"إم 23 في مرمى الاتهام".. أدلة تضع الحركة أمام مسؤولية جرائم ضد الإنسانية بالكونغو

"إم 23 في مرمى الاتهام".. أدلة تضع الحركة أمام مسؤولية جرائم ضد الإنسانية بالكونغو
عناصر من حركة إم23 في الكونغو

وثّقت تقارير أممية وحقوقية ميدانية وقوع موجة من عمليات الإعدام الميداني الجماعي في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية خلال يوليو 2025، نفّذتها حركة إم23 أو بُعيد مناطق خاضعة لسيطرتها قرب منتزه فيرونغا. 

وتشير مجموعات الشهود وصور الفيديو والأدلة الجغرافية والطب الشرعي إلى أن أكثر من مئة وأربعين مدنياً قُتلوا بإجراءات موجزة في عشرات القرى والحقول، فيما تُشير تقديرات أخرى للأمم المتحدة إلى أن عدد القتلى قد يبلغ أكثر من ثلاثمئة في إقليم روتشورو.

وتحمل التقارير إم23 المسؤولية المباشرة، وتثير أيضاً شبهات حول مشاركة أفراد من القوات الرواندية، ما يستدعي تحقيقات دولية مُستقلة وسَریعَة لحفظ الأدلة وملاحقة المسؤولين، وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

مشاهد إعدام ومقابر مؤقتة

بين 10 و30 يوليو 2025، أفادت شهادات ناجين ومزارعين وموثّقين ميدانيين بأن مقاتلي حركة إم 23 داهموا نحو 14 قرية ومواقع زراعية على أطراف متنزه فيرونغا، واعتدوا على سكانها بعمليات إعدام ميدانية بالسلاح الأبيض والناري، ورُمِيَت بعض الجثث في مجارى الأنهار، بينما أمرت الجماعات الناجين بحفر مقابر سريعة أو ترك الجثث مكشوفة.

ووصف شهود سلسلة حوادث ارتكبت بحق أسر كاملة، بينهم نساء وأطفال، وأبلغت فرق طبية عن عدد من المصابين الذين نُقلوا إلى مرافق صحية قريبة، وأشارت تسجيلات ولقطات صور حلّلها خبراء طب شرعي إلى آليات تنفيذ تتواءم مع تصفيات ميدانية ممنهجة. 

هيومن رايتس ووتش جمعت قائمة تتضمّن 141 قتيلاً أو مفقوداً مؤكداً في حصيلة أولية، بينما قدّرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان وقوع ما لا يقل عن 319 قتيلاً بين 9 و21 يوليو في أربعة قرى بإقليم روتشورو، وهو ما يُعدّ من بين أكبر حصيلة موثقة للقتلى في هجمات جماعية منذ عودة إم23 للظهور في أواخر 2021، وهذا التفاوت في الأرقام يعكس صعوبة التحقق الميداني في مناطق النزاع ووجود مقابر مؤقتة وإعاقة الوصول الأمني للمحققين. 

من يقف وراء المجازر؟ 

التحقيقات الأولية وشهادات السكان أجمعت على أن تنفيذ هجمات يوليو منسوب إلى مواقف وتشكيلات حركة إم23، وأن عناصر من القوة الرواندية شاركت أو دعمت هذه العمليات بحسب شهود عرفوا الجنود عبر زيّهم ولهجاتهم، وقد أثار نفوذ الحكومة الرواندية على إم23 مُنذُ عودة الحركة تساؤلات المجتمع الدولي.

ورغم نفي نيروبي في بعض المناسبات، فإن تقارير أممية وحقوقية أكدت معلومات تُرجح تدخلاً أو دعمًا لوجستيًا أو استخباريًا من رواندا، في السياق ذاته، تُعدّ هذه الهجمات جزءًا من حملة أوسع لاستهداف جماعات معارضة وروابطها، وبخاصة القوات الديمقراطية لتحرير رواندا (FDLR)، وهو ما استخدمته جهات عديدة كتبرير عسكري. 

الاستهداف في معظم الحوادث استهدف بوضوح مدنيين من أصول “هوتو” وبدرجة أقل “ناندي”، وهو ما أطلق تحذيرات من مخاطر تطهير عرقي محلي إن استمرت العمليات بهذا المنوال، فالمشهد ينسجم مع أساليب ضغط على السكان من خلال منع الوصول إلى الحقول، واحتجاز الرجال، وفرض ضرائب على المحصول، ثم حملات تطهير في أعقاب عمليات عسكرية ضد فصائل مسلحة معارضة، واستعمال السواطير والرصاص إلى جانب إجبار الأهالي على دفن الجثث بسرعة يُظهر رغبة في طمس الأدلة وخلق مناخ رعب إقليمي.

آليات التحقيق المنقوصة

منظمات مثل هيومن رايتس ووتش طالبت بحصول محققين دوليين وخبراء طب شرعي مستقلين على وصول فوري إلى مواقع الحوادث في الكونغو لحفظ الأدلة وتحليل البقايا، وهو أمر مشروط بالسماح من الأطراف المسيطرة على الأرض، لكن القيود الأمنية والسياسية، وتكرار محاولات تشويه الحقائق من قبل أطراف متهمة بالنفي، أعاقتا توثيقًا أسرع وحَسَما فوريًا للأدلة، وقد دعت الأمم المتحدة إلى تحقيقات مستقلة وأكدت ضرورة مساءلة القادة الذين كانوا يعلمون أو كان ينبغي عليهم أن يعلموا بارتكاب الانتهاكات.

القانون الإنساني الدولي يحظر استهداف المدنيين والإعدامات الميدانية والتعذيب والتهجير القسري، ويواجه الأشخاص الذين نفّذوا أو أمروا بهذه الأعمال مسؤولية جنائية بموجب أسس جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، كما تنطبق قواعد مسؤولية القيادة على القادة الذين لم يتخذوا خطوات لردع الانتهاكات أو محاسبة مرتكبيها، وتُتيح مبادئ الاختصاص القضائي العالمي لدولٍ خارجية فتح تحقيقات أو محاكمات عندما تفشل الأنظمة الوطنية، كما يمكن لمجلس الأمن ممارسة آليات ضغط سياسي وفرض عقوبات واستدعاء المساءلة الدولية.

تداعيات إنسانية

المجازر أعادت تفجير نزوح داخلي واسع، وعرقلت موسم الحصاد في مناطق زراعية خصبة قرب المتنزه، وزادت من هشاشة السكان أمام الجوع والانتهاكات، بينما ازدادت فترات خروج السكان إلى المخيمات، كذلك فُتح الملف السياسي في وقت حسّاس بعد اتفاقيات سلام وساطة دولية أُعلن عنها قريباً، ما يضع مصداقية الأطراف الراعية للسلام على المحك إذا لم تُتخذ إجراءات رادعة واضحة ضد مُرتكبي الفظائع. 

تدعو التوصيات والأصوات الحقوقية إلى خطوات متزامنة تتمثل في فتح تحقيق دولي مستقل بدعم من الأمم المتحدة وخبراء طب شرعي، وفرض عقوبات مُستهدفة على القادة والكيانات التي تدعم العنف، مراجعة وإيقاف أي مساعدات عسكرية قد تُستخدم لارتكاب انتهاكات، وحماية إمكانية إحالة الملفات إلى محاكم دولية إذا فشل المسار الوطني. كما تُوصي بتمكين بعثة بعيدة المدى لمونوسكو لحماية المدنيين وتسهيل وصول المنظمات الإنسانية، وضمان حماية الشهود والضحايا من الاضطهاد والانتقام، بحسب المفوضية السامية لحقوق الإنسان.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية