحكومة اليمنية معين عبدالملك، بنمو اقتصاد بلاده بنسبة 2 بالمئة خلال عام 2022.
جاء ذلك في تصريحات لعبدالملك خلال ندوة افتراضية استعرض فيها "مسار الإصلاحات التي تنفذها الحكومة اليمنية وما حققته من نتائج إيجابية"، وفق وكالة الأنباء اليمنية الرسمية.
وأفاد عبدالملك، بأن "الاقتصاد اليمني حقق لأول مرة هذا العام نسبة نمو إيجابي بأكثر من 2%"
وأضاف: "نتوقع أن يحقق اقتصاد اليمن خلال العام القادم نموا بنسبة 3%".
لكن ما الذي يهدد استمرار هذه النسبة الضئيلة من التحسن؟
هناك عوامل كثيرة ذكرها المحللون منها، العنف المستشري وانعدام الأمن، تغذي الصدمات المحلية والخارجية متعددة الانكماش، بما في ذلك السيول واسعة النطاق، والظواهر المناخية، والتداعيات الاقتصادية المستمرة لجائحة فيروس كورونا، والحرب في أوكرانيا، التي دفعت أسعار الغذاء العالمية إلى مستويات قياسية.
ولا تزال أسعار المواد الغذائية التي قفزت بشدة تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد اليمني، وخاصة على أزمة الغذاء المتفاقمة.
فاليمن مستورد صافٍ للمواد الغذائية، كما أن ارتفاع الأسعار أثر سلبا على الميزانية، والتضخم، والاحتياطيات الدولية التي تقدر حاليا بما لا يزيد على شهر من الواردات.
ومما يزيد الأمر سوءا أن هذه الديناميكيات تسببت في تفاقم أزمة الغذاء الحادة.
علاوة على ذلك، تسببت الحرب في أوكرانيا في زيادة أخرى في أسعار الواردات الحيوية.
ويمثل القمح ثاني أكبر الواردات اليمنية بعد الوقود، ويأتي ما يقرب من نصف واردات اليمن من القمح من روسيا وأوكرانيا.
وخلال العام الماضي فقط، ساهم انخفاض قيمة العملة في زيادة تتراوح بين 20 و30% في أسعار الغذاء المحلية، ويمكن للصدمات التي تتعرض لها سوق الحبوب العالمية أن ترهق ميزانيات مستوردي السلع الغذائية، ما يضعف الأمن الغذائي.

وفي حين تهدد زيادة تكاليف واردات الوقود بالمزيد من تباطؤ النشاط الاقتصادي، فإن ارتفاع أسعار سلع الطاقة العالمية من شأنه أن يعزز المركز المالي للحكومة المعترف بها دوليا.
فمن الممكن أن يجذب قطاع الأنشطة الاستخراجية في اليمن أيضا اهتماما من جديد من الشركات العالمية إذا دفعتها العقوبات المفروضة على صادرات النفط الروسية إلى تنويع مصادرها، ولكن من الناحية العملية سيستمر العنف وانعدام الأمن في الحد من مشاركة اليمن في أسواق الطاقة العالمية.
الصراع في اليمن 2022
معطيات جديدة أضيفت لطاولة الصراع اليمني غيرت من آفاقه في 2022، فمع بداية إبريل 2022، كانت هناك عدة تطورات مهمة.
أولاً، تلقى المركز المالي للحكومة المعترف بها دوليا دفعة قوية بعد الإعلان (من السعودية والإمارات) عن حزمة مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار.
ثانياً، أدى نقل السلطة من الرئيس السابق هادي إلى مجلس رئاسي مؤلف من 8 أعضاء إلى تعزيز مختلف الجماعات والقوى التي تعيش في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليا.
وجاءت هذه التطورات بعد بضعة أيام فقط من المحادثات اليمنية-اليمنية التي جرت في الرياض برعاية مجلس التعاون الخليجي، والتوصل إلى اتفاق هدنة لمدة شهرين أعلنت عنه الأمم المتحدة في الثاني من إبريل.
كما تم تشكيل هيئة مصالحة لمساعدة المجلس الرئاسي في التفاوض على مسار المصالحة مع سلطات الأمر الواقع.
وفي حين لم يتم الكشف بالكامل عن تفاصيل شروط الحزمة المالية وجدولها الزمني، فإن آثارها الاقتصادية ضخمة للغاية.
فقد ارتفع الريال اليمني في كل من عدن وصنعاء بعد وقت قصير من الإعلان عن تشكيل المجلس الرئاسي وعن الحزمة المالية في بداية إبريل 2022.
وعلى الرغم من استمرار التقلبات، من المتوقع أن يساعد هذا الاتجاه على خفض أسعار المستهلكين في الأسواق المحلية، ما قد ينشأ عنه تبعات إيجابية على أزمة الأمن الغذائي المستمرة والمروعة.
ورغم الارتفاع المتواضع المتوقع في معدل نمو إجمالي الناتج المحلي عام 2022، فإن الآفاق الاقتصادية لليمن تعتمد اعتمادا كبيرا على تطورات الصراع والظروف الأمنية ميدانيا.
فعلى الجانب السلبي، يمكن أن يؤدي تفجر الأعمال القتالية من وقت لآخر إلى جانب استمرار الارتفاع في أسعار الواردات إلى زيادة تقويض الأوضاع للقطاع الخاص.
وعلى الجانب الإيجابي، فإن الآمال المتجددة في السلام، والحزمة المالية الضخمة التي قدمتها السعودية والإمارات، وارتفاع التحويلات المالية، واحتمال زيادة صادرات النفط والغاز، من شأنها أن تسرع وتيرة النمو في الأمد المتوسط.

انتهاك الطفولة والنزاع المسلح
يعاني أطفال اليمن على كافة المستويات، أعلنت الأمم المتحدة في تقرير لها عام 2022، أن المعطيات تشير إلى مقتل أو تشويه أكثر من 10,200 طفل، وتم التحقق من تجنيد ما يقرب من 3,500 طفل واستخدامهم في اليمن منذ بداية النزاع.
واعتبر اليمن واحدا من البلدان التي لديها أكبر عدد من حوادث الحرمان من وصول المساعدات الإنسانية إلى السكان المحتاجين، بمن في ذلك الأطفال.
ودعت الممثلة الخاصة الحوثيين إلى تسهيل دخول الأطراف الإنسانية إلى المجتمعات المتضررة من النزاع.
وفي 2022، وقعت السلطات في صنعاء خطة عمل مع الأمم المتحدة لحماية الأطفال ومنع الانتهاكات الجسيمة ضدهم ضمن سياق النزاع المسلح في اليمن.
وتلزم خطة العمل السلطات في صنعاء وقواتها بالامتثال لحظر تجنيد واستخدام جميع الأطفال في النزاعات المسلحة، بما في ذلك أداء مهام الدعم والمساندة.

وتمنح خطة العمل السلطات مدة 6 أشهر لتحديد كافة الأطفال دون سن 18 عاما المنطوين في صفوفها، وتسهيل عملية تسريحهم وإعادة دمجهم في مجتمعاتهم.
كما تتضمن خطة العمل نصوصاً تتعلق بمنع والحد من قتل وتشويه الأطفال وحماية المرافق الصحية والتعليمية والعاملين فيها.
معاناة الأطفال من سوء التغذية الحاد
"كل يوم يذهب المزيد والمزيد من الأطفال إلى الفراش بمعدة خاوية".. كاثرين راسيل (اليونيسف)
مقولة تعكس عن قرب حال أطفال اليمن وما يعانونه جراء الجوع والخوف.
وأظهر تقرير لليونيسف منتصف 2022، ارتفاع مستوى سوء التغذية الحاد بين الأطفال دون سن الخامسة، إذ يعاني 2.2 مليون طفل في جميع أنحاء اليمن من سوء التغذية الحاد، بمن في ذلك ما يقرب من نصف مليون طفل يواجهون سوء التغذية الحاد الوخيم، وهي حالة تهدد الحياة.
بالإضافة إلى ذلك تعاني حوالي 1.3 مليون امرأة حامل أو أم مرضعة من سوء التغذية الحاد.
وقد ارتفع مستوى سوء التغذية الحاد بين الأطفال الصغار والأمهات في اليمن، ومن بين أسوأ المناطق محافظات حجة والحديدة وتعز، ويواجه الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم خطر الوفاة إذا لم يتلقوا التغذية العلاجية المطلوبة.

عام الجوع
لا يمكن وصف عام 2022 سوى بـ"الصعب"، حيث احتاج 17.4 مليون شخص في اليمن إلى مساعدات غذائية في عام 2022، وتتعامل نسبة متزايدة من السكان مع مستويات طارئة من الجوع، في الوقت الذي يعاني 2.2 مليون طفل في جميع أنحاء اليمن من سوء التغذية الحاد.
وتوقعت وكالات أممية ازدياد الوضع الإنساني في البلاد سوءا بين يونيو وديسمبر 2022، وأن يصل عدد الأشخاص الذين قد لا يتمكنون من تلبية الحد الأدنى من احتياجاتهم الغذائية إلى رقم قياسي يبلغ 19 مليون شخص في تلك الفترة.
وعقب الإصدار الجديد لتحليل التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) في اليمن، حذر صندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) من اشتداد أزمة الجوع في اليمن، ما يجعل البلاد تتأرجح على حافة كارثة حتمية.

وكان من المتوقع أن ينحدر 1.6 مليون شخص إضافي في البلاد إلى مستويات طارئة من الجوع، ما يرفع العدد الإجمالي إلى 7.3 مليون شخص مع نهاية 2022.
وتشير معطيات تثير القلق بشكل كبير إلى عدد الأشخاص الذين يعانون من مستويات كارثية من الجوع (المرحلة الخامسة، وهي ظروف المجاعة IPC5) إذ ارتفع العدد 5 أضعاف ما هو عليه: من 31,000 حاليا إلى 161,000 على مدار النصف الثاني من عام 2022.
وقال المدير العام للفاو، شو دونيو، إن المنظمة تعمل بشكل مباشر مع المزارعين لتعزيز اعتمادهم على الذات من خلال مزيج من الدعم في حالات الطوارئ ودعم سبل العيش على المدى الطويل، "لبناء الصمود، ودعم إنتاج الأغذية الزراعية المحلية، وتعويض اعتماد الناس على الواردات".
انتشار الأدوية المهربة والمزورة في اليمن!
عانى اليمن في كل شيء حتى في أبسط حقوقه وهو الحق في الدواء.
وشهد عام 2022 في اليمن نقصا حادا في الأدوية، وانتشارا واسعا للأدوية المهربة المخالفة لمعايير التصنيع وعديمة الفعالية، إلى جانب أدوية منتهية الصلاحية، ما يسبب أضرارا صحية ويفاقم حالة المرضى وحتى موت بعضهم.
وفي تصريحات له قال وزير الصحة العامة اليمني، طه المتوكل، إن عدد المستوردين للدواء المسجلين الذين توقف نشاطهم بسبب العدوان والحصار -83 مستوردا- كانوا يوفرون 1329 صنفا من الأدوية.
ولفت إلى أن عدد الشركات والمواقع التصنيعية الخارجية التي أغلقت سوقها في اليمن بسبب العدوان والحصار 16 شركة، كانت تنتج 559 صنفا من الأدوية.
وقال: أقفلنا صيدليات باعت واشترت في أدوية توزع من برنامج الإمداد ولدينا 4500 من مرضى الأورام سنويا بزيادة 50% على فترة ما قبل العدوان التي كانت تصل إلى 2200 مريض.
ولفت إلى أنه خلال فترة العدوان سجل المركز الوطني للأورام نحو 85 ألف مريض، معتبراً أن مكافحة العدوى لم تكن تطبق في اليمن، ولم تكن هناك سياسات أو مكافحة للعدوى لمنع حدوث مضاعفات للمرضى.
ويعاني حوالي 16.4 مليون شخص في اليمن من انعدام فرص الحصول على خدمات الرعاية الصحية.
ومنذ ما يقرب من 3 سنوات، تعاني المستشفيات والمرافق الصحية من نقص حاد للأدوية والمستلزمات الطبية والأطقم الطبية المتخصصة.
وتعمل منظمة الصحة العالمية بشكل فعال مع السلطات الصحية المحلية والشركاء الصحيين للحيلولة دون انهيار النظام الصحي للبلد.
حقوق المرأة اليمنية في مهب الريح
كانت المرأة اليمنية قد حققت خلال العقود الماضية مكاسب كثيرة سواء على صعيد التعليم أو العمل أو المشاركة في الحياة العامة، لكن ظروف الحرب دفعت للتشدد ضدها وجعلت تلك الحقوق المكتسبة، بما فيها حرية التنقل، في مهب الريح.
حسب تقارير حقوقية، تصاعدت وتيرة الإجراءات والقيود المتصلة بتنقل النساء اليمنيات في عام 2022، بالتزامن مع قرارات وتعميمات للفصل بين الجنسين في مرافق تعليمية عامة وخاصة.
وتصل القيود وفق مصادر حقوقية، إلى مطالبة المرأة الراغبة بالسفر بموافقة خطية من "ولي أمرها" معمدة من عاقل (مأمور) الحارة ومن وزارة الداخلية.
بيد أن المشكلة لا تنتهي بوجود "المحرم" أو الرجل المطلوب وصايته على المرأة، إذ يخضع العديد من الأشخاص إلى التدقيق في الهويات للتأكد من صلة القرابة، وهي عملية قد تستغرق ساعات في بعض حواجز التفتيش، يتعرض خلالها بعض من يتم إيقافهم لأسئلة وأحياناً لعبارات جارحة واتهامات.

انتقاص من أهلية المرأة ومساس بإنسانيتها
تقول حورية مشهور، وهي ناشطة حقوقية ووزيرة حقوق إنسان سابقة في اليمن، إن هذه الإجراءات تتعارض "مع أحكام الدستور والقوانين النافذة والاتفاقيات الدولية التي تحمي حقوق المرأة، ومن ضمنها حقها في حرية الحركة والتنقل".
وتضيف مشهور في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، أن التفسير الديني لهذا الإجراء لا يتوافق مع العصر الحديث، حيث إن تنقل المرأة قبل أكثر من 1400 سنة كان يمثل خطورة عليها، ويحتم ربما مرافقة الرجال لها لحمايتها، أما "في عالم اليوم ومع توفر وسائل النقل والاتصال الحديثة فلا معنى على الإطلاق لهذه الحجج والمبررات للتضيق على حركة المرأة".

وتضيف مشهور: "أثر هذا الإجراء وغيره من التضييقات على النساء العاملات في مجال الإغاثة الإنسانية، وعلى الناشطات المدنيات للمشاركة في كثير من الأنشطة والفعاليات التي تعقد في أماكن متفرقة، وعلى الخبرات النسوية العالية اللاتي تفترض مشاركتهن في فعاليات إقليمية أو دولية، كما أن ذلك يرفع تكاليف المشاركة أو يمنعها من الأساس، حيث إن المنظمات المستضيفة لهذه الأنشطة لا تكون لديها الإمكانية أو الرغبة في تغطية سفر تكاليف المرافق".
وتخلص إلى أن "هذا الإجراء ينتقص من أهلية المرأة وفيه مساس بإنسانيتها وكرامتها".
شريعة الغاب تحكم اليمن
يقول الناشط الحقوقي اليمني، علي الجوفي، إن عام 2022 هو الأسوأ خاصة في الحريات، وذلك بسبب بزوغ نجم مافيا الأحزاب وتسلطهم على حقوق الناس، بداية من بيع المساعدات الإنسانية "الأدوية والأغذية"، في الأسواق السوداء وحرمان الكثير من المحتاجين والفقراء.
وفي تصريحات خاصة لـ"جسور بوست" اتهم الجوفي ميليشيا الحوثي بارتكاب فظائع الأمور التي تسببت في خراب اليمن وتجويع الشعب، مشيرًا إلى أن 90% من اليمنيين أصبحوا في أمس الحاجة للماء والغذاء، بينما الأطراف المتصارعة تبني القصور على حساب البسطاء، هناك تسلط لم نشهده من قبل من مسؤولين ينهبون الأراضي ومن يعارضهم يكون مصيره الموت وبلا تردد، إنها شريعة الغاب التي تحكم اليمن الآن.