المرأة التونسية.. مكاسب تقدمية وحقوق بعضها لا يزال حبراً على ورق

لا تزال تواجه التحديات والمعوقات

المرأة التونسية.. مكاسب تقدمية وحقوق بعضها لا يزال حبراً على ورق

ربما لم تحظَ امرأة في الوطن العربي بثلاثية الحقوق والحريات والتمكين مثلما حظيت المرأة التونسية قبل عقود، ورغم ذلك لا تزال هناك انتقادات وأقاويل بأن بعض تلك الامتيازات لا تزال حبراً على ورق.

ونالت النساء في تونس حقوقا تقدمية إلى حد سن تشريع ينص على مساواة المرأة بالرجل في الميراث، كما يمنع قانون الأحوال الشخصية في تونس تعدد الزوجات ويقر الزواج المدني والطلاق عبر القضاء.

وتحتفل تونس في 13 أغسطس من كل عام بعيد المرأة، وهو التاريخ الذي يوافق ذكرى ‏تبني مجلة الأحوال الشخصية قوانين للأسرة، تحوي تغييرات جوهرية تعتبر الأهم بالنسبة للمرأة في البلاد.‏

ورغم إقرار مجلة الأحوال الشخصية العديد من حقوق المرأة التي اعتبرت حينها ثورة فكرية، إلا أن العديد من ‏الحقوقيات أكدن أن المساواة لم تتحقق بعد على أرض الواقع.‏

ويعتبر الكثير من النساء التونسيات هذا التاريخ الانتصار الأهم في مسار العمل من أجل حقوق المرأة، حيث ‏كفلت هذه الحقوق تشريعات منع تعدد الزوجات ومنح حق الطلاق للمرأة والحق في التعليم والعمل والمساواة.

وقضى القانون بعدم إقرار الزواج إلا بشرط رضاء الزوجين ومنع إكراه الفتاة من الولي، ومنع الزواج ‏المبكر عبر تحديد الحد الأدنى للزواج بـ17 عاما للفتاة و20 عاما للشاب.‏

ومنحت التعديلات الجديدة التي أقرت عام 1993 في قانون الأحوال الشخصية، الحق للمرأة في تمثيل ‏أطفالها في المحاكم، وأيضاً القدرة على نقل جنسيتها إلى أطفالها بالطريقة ذاتها التي أتاحها القانون للرجال.

ورغم كل تلك المكاسب والحقوق غير المسبوقة في الوطن العربي، إلا أن العديد من الإحصائيات أكدت ‏تعرض نسبة كبيرة من النساء التونسيات للعنف، ما دفع منظمات المجتمع المدني والحقوق ‏للمطالبة بتشريعات لمكافحة العنف ضد المرأة.

حبر على ورق

ووفق آراء ناشطات نسويات، فإن المرأة التونسية حققت العديد من المكاسب على المستوى ‏العام في البلاد، أبرزها عدم تعدد الزوجات وعدم الزواج خارج الإطار ‏القانوني، استتبعها العديد من التشريعات الهامة للمرأة، كحق السفر وقانون ‏مكافحة العنف ضد المرأة.‏

لكنهن عدن ليؤكدن أنه "لا يمكن الحديث عن المساواة التامة بين الجنسين، في ظل وجود العديد من الثغرات، والتي يأتي أبرزها القوانين التمييزية، ومنها أن الزوج هو رئيس العائلة، في حين أن التطور الذي عرفته تونس، يؤكد أن ‏المسؤولية مشتركة".‏

والمرأة التونسية كباقي النساء العربيات ما زالت تحت الوصاية الذكورية، حيث إنها لم تتحصل على ‏حقوقها كاملة حتى الآن، رغم تقدمية القانون الخاص بالمساواة في الميراث والمساواة التامة في الحقوق والحريات، حيث يبقى ‏المطلب الأهم، وهو تضافر كافة الجهود لتنفيذ ذلك على أرض الواقع.

ورغم تطور الفكر النسوي وتعدد أشكال النضال في تونس ‏وتطور المجتمع، لكن كل الإحصائيات والأرقام تؤكد تراجع وجود المرأة في مراكز القرار والقيادة وفي تقلّد ‏المناصب السياسية في البلد العربي.‏

تباهي النخبة

وعادة ما تتباهى النخبة السياسية في تونس بالتشريعات التقدمية، التي وضعتها الدولة منذ فترة حكم الزعيم ‏الليبرالي الراحل الحبيب بورقيبة في خمسينيات القرن الماضي.‏

وخلال العقد الأخير أزالت السلطة كل العقبات أمام حق المرأة في الزواج بغير المسلم، وأصدرت قانوناً يجرم ‏العنف ضد المرأة بما في ذلك العنف الأسري. 

وطرح الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي مبادرة من أجل ‏إقرار المساواة الكاملة في الميراث بين الجنسين، لكنها ظلت مبادرة معلقة بعد رحيله في 2019 وفي ظل ‏تحفظ الطبقة الدينية وعدد من الأحزاب.‏

غير أن الواقع لا يبدو وردياً على عكس ما تشير إليه التشريعات والمبادرات القانونية، فقبل عام زار الرئيس ‏الحالي قيس سعيد، حقلاً زراعياً بالمنطقة الريفية في ولاية جندوبة، وتعهد ‏للنساء العاملات في جني المحاصيل بتمكينهن من حقوقهن فيما يرتبط بالمساواة في الدخل مع الرجل.‏

وفي هذا الشأن، قالت الصحفية التونسية، رحمة الباهي، إن خطاب الرئيس سعيد لم يحمل أي جديد ‏يمكن أن نذكره في موقفه من قضية حقوق النساء، فقد كرّره في أكثر من مناسبة، غير أنّ الجديد هذه المرة ‏هو الدستور الذي وضعه الرئيس والذي فتح الباب أمام العديد من المخاوف بخصوص مستقبل ‏المرأة في تونس. ‏

وتضيف الباهي لـ"جسور بوست": "الدستور الجديد كان وفيّا لرؤية رئيس الجمهورية، الذي عبّر في أكثر من مرّة عن رفضه ‏المساواة في الإرث، فضلا عن أطروحاته المحافظة بخصوص المسائل ذات العلاقة بالحريات الفردية، فلم ‏يخف مواقفه المحافظة إزاء قضايا حقوق الإنسان عموماً وحقوق النساء وخاصّة المساواة ‏في الميراث حتى قبل نجاحه في الوصول إلى قصر قرطاج في الانتخابات الرئاسية المبكرة لسنة 2019".‏

وقد كان سعيد واضحاً في موقفه من قضية المساواة في الإرث، وبقي متشبثاً بموقفه حتى بعد تولّيه مقاليد ‏الحكم ليؤكد مجدّدا، أمام جمع من الوجوه الحقوقية النسوية بمناسبة الاحتفال بعيد المرأة في 2021، أن ‏‏"المسألة محسومة بنصّ قرآني واضح لا يقبل التأويل، وأن منظومة الإرث في الإسلام تقوم على العدل ‏والإنصاف".‏

وذهب رئيس الدولة آنذاك إلى القول إنّ "الصراع حول الإرث والميراث هو صراع خاطئ، والأجدر هو تحقيق ‏المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية قبل الحديث عن فقه المواريث".‏

ولكن في ظل الأزمة السياسية التي تعصف بتونس ومع تعطل أشغال البرلمان، الذي جمد سعيد ‏اختصاصاته، ليس واضحا متى ستوضع تلك التشريعات.‏

العنف ضد المرأة

ويشير وضع المرأة التونسية في كثير من الإحصاءات الرسمية إلى تدنٍ مقلق، فمقارنة بنسب التفوق ‏الواضحة في قطاعات التعليم مثلا، حيث يمثلن 65 بالمئة من الحاصلين على شهادات عليا، لا تستحوذ المرأة ‏التونسية على سوى 25 بالمئة من المناصب القيادية و8 بالمئة في التمثيل الدبلوماسي.

وتراجع تمثيلها ‏في البرلمان بعد انتخابات 2019 إلى 23 بالمئة بعد أن كانت في حدود 36 بالمئة إثر انتخابات 2014، ‏وذلك رغم إقرار قانون التناصف في القوائم الانتخابية إلى جانب تمثيلها الضعيف في النقابات.‏

ورغم ما تحقق من مكاسب على الأرض بالنسبة للمرأة التونسية، فإن نشطاء في مجال حقوق الإنسان يرون ‏ضرورة العمل على تغيير العقليات داخل المجتمع في كل ما يخص أشكال العنف المسلط على النساء من ‏عنف مادي ونفسي واقتصادي، لأن تبرير العنف في الحياة الخاصة يؤدي إلى تواصل الجرائم ضد النساء.

وتشهد تونس في السنوات الأخيرة ارتفاعاً لجرائم العنف المادي والنفسي والسيبراني تجاه ‏النساء، رغم مرور 4 سنوات على دخول قانون مناهضة العنف ضد النساء بمختلف أشكاله حيز النفاذ، ‏وذلك بسبب بطء نفاذ القانون وعدم التركيز على المقاربة الوقائية من العنف، وفق ما جاء في آخر  تقارير ‏المرصد الوطني لمكافحة العنف ضد النساء.‏
 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية