قانون مكافحة الإرهاب في سريلانكا.. أدوات أمنيّة أم سيف مسلّط على المجتمع المدني؟

قانون مكافحة الإرهاب في سريلانكا.. أدوات أمنيّة أم سيف مسلّط على المجتمع المدني؟
أهالي ضحايا الاختفاء القسري في سريلانكا

بعد مرور عقود على نهاية الحرب الأهلية في سريلانكا، تبدو مآسي الماضي حاضرة بقوة في حياة آلاف العائلات التي لا تزال تبحث عن أحبة اختفوا قسراً، وفي ظل وعود إصلاح أطلقها رئيس الدولة، تسجل منظمات حقوقية أممية ومحلية استمرار أنماط المضايقة والاستهداف التي تُقوّض حق العائلات في معرفة مصير أحبائهم وتَحرمهم من العدالة والإنصاف.

توثق منظمات حقوقية أن قوات الأمن والشرطة ومكاتب الاستخبارات لا تزال تلاحق عائلات المختفين والمدافعين عن حقوقهم عبر استدعاءات متكررة وتحقيقات ميدانية ومراقبة، بما في ذلك تهديدات مرتبطة بالتواصل مع آليات الأمم المتحدة.

وتقول شهادات موثقة إن عناصر من إدارة التحقيقات في قضايا الإرهاب استجوبوا أقارب مختفين داخل منازلهم وطلبوا معلومات عن زياراتهم إلى جنيف أو تواصلهم مع مشاريع المساءلة، وبحسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان تولد هذه الممارسات حالة من الخوف وتثني الضحايا عن تقديم أدلتهم أو المشاركة في آليات دولية. 

قانون منع الإرهاب

يعود قانون منع الإرهاب إلى مرحلة سابقة من تاريخ سريلانكا لكنه ظل محط انتقادات حادة لأنه يمنح سلطات واسعة للاحتجاز لفترات طويلة دون تحقيق فعال، وقد أظهرت بيانات رسمية وأممية تصاعد استخدام هذا القانون خلال العامين الأخيرين، بما في ذلك احتجاز عشرات الأشخاص بمقتضاه في 2024 ومطلع 2025، وهو ما يوقظ مخاوف من توظيف أحكامه لتعطيل عمل منظمات المجتمع المدني ومضايقة النشطاء والصحفيين، وطالبت منظمات حقوقية دولية بإلغاء أو إعادة صياغة شاملة لهذه التشريعات لضمان التوازن بين مكافحة الإرهاب واحترام الحقوق الأساسية وفق منظمة العفو الدولية.

وأعادت زيارة مفوض حقوق الإنسان الأممي إلى موقع مقبرة جماعية في تشيماني قرب جافنا ملف الاختفاءات القسرية إلى الواجهة الإعلامية والحقوقية، بعد اكتشاف عشرات الرفات التي قد تعود إلى ضحايا احتجزوا لدى القوات الأمنية، وهذا الاكتشاف عزز دعوات خبراء الطب الشرعي المستقلين لإجراء تحقيقات متعمقة ومحايدة، ولفت الانتباه إلى أن مواقع الدفن الجماعي خلال عقود الصراع لم تخضع لتحقيقات قضائية جادة تقود إلى محاسبة.

وفق تقارير أممية، فإن اكتشاف مثل هذه المواقع في سريلانكا يبرز استمرار وجود بنى مُمكّنة للانتهاكات في غياب إصلاحات مؤسسية فعالة بحسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

ردود المنظمات الحقوقية

هيومن رايتس ووتش والأمم المتحدة ومجموعات حقوقية دولية طالبت بوضوح بتمديد تفويض آليات المساءلة الدولية وجمع الأدلة، وحثت الحكومة على وقف المضايقات ضد العائلات والسماح بتحقيقات مستقلة، ودعت منظمات محلية كذلك إلى حماية الشهود ووضع آليات لحماية المتعاونين مع الأمم المتحدة من أعمال انتقامية، وفي المقابل، تشير تقارير إلى أن إجراءات إدارية وقضائية اتخذت جزئياً، لكن وتيرة التنفيذ بطيئة.

وتتقاطع في سريلانكا عوامل عدة تقيّد المساءلة، منها تعدد سلطات إنفاذ القانون واختلاف ممارساتها عبر مناطق السيطرة، ونقص كفاءات التحقيق الجنائي والطب الشرعي، ولجوء أجهزة الأمن إلى تشريعات واسعة الصلاحيات، إضافة إلى ضغوط سياسية تقيّد استقلالية النيابات العامة والمحاكم.

وعلاوة على ذلك، فإن بعض التزامات الدول تجاه مكافحة الإرهاب تُستخدم ذريعة لفرض قيود على المنظمات غير الربحية وتجميد التحويلات المالية، مما يضعف قدرة المجتمع المدني على توثيق الانتهاكات وتقديم دعم قانوني للضحايا. 

الحاجة لآليات مستقلة

التحرك القضائي الفيدرالي الأخير الذي طالَب INCRA في سياقات أخرى إلى تصحيح أوضاع أراضٍ غير قانونية يذكرنا بأن المؤسسات المحلية قادرة على اتخاذ إجراءات، لكن في ملف الانتهاكات الحقوقية المطلوب أكثر من مذكرات إدارية.

وتقر الأمم المتحدة بضرورة تفويض فرق دولية مستقلة تضم خبراء في الطب الشرعي والقانون الجنائي للتحقيق في المقابر الجماعية وكشف مصير المختفين، مع ضمان حماية من يكشفون عن معلوماتهم، كذلك تطالب هيئات أممية ومجموعات حقوقية بتجديد تفويض مشروع المساءلة في المجلس وتوسيع نطاق جمع الأدلة لحفظها لاحقاً أمام محاكم وطنية أو دولية. 

التزامات القانون الدولي

القانون الدولي لحقوق الإنسان والالتزامات المتعلقة بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية تفرض على الدول واجب التحقيق والملاحقة والمتابعة، حيث تدعو الاتفاقيات الأممية إلى عدم الإفلات من العقاب وضمان حقوق الضحايا في معرفة الحقيقة والحصول على تعويضات.

وفي حال عجز الأجهزة الوطنية، فإن المجتمع الدولي يمتلك أدوات مختلفة، من دعم التحقيقات الفنية إلى إحالة القضايا إلى هيئات دولية أو تقديم مساعدات قضائية ورفع مستويات المراقبة الدولية. 

تجمع توصيات الجهات الحقوقية على أولويات قابلة للتنفيذ تشمل إعلان وقف فوري لمضايقات العائلات، ووقف الملاحقات التعسفية بمقتضى قوانين مكافحة الإرهاب، ودعوة خبراء دوليين مستقلين لإجراء تحقيقات طبّية وقضائية في مواقع المقابر الجماعية، وتفعيل حماية الشهود والمبلغين.

وتطالب التقارير بتجديد تفويض الأمم المتحدة لجمع الأدلة وإتاحة الوصول للمجتمعات المتضررة، بالإضافة إلى دعم تمويل برامج العدالة الانتقالية وبناء قدرات النيابات والمحاكم المحلية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية