التربية الجنسية بفرنسا.. "أداة للتحرر" أقرها القانون لكن تطبيقها "هزيل"
التربية الجنسية بفرنسا.. "أداة للتحرر" أقرها القانون لكن تطبيقها "هزيل"
لا يزال المجتمع الفرنسي يعاني عجزا ملحوظا ومستمرا في مجال المساواة بين الرجل والمرأة، ما دفع المجلس الأعلى للمساواة في البلاد لاقتراح خطة عاجلة توصي بضمان تطبيق أوسع لدروس التوعية بالتربية الجنسية.
وأمام تزايد تأثير البورنوغرافيا لدى شريحة الشباب، تعالت أصوات المتخصصين للتعبير عن قلقهم من ضعف برامج التربية الجنسية في المؤسسات التعليمية، وفق وكالة "فرانس برس".
أفاد المجلس الأعلى للمساواة في فرنسا -في تقرير أعده الأربعاء، بمناسبة اليوم الوطني لمكافحة التحيز الجنساني ضد المرأة- بأن هذه الآفة تفاقمت وتسارعت في السنوات الأخيرة، مضيفا أنها تطول أجيال اليوم أكثر من غيرها في السابق.
وأوصى المجلس بإضافة مادة خاصة في قانون 2001، لإقرار إلزامية دروس توعوية متعلقة بالتربية الجنسية والتي من المقرر ألّا تقل عن ثلاث (حصص) في العام الدراسي بكل المؤسسات التعليمية، من المدرسة التحضيرية إلى الثانوية.
وأظهر تقرير أعدته المديرية العامة لوزارة التربية الفرنسية في يوليو 2021، وتم نشر نتائجه في 2022، أن نسبة التربية الجنسية والعاطفية في المدارس المتوسطة بلغت 20 في المئة، وأن النسبة في المدارس الثانوية لم تتعدَ 15 في المئة.
وفي وقت متزامن، أفادت جمعية "نحن النساء" المدافعة عن حقوق المرأة في تحقيق أجرته بين 2021 و2022 بأن نسبة حصص التربية الجنسية بالمؤسسات التعليمية بلغت 13 في المئة فقط، أي ما يعادل 2.7 جلسة من أصل 21 أقرها قانون 2001.
المراهقون والبرامج الإباحية
لمعالجة هذه الأمور الحساسة والمعقدة، يُعنى بعض المتخصصين في التربية والعلاج الجنسي بتوعية الشباب بالمؤسسات التعليمية في البلاد، ومن بينهم مارغو فريد-فيليوزا التي تلقي دروسا توعوية في منطقة باريس، أي العاصمة وضواحيها.
وقالت فيليوزا، إن غالبية البنات بالمدارس المتوسطة يتساءلن عن "المعايير التي تسمح لهن بالانخراط في مجموعة ما"، مشيرة أن إحدى الفتيات سألتها يوما "هل أنا مضطرة لقبول كل شيء؟" خلال ممارستها الجنس لأول مرة.
وكشفت مارغو فريد-فيليوزا عن أسئلة أخرى أثارت لديها الإحراج، فبعض المراهقات استفسرن عن ممارسة ما يسمى "البوكاكي" (سلوك جنسي) أو حتى عن ممارسة الجنس مع حيوانات.
وتعزي المتخصصة سبب هذه التساؤلات المربكة إلى أن "المراهقات لا يعرفن الحياة الجنسية سوى من بوابة البرامج الإباحية، والتي تؤثر في مفهومهن للجنس".
وأكد تحقيق أجرته جمعية "الذاكرة المؤلمة" أن شابا من أصل ثلاثة لدى شريحة 18-24 عاما مقتنع بأن البرامج الإباحية هي وسيلة مثل غيرها من الوسائل من أجل تعلم التربية الجنسية.
هذا ما جعل البرلمانيين الفرنسيين يتحركون لأجل حماية المراهقين من خطر التعرض للمواد الإباحية، فقد دعا تقرير برلماني في سبتمبر 2022، الحكومة إلى مكافحة "تجاوزات الصناعة الإباحية".
ويبدو واضحا أن دروس التربية الجنسية ضرورية لأجل مكافحة العنف الجنسي والجنساني، وذلك من خلال التركيز على مفهوم "الموافقة".
ولاحظت المتخصصة في التربية والعلاج الجنسي مارغو فريد-فيليوزا أن "الكلمة تتحرر لدى الشباب" عندما تستخدم الكلمات اللازمة في حديثها معهم، وهي تلجأ إلى كلمات صريحة واضحة من دون لبس أي حياء.
لكن، في غالب الأحيان، يتطرق الطلاب لموضوع التربية الجنسية من خلال برامجهم المدرسية العادية المقررة ضمن مادة "علوم الحياة والأرض" وليس عبر دروس وحصص توعوية خاصة ولا على يد متخصصين مثل مارغو فريد-فيليوزا.
وتقول المتخصصة ساخرة: "التكاثر والممارسة الجنسية مفهومان مختلفان".
الوقاية من العنف الجنسي
تُجمعُ الناشطات والحركات النسوية على أن المؤسسات التعليمية تلعب دورا بارزا في مجال الوقاية من العنف الجنسي والجنساني، فقد أكدت سارة دوروشي، وهي رئيسة هيئة "التنظيم السري" العمومية، أن "التربية الجنسية هي وسيلة للتحرر، سواء فرديا أو جماعيا، إذ تتيح للطالب فرصة تغذية ذهنه وتطوير حسه النقدي"، وهو ما يفسر العمل الذي تقوم به الهيئة تجاه 150 ألف شاب وشابة في 3500 ألف مؤسسة تعليمية، من الابتدائي حتى الثانوي.
وتقول سارة دوروشي، إن العنف الجنسي سببه "المجتمع الأبوي الذي يشجع الجنسانية منذ الطفولة"، وبالتالي فإن التركيز على دور المرأة في كتب القصص الابتدائية مثلا سيساعد على دفع الأطفال إلى فهم معنى المساواة.
ويوصي قانون التربية 2001 بتناول بعض القضايا المركزية، بينها الأمراض المنقولة جنسيا ومنع الحمل وسن البلوغ، فضلا عن مسائل التحيز الجنساني ومعاداة المثلية، فالقانون -كما تضيف دوروشي- واضح لكن المشكلة في التطبيق.
من جهتها، تشدد جينيفرا برساني المتخصصة في الاقتصاد ومؤلفة كتاب "ثمن الرجولية"، على أن "المؤسسة التعليمية ليس لديها الحل لكل المشكلات"، مشيرة أيضا إلى دور الأسرة والدين والتلفزيون في التربية الجنسية.
وتضيف قائلة، إن "الأولاد أيضا يتأثرون من النظام الأبوي والذي يمنعهم من التعبير عن مشاعرهم أو الحديث عنها لأن ذلك خارج إطار الرجل القوي الشجاع الذي لا يخيفه شيئا".
وختمت مارغو فريد-فيليوزا بالقول إن حركة "أنا أيضا" ساهمت في تحرير صوت الفتيات بالمدارس.
وتشير إلى أن عدد الفتيات اللاتي يناضلن في مجال حقوق المرأة في ارتفاع مستمر، مضيفة أن الحديث عن مسائل جنسية مثل ممارسة العادة السرية لدى النساء بات أمرا عاديا لدى الكثير منهن.
وتشيد المتخصصة بانتشار الحسابات المتعلقة بالتربية الجنسية على مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المنصات الشبابية مثل "تيك توك" أو "سناب تشات".