في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. الرابحون والخاسرون في سباق الحريات 2022

في اليوم العالمي لحقوق الإنسان.. الرابحون والخاسرون في سباق الحريات 2022

بين مكاسب وخسائر.. تحل ذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان في 2022 بجملة أزمات عسكرية واقتصادية ومناخية، لتتعرض أوضاع حقوق الإنسان إلى عدة انتكاسات، فيما تحقق بعض الانتصارات المحدودة.

ويحيي العالم، اليوم الدولي لحقوق الإنسان، في 10 ديسمبر من كل عام، إحياءً لذكرى اليوم الذي اعتمدَت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948.

وتحتفل الأمم المتحدة بهذه المناسبة هذا العام تحت شعار "الكرامة والحرية والعدالة للجميع"، للدعوة إلى العمل والدفاع عن مبادئ حقوق الإنسان.

وشهدت العديد من دول العالم أزمات كبرى، لا سيما بعد سنوات من الركود بسبب تفشي فيروس كورونا، حيث انقلبت الأوضاع رأسا على عقب بعد أن واجه الاقتصاد العالمي سلسلة من الأزمات.

وتتمثل معظم تلك الأزمات في الارتفاع الحاد بالأسعار، واندلاع حروب عسكرية وباردة، وتأثيرات بيئية كارثية جراء الاحترار المناخي وغيرها، ما ينذر بعام مليء بالتحديات في 2023.

وتعد النزاعات الداخلية واحدة من مهددات الاستقرار في عدد من دول العالم التي تعاني تدهورا حادا في منظومة حقوق الإنسان والحريات جراء الانقسامات والاستقطابات.

في المقابل، تعهّدت عشرات الدول والمنظمات غير الحكومية في إعلان صدر في نيويورك مايو 2022، بالدفاع بشكل أفضل عن حقوق الإنسان وتحسين معاملة المهاجرين، في إطار الاتفاق العالمي من أجل الهجرة الآمنة والنظامية والذي لم يحرز اعتماده منذ عام 2018 سوى تقدم محدود.

وعلى أثر أزمة الحرب الروسية الأوكرانية، مررت بولندا في مارس 2022 مشروع قانون يقدم حزمة دعم واسعة النطاق للاجئين الأوكرانيين الفارين من بلادهم.

وسعت عدة دول عربية إلى إجراء حالة توافق سياسي، بإجراء مصالحات وطنية مع المعارضين لطي صفحة التوترات الأمنية والسياسية بعد سنوات من الاستقطابات.

روسيا وأوكرانيا

ولعل أكثر الخاسرين في سباق الحريات في 2022 روسيا وأوكرانيا، حيث باتت الحرب الروسية الأوكرانية علامة فارقة في تاريخ معدلات التضخم العالمية، إذ حققت خسائر كبرى للاقتصاد العالمي، في الوقت الذي لا يزال يتعافى من ركود كورونا.

وقدرت تقارير دولية الخسائر العالمية جراء الأزمة العسكرية التي دخلت شهرها العاشر بنحو 12 تريليون دولار في الناتج الإجمالي العالمي، وهـو ما يمثل 5 أضعاف الناتج المحلي لقارة إفريقيا بأسرها للعام الماضي.

على نحو آخر، خلفت العملية العسكرية أزمة في الإمدادات الغذائية العالمية، بالتزامن مع تخييم شبح المجاعة على بعض الدول جراء تأثير ظاهرة التغير المناخي.

بولندا 

في المقابل انتفضت بولندا لحقوق الإنسان بعدما مررت عقب نحو شهر على الحرب الروسية الأوكرانية، وتحديدا في مارس الماضي، مشروع القانون الذي يقدم للاجئين حزمة دعم واسعة، أبرزها حق الإقامة القانونية والحصول على التعليم والرعاية الصحية وخدمات اجتماعية.

إيران

وبتراجع مفزع، كشفت منظمات حقوقية دولية عن إعدام السلطات الإيرانية أكثر من 500 شخص في عام 2022،  لا سيما في تنامي تحركات احتجاجية تعصف بالبلاد منذ منتصف سبتمبر الماضي، على وقع مقتل فتاة تدعى مهسا أميني احتجزتها شرطة "الأخلاق" الإيرانية لمخالفتها القواعد التي تفرض على النساء ارتداء الحجاب، لتكون إيران وعن جدارة واحدة من أكثر دول العالم بعدا عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

وبسبب الملف النووي، اتسمت السياسة الخارجية الإيرانية بتذبذب وانغلاق شديدين، ما دفع السلطات في كثير من الأحيان إلى عدم التعاطي مع الدعوات الدولية بتحسين وضعية حقوق الإنسان.

وتحتل إيران المركز الثاني بين الدول التي تعدم أكبر عدد من السجناء في العالم بعد الصين، إضافة إلى تقييد حرية التنظيم وملاحقة النشطاء والمعارضين.

فلسطين 

وفي إطار تلجيم صوت الشعب الفلسطيني، داهمت وأغلقت القوات الإسرائيلية 7 منظمات فلسطينية رائدة في مجال حقوق الإنسان في 2022، وهي مؤسسة الضمير لدعم الأسير وحقوق الإنسان، مؤسسة الحق في خدمة الإنسان (الحق)، مركز بيسان للأبحاث والمنظمة الدولية للتنمية والدفاع عن الأطفال - فلسطين (DCI-P)، ومؤسسة لجان العمل الصحي، واتحاد لجان العمل الزراعي (UAWC)، واتحاد لجان المرأة الفلسطينية (UPWC).

فيما قتلت الصحفية الفلسطينية من أصل أمريكي شيرين أبوعاقلة في مايو الماضي، برصاص القوات الإسرائيلية أثناء تغطيتها اقتحام الجيش لمخيم جنين بالضفة الغربية المحتلة، في واقعة أثارت غضبا عربيا ودوليا واسعا، لتواصل فلسطين نزيفها الحقوقي الذي امتد لعدة عقود.

سوريا

ومع تهديد تركيا بإطلاق عملية عسكرية برية في شمال سوريا، تضاعفت معاناة السوريين الممتدة منذ أكثر من 11 عاما، والتي جعلت قرابة 15 مليون سوري في احتياج إلى مساعدات إنسانية.

وتأتي تلك التهديدات في وقت بات عصيباً على السوريين، حيث وصل سعر صرف الدولار إلى 5800 ليرة، ما ينذر بتصاعد الأوضاع القاسية في البلد المأزوم وتراجع أكثر للملف الحقوقي.

وتعاني البلاد من أزمة اقتصادية حادة منذ سنوات طويلة بفعل الحرب الطاحنة التي مرّت بها، تشمل الوقود والطاقة والخبز إضافة إلى انهيار العملة المحلية، ما انعكس بآثار كارثية على كل مفاصل الدولة.

لبنان

ولم يكن الوضع الإنساني بأحسن حال في لبنان عن سابقاته، فمنذ أكثر من 3 سنوات اندلعت أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخ البلاد، فيما لا يزال الخلاف بين الأطراف المعنية بشأن التوصل إلى اتفاق على إقرار خطة إصلاح شاملة لإنقاذ البلاد.

وفي نوفمبر الماضي، أشار تقرير لمرصد الاقتصاد اللبناني إلى انكماش إجمالي الناتج المحلي الحقيقي بنسبة 5.4 بالمئة في عام 2022، بافتراض استمرار حالة الشلل السياسي وعدم تنفيذ استراتيجية للتعافي.

وتعاني البلاد من حالة فراغ سياسي غير مسبوق ساهم بشكل واضح في زيادة تأخير التوصل لأي اتفاق بشأن حل الأزمة وإقرار الإصلاحات الضرورية، ما يعمق محنة الشعب اللبناني.

اليمن 

ومن لبنان إلى اليمن لا تختلف الأوضاع الحقوقية كثيرا، حيث تواصل الحرب حصد أرواح آلاف اليمنيين فيما تُشرد كثيرين، بسبب عدم نجاح غالبية الوساطات الدولية والتدخلات الأممية والتي كان آخرها إحباط الحوثيين مساعي الأمم المتحدة لتمديد الهدنة في الحرب اليمنية وتوسيعها، وتوقف محاولات مبعوث الأمم المتحدة منذ الثاني من أكتوبر الماضي، للتوصل إلى اتفاق لوقف الأعمال العدائية كمدخل للبحث عن فرص السلام المستدام في اليمن.

ولقي ما لا يقل عن 370 ألف شخص مصرعهم في الصراع اليمني، ونزح ملايين اليمنيين، كما تصنف الأمم المتحدة الحرب وعواقبها على أنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ يحتاج حوالي 23,7 مليون شخص لمساعدة إنسانية، بمن فيهم حوالي 13 مليون طفل.

إثيوبيا

في أكتوبر الماضي، أظهرت وكالة ناسا عبر الأقمار الصناعية صورا جديدة التقطت من الفضاء ليلا للصراع في منطقة تيغراي الشمالية بإثيوبيا، في مواجهة السكان لواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. 

وتظهر الصور المدن وهي تتحول إلى اللون الأسود على مدار 20 شهرا مع انقطاع إمدادات الكهرباء، جراء حرب طاحنة بين القوات والميليشيات الإثيوبية إلى جانب جنود من إريتريا المجاورة ضد مقاتلي إقليم تيغراي.

ومرارا حذرت الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والولايات المتحدة وغيرها، من أن تجدد الحرب الطاحنة قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الكارثية التي يعيشها المدنيون بالفعل.

ليبيا

ومنذ إسقاط النظام الليبي برئاسة العقيد معمر القذافي، لم تهدأ الدولة العربية الغنية بالنفط جراء صراع دامٍ على السلطة، لم تنجح في إنهائه الجهود الدولية والأممية.

وبسبب خلافات بين مؤسسات الدولة لا سيما بشأن قانوني الانتخاب (الرئاسي والبرلماني)، تعثر في 24 ديسمبر 2021 إجراء انتخابات ليبية كانت مقررة خلال ملتقى الحوار السياسي بين أطراف النزاع برعاية أممية.

وبعد فشل إجراء انتخابات دخلت ليبيا في صراع جديد، بعد أن كلف مجلس النواب حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، تتصارع مع حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها دوليا برئاسة عبدالحميد الدبيبة الذي يرفض التسليم إلا لحكومة تأتي عبر برلمان جديد منتخب.

أفغانستان

ومنذ منتصف أغسطس 2021، باتت أفغانستان تحت بؤرة الاهتمام العالمي، على وقع عودة حركة طالبان إلى السلطة بعد انسحاب القوات الأجنبية من البلاد وفرار مسؤولي حكومة الرئيس أشرف غني إلى الخارج.

وأطيح بأول إدارة لطالبان في أفغانستان بعد التدخل العسكري الأمريكي عام 2001 لتورّطها في إيواء زعيم القاعدة أسامة بن لادن، المسؤول عن تنفيذ هجمات 11 سبتمبر من العام نفسه.

ورغم مرور أكثر من عام على توليها السلطة في أفغانستان للمرة الثانية، إلا أن طالبان لم تحظَ باعتراف دولي، إذ تواجه حكومة طالبان تحديات عدة في قضايا حماية حقوق الإنسان، إلى جانب توفير خدمات الصحة والتعليم والاقتصاد والزراعة، كما تتعرّض لانتقادات عالمية بسبب موقفها من حقوق النساء وتعليم الفتيات.

مصالحات وطنية

في المقابل أيضا شهدت كل من مصر والجزائر والسودان انفراجات سياسية لا تزال محدودة، بدت مظاهرها في إجراء جلسات لحوارات وطنية بين الفرقاء والإفراج عن سجناء سياسيين.

علاقة طردية

وفي السياق، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، الدكتور طارق فهمي، إن ارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية لا تطال الأمن الغذائي وإمدادات الطاقة فحسب، بل تستهدف الأمن الإنساني والحقوق الأساسية أيضا.

وأوضح فهمي في تصريح لـ"جسور بوست" أن ملف حقوق الإنسان في كل دول العالم عادة ما يتأثر بالصراعات وانتشار الأوبئة والأزمات الاقتصادية وتغير المناخ وتحالفات الدول وغيرها.

وأضاف: "هناك محاولات لتحالفات دولية مؤثرة كاستجابة لخريطة التفاعلات الكبرى في العالم، وذلك لتحقيق الاستقرار والأمن الدوليين".

وتابع: "لا بد من إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا واللجوء إلى طاولة المفاوضات، لوضع حد لنزيف الخسائر ومعادلة الخيارات الصفرية التي يدفع تكلفتها العالم".

وأشار خبير حقوق الإنسان الدولي الدكتور عادل إبراهيم عامر، عضو المعهد العربي الأوروبي للدراسات الاستراتيجية بفرنسا، إلى أن الحروب والنزاعات على الساحتين الدولية والعربية تسببت في انتهاكات حقوقية كارثية.

وأكد عامر في تصريح لـ"جسور بوست" أن الأوضاع الحقوقية في كل من اليمن والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين باتت في أدنى مستوياتها بسبب الصراعات والنزاعات والأزمات.

وأضاف: "انتعاش حالة حقوق الإنسان والديمقراطية يرتبط ارتباطا طرديا مع الاستقرار السياسي وانتهاء الصراعات المذهبية والدينية والعرقية".
 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية