400 ألف طفل على حافة الموت.. الأمن الغذائي في نيجيريا ينهار بين النزاع والمناخ
400 ألف طفل على حافة الموت.. الأمن الغذائي في نيجيريا ينهار بين النزاع والمناخ
حذّر بيان مشترك للحكومة النيجيرية والأمم المتحدة بمناسبة اليوم العالمي للعمل الإنساني من أن أزمة انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في البلاد بلغت حد الكارثة، وأن حياة نحو 400 ألف طفل مهددة إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لوقف اختفاء الإمدادات العلاجية والغذائية، لافتا إلى أن هذا الخطر الفوري يرتبط بانهيار سلاسل الإمداد الغذائي وتوقف مخزونات التغذية العلاجية في مناطق متأثرة بالنزاع والفيضانات والفقر.
تُظهر التقديرات الحكومية والأممية اتساعاً غير مسبوق في نطاق الجوع والمآسي المرتبطة به: نحو 31 مليون شخص يواجهون حالة انعدام أمن غذائي حاد، وأكثر من عشرة ملايين طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء تغذية حاد، منهم نحو 3.5 مليون طفل في حالات سوء تغذية حادّة شديدة تتطلّب علاجاً طارئاً، وهذه المؤشرات تعني أن الاحتياجات الإنسانية تتجاوز طاقة الاستجابة الحالية.
تغير مناخي وانهيار اقتصادي
تتداخل عوامل عدة لتفجير هذه الأزمة، أولها استمرار النزاع المسلح في أجزاء من الشمال الشرقي والشمال الغربي حيث يعوق الوصول ويجبر مئات الآلاف على النزوح، بينما يدمر المحاصيل ويقطع شبكات سوق الغذاء، وثانيها موجات فيضانات موسمية وأحداث مناخية متطرفة دمرت محاصيل ومراعي وأثّرت في الأمن الغذائي على المدى المتوسط، وثالثهاً التدهور الاقتصادي في البلاد، مع تضخم مرتفع وارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية وانخفاض القدرة الشرائية، والذي أجبر الأسر على تقليص حصص الطعام والأساليب الغذائية الآمنة، ما جعلها عرضة لسوء التغذية، وقد ربطت تقارير رصد وإعلامية خسائر المحاصيل والفيضانات وارتفاع الأسعار بانهيار إنتاج محلي كافٍ لتغطية الحاجات الأساسية، وفق رويترز.
تأتي الأزمة في وقت يشهد فيه تمويل الاستجابة الإنسانية تقلصاً ملحوظاً، ما دفع وكالات الإغاثة إلى خفض خدماتها أو إيقاف بعضها، وحذرت منظمات الأمم المتحدة من أن برامج الغذاء والتغذية الرئيسية، بما فيها عمليات برنامج الأغذية العالمي، اضطرت لتقليص الدعم أو تعليق توصيل المساعدات في أجزاء مختلفة بسبب نفاد التمويل، فيما قد يفقد أكثر من مليون شخص وصولهم إلى برامج غذائية مهمة، وهذا الانكماش في الموارد يزيد من احتمالات نفاد مراكز علاج سوء التغذية ووقف مراكز التغذية العلاجية التي تعتمد عليها آلاف الأسر.
تهديد حياة الأطفال
أفادت تقارير أممية ومحلية بإغلاق أكثر من 150 مركزاً للتغذية في نيجيريا وذلك في مناطق مثل ولاية بورنو وحدها نتيجة توقف التمويل، ما ترك مئات الآلاف من الأطفال دون الوصول إلى علاجات غذائية مجانية ومنقذة للحياة.
وتشبر تقديرات مؤسسات مرجعية إلى أن نحو 300 ألف طفل قد يتعرضون لخطر سوء تغذية حاد إثر إغلاق هذه المراكز، وفي هذا السياق، تحذر اليونيسف من أن مخزون التغذية العلاجية مهدد بالنفاد وأن أكثر من 400 ألف طفل يواجهون تعطلاً في العلاج ما لم يُعد تزويد المخزونات بسرعة.
منظمات طبية مثل أطباء بلا حدود وثّقت وفيات وارتفاع حالات القبول في مراكز التغذية، وتربط ذلك مباشرة بتوقف الدعم والقيود المالية على برامج العلاج، كما سجلت تقارير ميدانية في ولايات متأثرة مئات الوفيات بين الأطفال بسبب مضاعفات سوء التغذية خلال أشهر، بينما تتضاعف حالات دخول المستشفيات بمعدلات أسبوعية تفوق قدرة العاملين المتبقية على المعالجة.
مسؤولية الدول المانحة
وفق الأدوات الدولية المعروفة، تُحمّل قوانين حقوق الإنسان الدول مسؤولية حماية الحق في الغذاء والحق في الصحة، كما تلزم الاتفاقيات الدولية بالدفع باتجاه تقديم المساعدات الإنسانية للوصول إلى المحتاجين دون تمييز، إذ تُعد العدالة في توزيع المساعدات والالتزام المالي الدولي جزءاً من التزامات فاعلين متعددين، من حكومات إلى مؤسسات مانحة، وفي وقت تتراجع فيه مساهمات عدد من المانحين الرئيسيين، تؤكد وكالات أممية أن تقليص التمويل قد يرقى إلى إضرار متعمد بحقوق الأطفال.
دعت الأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي واليونيسف ومنظمة "سيف ذا تشيلدرن" والمجتمع الإنساني الدولي إلى تعبئة موارد عاجلة لتمويل برامج التغذية الطارئة وتوريد مخزونات التغذية العلاجية، كما حذرت منظمات حقوقية محلية ودولية من أن تقليص المساعدات يفاقم الأزمات الأمنية ويهدد الاستقرار الإقليمي، وطالبت بآليات تمويل بديلة وسريعة وتأمين الوصول الإنساني إلى المناطق المتضررة، كما ناشدت منظمات المجتمع المدني النيجيري المانحين لضمان استمرار عمل العيادات ومرافق التغذية والوصول الآمن للفرق الميدانية.
محددات الاستجابة وسبل المُعالجة العاجلة
وفق مراقبين حقوقيين فإن الواقع الأمني واللوجستي يفرض قيوداً على إيصال المساعدات ومن هذه القيود طرق مقطوعة، ومخاوف أمنية للفرق، ونقص في السلسلة اللوجستية للتخزين البارد للمواد الغذائية العلاجية، لافتين إلى أن هناك إجراءات يمكن اتخاذها عاجلاً تشمل إطلاق جسر تمويل طارئ لتوريد وحدات التغذية العلاجية، وإعادة فتح مراكز التغذية المتوقفة، تأمين ممرات إنسانية للوصول إلى المناطق المعزولة، ودعم الشركاء المحليين القادرين على الوصول، وتنسيق فوري بين الحكومة والجهات المانحة لتوزيع النقد الغذائي والمساعدات، كما تطالب وكالات عدة بتركيز التمويل على حماية الأطفال دون الخامسة والمعالجات المتخصصة للحد من الوفيات الفورية وفق برنامج الأغذية العالمي.
الأرقام والحقائق الميدانية تضع نيجيريا أمام مفترق حقيقي؛ إما تعبئة تمويل سريع واستعادة مخزون العلاجات الغذائية وإنقاذ مئات الآلاف من الأطفال، وإما استقبال موجة من الوفيات والمضاعفات الصحية طويلة الأمد التي ستنمو لتصبح عبئاً اجتماعياً وأمنياً أوسع، فالأزمة الحالية ليست مجرد أزمة طارئة بل انعكاسا لتراكم نزاعات، وصدمات مناخية، وأخطاء اقتصادية وسياسات تمويلية دولية، والاستجابة الفعالة تتطلب توفر التمويل، وضمانات أوسع لأمن وصول المساعدات، وتدخلات عاجلة تضع الأطفال والنساء كأولوية تنموية.