المغرب.. مجهودات كبيرة لتوفير الخدمات الصحية وتحقيق الجودة
المغرب.. مجهودات كبيرة لتوفير الخدمات الصحية وتحقيق الجودة
المغرب- سامي جولال
قطاع الصحة يشهد ثورة حقيقية نحو العدالة الاجتماعية
تعميم التغطية الصحية (التأمين الإجباري) على جميع المواطنين
بدء أعمال بناء أكبر مشروع صحي في إفريقيا
تباين آراء المغاربة حول جودة الخدمات الصحية بين الثناء والانتقاد
المنظومة الصحية تعاني إشكاليات كمية وكيفية
هجرة آلاف الأطباء المغاربة للعمل في الخارج بسبب "غياب التحفيز"
يشهد قطاع الصحة في المملكة المغربية تطورا مستمرا، يتحقق بفضل مجموعة من القرارات والإجراءات، التي وصف بعضها بأنه "ثورة حقيقية نحو العدالة الاجتماعية"، وأبرزها تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض على جميع المغاربة، والتوجه نحو تصنيع اللقاحات، وبدء بناء أكبر مشروع صحي في القارة الإفريقية، إلى جانب صناعة دوائية محلية متطورة.
وفي المقابل، ورغم المجهودات الكبيرة التي تقوم بها الدولة المغربية للنهوض بأوضاع قطاع الصحة، لا يزال هذا الأخير يعاني جملة من المشكلات، على رأسها هجرة عدد كبير من الأطباء المغاربة للاشتغال في الخارج، بسبب "غياب التحفيز"، والنقص في عدد الأسرة، وبعد المستشفيات عن سكان البوادي.
قطاع الصحة المغربي في أرقام
يبلغ عدد مؤسسات الرعاية الصحية الأولية في القطاع العمومي بالمغرب، بحسب الموقع الإلكتروني لوزارة الصحة المغربية، حتى عام 2021، 861 مركزا صحيا حضريا، و1296 مركزا صحيا قرويا، في حين يبلغ عدد المؤسسات الاستشفائية في القطاع الصحي العمومي 155 مستشفى بسعة 25199 سريراً، و10 مستشفيات للأمراض النفسية بسعة 1512 سريراً، و128 مركزا لغسيل الكلى؛ تتوفر على 613 آلة لغسيل الكلى.
وفي ما يخص الموارد البشرية في القطاع الصحي، فهي تتشكل من 3494 طبيباً عاماً، و9402 طبيب أخصائي، و35789 إطارا شبه طبي، إلى جانب 2080 يعملون في الجهاز الإداري، و4868 في الجهاز التقني.
وفي المقابل، يتكون القطاع الصحي الخاص في المغرب من 384 مصحة بسعة 12534 سريرا، و11928 عيادة للاستشارة الطبية، و4416 عيادة لطب الأسنان، و308 عيادات للأشعة، و9603 صيدليات، و636 عيادة-مختبر.
وعلى مستوى الموارد البشرية، يضم القطاع الخاص 5414 طبيبا عاما، و8785 طبيبا أخصائيا.
ويتضمن قطاع التعليم العالي العمومي 8 كليات للطب والصيدلة، وكليتين لطب الأسنان.
وتشهد الميزانيات المخصصة لقطاع الصحة العمومي في قوانين المالية بالمغرب ارتفاعا مستمرا من عام إلى آخر، إذ بلغت الميزانية المخصصة لوزارة الصحة والحماية الاجتماعية لعام 2023 (28.12 مليار درهم)، مقابل 23.54 مليار درهم في عام 2022، بزيادة قدرها 3 ملايين درهم مقارنة مع عام 2021.
تعميم التغطية الصحية
وتنفيذا لتعليمات ملك المغرب، محمد السادس، انطلق في المملكة المغربية ابتداءً من ديسمبر 2022 تعميم التغطية الصحية، وهو مشروع ملكي يهدف إلى تمكين جميع المغاربة من نظام موحد للتأمين الإجباري الأساسي عن المرض، ليستفيدوا من خدمة صحية لائقة تغطي العلاج، والأدوية، والاستشفاء في جميع المؤسسات الصحية العمومية والخاصة، بينما ستتحمل الدولة مصاريف الاشتراك في التغطية الصحية الإجبارية بالنسبة لغير القادرين على دفع واجبات الاشتراك.
جودة الخدمات
تتباين آراء المغاربة حول جودة الخدمات المقدمة من قِبل المستشفيات العمومية في المغرب، بحسب شهادات استقتها "جسور بوست" من مجموعة منهم، إذ قال حمزة (27 عاما)، محامٍ، إنه "ذهب في بداية عام 2020 إلى مستشفى عمومي محلي في مدينة مغربية، بسبب إصابته بحمى، وشكه أن الأمر يتعلق بفيروس كوفيد-19، وكان ذلك في الساعة العاشرة ليلا، وتم استقباله بشكل جيد، إذ قدموا له إسعافات أولية، وقام الطبيب بقياس درجة حرارته، وضغط دمه، وطرح عليه مجموعة من الأسئلة المتعلقة بوضعيته الصحية، وشخَّص حالته، ووصف له أدوية، شفي بعد تناولها".
وفي المقابل، قال عادل (47 عاما)، عامل في شركة مغربية، ومصاب بالفشل الكلوي، إن "مريض الفشل الكلوي يحتاج إلى 3 حصص لتصفية الدم كل أسبوع، بينما تقدم المستشفيات العمومية في المغرب حصتين فقط، وهو ما أدى -بحسب قوله- إلى تدهور صحته، ودفعه إلى اللجوء إلى مصحة خاصة، لتصفية الدم 3 مرات في الأسبوع، مقابل نحو 800 درهم مغربي عن كل حصة".
وأوضح لـ"جسور بوست" أن "مريض الفشل الكلوي لا يحتاج فقط إلى تصفية الدم، بل يحتاج أيضا إلى تحاليل كل 3 أشهر، تكلفتها ما بين 3400 و3500 درهم مغربي، لا تجرى في المستشفيات العمومية، وأن مريض الفشل الكلوي، الذي يعاني من فقر دم حاد، يحتاج إلى حقن لرفع الدم، يبلغ ثمنها نحو 20 ألف درهم مغربي، ولا تُمنح من قِبل المؤسسات العمومية".
ومن جهتها، قالت هبة (22 عاما)، طالبة ماجستير، تعاني من اعوجاج العمود الفقري، إنها "كانت تتابع حالتها في مستشفى عمومي مغربي، وأن الأمور مرت بشكل جيد في ما يخص الكشف والتشخيص، لكنها اضطرت إلى القيام بالأشعة في مصحة خاصة، بعدما وجدت مصلحة الأشعة في المستشفى مغلقة، وكذلك الترويض، بعدما حددوا لها، في مستشفى عمومي آخرَ، موعدا بعيدا للترويض، كما احتاجت إلى مقوم للظهر، ووجدت، بحسب تصريحاتها، أنه لا تتم صناعته في المغرب، ولجأت إلى مصحة خاصة أعدَّته لها في الخارج. وفي النهاية، وبسبب سوء التنظيم، بحسب تصريحاتها، في المستشفى العمومي، الذي كانت تتابع فيه حالتها، قررت الانتقال إلى مصحة خاصة، تتابع فيها حالتها إلى غاية اليوم".
منظومة صحية متطورة
وتقييما لأوضاع قطاع الصحة في المغرب، قال رئيس النقابة الوطنية للطب العام في المغرب، ونائب رئيس الفيدرالية الوطنية للصحة، الدكتور الطيب حمضي، إن "المنظومة الصحية في المغرب متطورة جدا، وأعطت نتائج مهمة، وتبين لك خلال جائحة كوفيد-19، من خلال القوة، والاستجابة، إذ بلغ معدل الوفيات الخاص بالفيروس في المغرب 1.3% فقط، مقابل أرقام أعلى عالميا، وصلت إلى 2% في دول غربية ذات اقتصاد قوي، وأن البنية التحتية التكنولوجية في المنظومة الصحية بالمغرب مهمة جدا، من حيث التجهيزات، والخبرة.
الدكتور الطيب حمضي
برنامج لتجاوز خصاص الأطر الصحية
وأوضح حمضي، لـ"جسور بوست"، أن "عدد الأطباء يبلغ حاليا في المغرب 30 ألف طبيب؛ 15 ألفا في القطاع العام، و15 ألفا في القطاع الخاص، وهو عدد غير كافٍ، وأنه بحسب المعايير الأساسية لمنظمة الصحة العالمية، يحتاج المغرب إلى 32 ألف طبيب إضافيين، وإلى 65 ألف من الأطر الصحية غير الطبية؛ التمريضية وغيرها، وأن هناك برنامجا من أجل مضاعفة عدد الأطباء مرتين، ومضاعفة عدد الأطر الصحية الأخرى 3 مرات، بحلول عام 2025، وخلق كلية طب جديدة، وخلق مراكز استشفائية جامعية جديدة، وتحسين ظروف العمل داخل المستشفى العمومي، وفتح حوار مع القطاع الخاص، من أجل تحسين ظروف العمل فيه.
وأوضح حمضي، أن المغرب بصدد تعميم التأمين الإجباري عن المرض على جميع المغاربة، لتسهيل الولوج إلى الخدمات الصحية لكل المواطنين، وهو ما جعل من الضروري إجراء مراجعة للمنظومة الصحية.
ومن جانبه، أكد رئيس النقابة الوطنية لأطباء القطاع الحر، الدكتور أحمد بنبوجيدة، معاناة قطاع الصحة في المغرب على مستوى الموارد البشرية، قائلا لـ"جسور بوست" إن “القطاع الصحي، العمومي والخاص، في حاجة إلى 32 ألف طبيب إضافي، لتوفير تغطية شاملة في ما يخص الخدمات الصحية، ولذلك قرر المغرب تقليص عدد سنوات تكوين الأطباء من 7 إلى 6 سنوات، ووضع استراتيجية من أجل تحفيز الأطباء المغاربة، الذين يعملون في الخارج، للعودة إلى المغرب”.
الدكتور أحمد بن بوجيدة
ومن جهته، قال الحقوقي المغربي، والرئيس الأسبق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان الدكتور محمد النشناش، لـ"جسور بوست"، إن وباء كوفيد كشف عن هشاشة النظام الصحي في المغرب، وإنه لولا أخذ المبادرة من قِبل الملك محمد السادس، وتعبئة الطاقات العسكرية والمدنية، لكانت الكارثة أعظم، وإن أقسام الطوارئ، التي يتوجه إليها المواطنون في أي وقت، والتي تعد -بحسب النشناش- الأكثر هشاشة، غير مجهزة، وأن سيارات الإسعاف قليلة، وغير مؤهلة، مبرزا أن "الكل يعترف بأن الوضع الصحي في المغرب يحتاج إلى مراجعة، واستثمار أكبر، لتقديم الخدمات الضرورية للمواطنين".
وصادق المجلس الحكومي في 21 ديسمبر 2022، على مشروع قانون يتعلق بإحداث الهيئة العليا للصحة، لتحل هذه الهيئة محل الوكالة الوطنية للتأمين الصحي، وستكون مهمتها التأطير التقني للتأمين الإجباري الأساسي عن المرض، وتقييم جودة خدمات المؤسسات الصحية بالقطاعين العام والخاص، وإبداء الرأي في السياسات العمومية في ميدان الصحة، وهو ما اعتبره النشناش أمرا جيدا، لكنه أبرز في المقابل أنه "لا يحل المشكلة، لأن الأطر الطبية تهاجر إلى الخارج".
وبيَّن النشناش أن "هناك أيضا حاجة إلى مراجعة ما يخص التعامل مع الأمراض النفسية، وإيجاد أخصائيين في هذا الميدان".
وكشف وزير الصحة والحماية الاجتماعية في المغرب، خالد آيت طالب، أن “عدد الأطباء المختصين في الطب النفسي في البلاد لا يتعدى 121 طبيبا، من بينهم 11 التحقوا في عام 2021، و15 التحقوا في عام 2022، بينما لم يتجاوز عدد الخريجين في هذا التخصص في عام 2022 سبعة أطباء”.
وقال الوزير، في مجلس النواب المغربي في ديسمبر 2022: "يوجد أقل من طبيب نفساني لكل 100 ألف نسمة، في حين يبلغ المعدل العالمي 1.7 طبيب نفساني لكل 100 ألف نسمة، و9.4 لكل 100 ألف نسمة في الدول الأوروبية"، مبرزا أن "المغرب لا يزال بعيدا عن هذا المستوى، وأن تكلفة الاضطرابات النفسية باهظة، سواء اجتماعيا أو اقتصاديا".
خالد آيت الطالب
وقف هجرة الأطباء
أبرز رئيس النقابة الوطنية للطب العام في المغرب، ونائب رئيس الفدرالية الوطنية للصحة، الدكتور الطيب حمضي، لـ"جسور بوست"، أن “14 ألف طبيب مغربي هاجروا للعمل في الخارج”، موضحا أن “المغرب حاليا يغير قوانينه، من أجل تسهيل عودتهم، ويغير ظروف العمل من أجل تحسين الدخل، حتى يتسنى على الأقل التحكم في هذه الهجرة”.
مشروع قانون لتحسين ظروف العمل
وتحدث حمضي عن مشروع قانون صادق عليه المجلس الحكومي، وسيعرض على البرلمان، يتعلق بالوظيفة الصحية، ويسمح بإعطاء امتيازات بالنسبة للأطباء، والأطر الصحية، في القطاع العام، وأن يكون دخلهم حسب المردودية والإنتاجية، مردفا أن "هناك أيضا إصلاحا يخص ظروف العمل داخل المستشفيات، وأن هناك ميزانية خصصت لإعادة تأهيل المستشفى العمومي في المغرب، لأن الطبيب لا بد أن يمارس عمله في ظروف تقنية وبشرية وعلمية ملائمة، تسمح له بتطوير معلوماته، وكفاءاته".
العدالة الجغرافية
قال الدكتور الطيب حمضي، إن "الحاجة إلى الأطر الصحية في المغرب ليست متساوية بين الجهات الـ12، التي تتكون منها البلاد، إذ تستقطب 3 جهات، بحسب حمضي، 75 في المئة من مهنيي الصحة، بينما تتقاسم 9 جهات 25 في المئة المتبقية، إلى جانب أنه داخل الجهة نفسها، أو المنطقة، هناك تفاوت ما بين الأرياف والمدن، ولذلك هناك سياسة جديدة، من أجل إعادة النظر في إشكالية اللاعدالة في التوزيع الجغرافي، والتوجه نحو تكافؤ الفرص ما بين جميع المواطنين في جميع جهات المغرب، في القرى، أو في المدن".
المطالبة بتحفيزات في المناطق النائية
ودعا الدكتور أحمد بنبوجيدة، إلى "ضرورة وجود تحفيزات في المناطق النائية والبعيدة، لتشجيع الأطباء، ومهنيي الصحة بصفة عامة، على الذهاب إلى تلك المناطق، والاشتغال فيها، وتقديم خدمات صحية للمواطنين، الذين يكونون معزولين بعيدا عن المدن الكبرى، من خلال توفير عيش كريم لهم في تلك المناطق، ووضع نظام ضريبي مناسب لعيادات الطب الخاصة، والمصحات الخاصة، وتشجيع الأطباء ليجدوا المقرات، التي سيفتحون فيها عياداتهم أو مصحاتهم الخاصة، ويبنونها بثمن مشجع، وغيرها من أشكال التحفيز الأخرى".
نقص الأسرَّة
وأوضح الحقوقي المغربي، والرئيس الأسبق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، في تصريحاته لـ"جسور بوست"، أن "هناك نقصا في عدد الأسرة، وأن المستوصفات بعيدة عن السكان، خصوصا في البادية".
وبيَّن رئيس النقابة الوطنية للطب العام في المغرب، نائب رئيس الفدرالية الوطنية للصحة، الدكتور الطيب حمضي، أن “عدد المستشفيات العمومية في المغرب قليل، بمعدل سرير لكل 1000 مواطن، وأن هذا العدد يجب أن تتم مضاعفته على الأقل 3 مرات في السنوات المقبلة، وأن هناك آليات، وبنايات، وتجهيزات، في القطاع الصحي العمومي، لا يتم استثمارها بالشكل المطلوب، وأن هناك -بحسب وزير الصحة- تقريبا 80 في المئة من الأجهزة في المستشفيات العمومية لا يتم استعمالها، أو يتم استعمالها بطريقة ضعيفة جدا”.
ودعا بنبوجيدة، إلى “إعادة النظر في الشراكة بين القطاعين العام والخاص، للاستفادة من تقنيات القطاع العمومي، والاشتغال على الآليات المتطورة الموجودة في المستشفيات العمومية، مؤكدا أن المواطن هو الذي سيستفيد”.
أكبر مشروع صحي في إفريقيا
أعطى ملك المغرب محمد السادس، في 5 مايو 2022، انطلاقة أشغال بناء المستشفى الجديد "ابن سينا" في العاصمة المغربية الرباط، الذي يعتبر أكبر مشروع صحي في القارة الإفريقية، بقدرة استيعابية تبلغ 1044 سريرا، وبتكلفة تفوق 6 مليارات درهم مغربي، وسيتم تشييده على بقعة أرضية تبلغ مساحتها الإجمالية 11,4 هكتارا، بحسب وكالة الأنباء المغربية الرسمية، بهندسة عصرية، وبعرض علاجي متميز، وإدماج للتكنولوجيات المتطورة في المجال، ما يمكن من الاستجابة للاحتياجات الحالية والمستقبلية للمدينة.
هيمنة القطاع الخاص
وأوضح بنبوجيدة أن “الأطباء الذين يشتغلون في القطاع الخاص بالمغرب، ثلثهم أطباء عامون، والثلثين أطباء أخصائيون، وهو ما يعتبر غير صحي، لأن نسبة الأطباء العامين يجب أن تبلغ 50 في المئة، لأنهم ركيزة مسار العلاج”، بحسب بنبوجيدة، الذي أبرز أن خدمات القطاع الخاص تغطي تقريبا 70 في المئة من الخدمات الصحية على الصعيد الوطني.
وتطرق الدكتور الطيب حمضي، إلى "معاناة المستشفى العمومي في المغرب من مشكل الجاذبية، إذ أن 90 في المئة من مصاريف التغطية الصحية في المغرب تذهب إلى القطاع الخاص، وأن المستشفى العمومي لا يستقطب إلا 10 في المئة من مصاريف التأمين الإجباري عن المرض، وهو ما يعتبر خسارة، لذلك من الضروري إصلاح المستشفى العمومي حتى يستقطب المرضى والأطر الطبية بدل هجرتها، سواء نحو الخارج، أو نحو القطاع الخاص".
ومن جهته، قال رئيس الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة، البروفيسور رضوان السملالي، إن “المصحات الخاصة تشكل نسبة مهمة كمية وكيفية من العرض الصحي في المغرب، وأن عدد المصحات الخاصة اليوم في المغرب نحو 415 مصحة، يشتغل فيها أزيد من 60 ألف إطار صحي، وأن الإحصائيات الرسمية تورد أن 90 في المئة من المرضى الذي يتمتعون بتغطية صحية في المغرب، يذهبون للعلاج في المصحات الخاصة”، مشيرا إلى أن 60 في المئة من التقنيات الحديثة موجودة في المصحات الخاصة.
رضوان السملالي
وأضاف السملالي، لـ"جسور بوست"، أن "العرض الصحي في المصحات الخاصة بالمغرب يشكل امتيازات كمية وكيفية، وأن الأسباب التي تجعل المرضى المغاربة يلجؤون إلى المصحات الخاصة هو السهولة في الولوج، وأنه إذا ذهب مواطن مغربي إلى أي مصحة يمكنه القيام بالكشوفات والفحص بالأشعة في اليوم نفسه، والعمليات الجراحية في أقرب وقت ممكن، إلى جانب حسن الاستقبال، وتسهيل الولوج إلى العرض الصحي، بخلاف المستشفيات العمومية".
وحول الأسباب التي تجعل غالبية المغاربة يقصدون عيادات الطب الخاصة والمصحات الخاصة، بدلا من الذهاب إلى المستشفيات العمومية، قال بنبوجيدة إن “ذلك راجع ربما إلى الاكتظاظ، والمواعيد المتأخرة، وأمور أخرى، تجعل المواطن يفضل الذهاب إلى القطاع الخاص”، وهو ما يعتبر -وفق بنبوجيدة- غير مقبول، لأنه يجب أن تكون هناك مساواة بين العلاج في القطاعين العمومي والخاص.
مشكلات في القطاع الخاص
ورغم "تغطية القطاع الصحي الخاص للنسبة الأكبر من الخدمات الصحية على الصعيد الوطني"، بحسب بنبوجيدة والسملالي، فإن "القطاع الصحي الخاص في المغرب يعاني أيضا، من مشكلة نقص الموارد البشرية".
وأبرز بنبوجيدة أن “القطاع الصحي الخاص في المغرب يعاني مشكلات مع المرضى، الذين لا يتمتعون بتغطية صحية (تأمين إجباري أساسي عن المرض)، بسبب التكاليف الباهظة للأمراض المستعصية والخطيرة، إلى جانب قلة التطور على مستوى تكوين الأطباء في ما يخص مهارات مجموعة من التقنيات الطبية الحديثة، التي تحتاج إلى تكاليف تكون كبيرة في بعض الحالات”.
اتهامات لمصحاتٍ خاصةٍ بـ"الاستغلال"
ويتهم مواطنون مغاربة مصحاتٍ خاصة بـ"الجشع" و"الاستغلال" والقيام بـ"ممارسات غير أخلاقية"، وردا على هذه الاتهامات، قال البروفيسور رضوان السملالي، إن "الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة تستنكر كل الحالات التي تكون فيها تجاوزات أو معاملات غير أخلاقية أو غير إنسانية من قِبل بعض المصحات الخاصة، التي تظل -بحسبه- قليلة.
التعريفة المرجعية
ودعا رئيس النقابة الوطنية لأطباء القطاع الحر، الدكتور أحمد بنبوجيدة، إلى "مراجعة التعريفة المرجعية، التي تحدد نسبة مساهمة التغطية الصحية، والتعويض عن المرض من مجموع المبلغ الذي يدفعه المرضى، الذين يتوفرون على تغطية صحية، من أجل العلاج، سواء في ما يخص الكشف عند الأطباء العامين أو الأخصائيين في عيادات الطب الخاصة، أو الخدمات الصحية في المصحات الخاصة، أو في ما يتعلق بشراء الأدوية، والخدمات الصحية بالنسبة لمرضى السرطان، والقلب والشرايين.
ودعا السملالي، إلى "مراجعة التعريفة المرجعية"، معتبرا أن "التعريفة المرجعية المعتمدة حاليا في المغرب ضعيفة".
وفي السياق، أوضح الدكتور بنبوجيدة، أن “التعريفة المرجعية المعتمدة حاليا في المغرب لم تراجع منذ عام 2006، بينما ارتفعت كل الأسعار الآن، وارتفع مستوى العيش بشكل خيالي”، وأنه يجب أن تتم مراجعتها كل 3 سنوات.
صناعة دوائية متطورة
وفي ما يخص أوضاع قطاع الأدوية، قالت المديرة التنفيذية للفيدرالية المغربية لصناعة الأدوية، الدكتورة ليلى سنتيسي، إن الصناعة الدوائية المغربية تمتلك أكثر من 65 عاما من التجربة، وتحقق حاليا اكتفاءً ذاتيا يصل إلى 70 في المئة، وإن عدد مصانع الأدوية يبلغ 54 مصنعا، وتحقق رقم معاملات سنويا يقدر تقريبا بـ16.5 مليار درهم مغربي، وتصدر سنويا أدوية بقيمة مليار و300 مليون درهم مغربي.
وأضافت سنتيسي، لـ"جسور بوست"، أن “المغرب يمكنه أن يصنع محليا جميع أنواع الأدوية، ابتداءً من البسيطة؛ ومن بينها الأقراص، والمحاليل المعدة للشرب، وصولا إلى الأدوية المعقدة، والبيو-تكنولوجية”.
الدكتورة ليلى سنتيسي
وقالت إن “المغرب يصنع الأدوية الأصلية، التي تكون محمية ببراءات الاختراع”، منوهة إلى أن “ملك المغرب، محمد السادس، أصدر توصيات بعد كوفيد-19 ببلورة النظام الصحي وربطه بالتطور العالمي، إذ أعطى انطلاقة مشروع تصنيع اللقاحات في المغرب، الذي يعد مشروعا مهما جدا، وسيضمن الاكتفاء الذاتي في بعض اللقاحات في المغرب وإفريقيا”.
وأبرزت سنتيسي أن “المغرب لا يعرف أزمة في الأدوية إلا في بعض الحالات المتعلقة بالأدوية المستوردة كاملة الصنع، التي لا يتم تصنيعها في المغرب”، منوهة بأن المشكلات التي يواجهها قطاع الأدوية في المغرب تخص القوانين والتنظيم، إذ قالت إن المدة التي يستغرقها تسجيل دواء مستورد أو مصنع محليا، في مديرية الأدوية والصيدلة في وزارة الصحة، طويلة، وهو ما ينتج عنه -بحسبها- تأخر في الوصول إلى السوق، سواء المغربية أو الإفريقية.
وأشارت إلى أن أثمان المواد الأولية لتصنيع الدواء ارتفعت كثيرا، في حين أن هناك مرسوما وُضع في عام 2014 لتطبيق الثمن، يخفض الأثمنة بشكل لم يعد يمكن معه للمصنع أن يصنع الأدوية بذلك الثمن، وأن العديد من المصنعين يصنعون أدوية بالخسارة، لأنه لا يمكنهم إيقاف تصنيعها وحرمان المغاربة منها، لكن المصنعين لن يستطيعوا -وفق سنتيسي- في وقت من الأوقات التجاوب مع هذه المعادلة، موضحة أن "الحكومة المغربية تعيد النظر في مرسوم الأثمنة".
تصنيع اللقاحات
وترأس الملك محمد السادس، في يناير 2022، بإقليم بنسليمان (جهة الدار البيضاء-سطات)، حفل إطلاق أشغال إنجاز مصنع لتصنيع اللقاح المضاد لكوفيد-19 ولقاحات أخرى، وهو مشروع هيكلي سيسهم عند الانتهاء من إنجازه -بحسب الموقع الإلكتروني لوزارة الصناعة والتجارة المغربية- في تأمين السيادة اللقاحية للمملكة ولمجموع القارة الإفريقية.