بسبب حادث فردي.. أزمة التمييز ضد ذوي البشرة السمراء تعود للواجهة في تونس

بسبب حادث فردي.. أزمة التمييز ضد ذوي البشرة السمراء تعود للواجهة في تونس
احتجاجات رافضة للعنصرية في تونس - أرشيف

لم تكن المواطنة التونسية فاطمة بن بركة تتوقع أن يُشك في هويتها لمجرد أن بشرتها سمراء، حيث رفض سائق تاكسي نقلها ظنًا منه أنها "أجنبية"، ثم أشار إلى زميله "ذي البشرة السمراء" لتوصيل "أقربائه"، ففجّرت موجة من السخط في الشارع التونسي، وكشفت مجددًا عن وجه خفي لكنه حاضر بوضوح ممثلاً في العنصرية البنيوية التي يتعرض لها الأفارقة وذوو البشرة السمراء في تونس.

الحادثة، رغم بساطتها الظاهرية، سلطت الضوء على شبكة واسعة من الممارسات العنصرية والانتهاكات التي تطول فئات بعينها، لا بسبب جنسيتها أو وضعها القانوني، بل فقط بسبب لون بشرتها.

وتستند كثير من الممارسات العنصرية في تونس إلى قوانين قديمة، مثل قانون 1968 بشأن “حالة الأجانب” الذي يُجرّم تسهيل الإقامة أو الحركة لمهاجرين غير نظاميين، وقانون 2004 المعدل لقانون جوازات السفر، الذي يفرض عقوبات بالسجن والغرامة لكل من يساعد على تنقل المهاجرين.

ومن الواضح أن هذه النصوص، وإن كانت موجهة لتنظيم الهجرة، أصبحت تُستخدم أداة ضمنية لتبرير التمييز على أساس العرق أو اللون، في غياب تطبيق عادل وغير تمييزي لها.

نداءات أممية تتصاعد

في يونيو 2025، وجّهت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالقضاء على التمييز العنصري رسالة عاجلة إلى الحكومة التونسية، من خلال ممثلها الدائم في جنيف، محذرة من تصاعد العنف والكراهية ضد المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، بما في ذلك الطرد الجماعي والإخلاء القسري دون بدائل إنسانية.

التحذيرات الأممية شملت خطاب الكراهية الرسمي والإعلامي بما فيه تصريحات من برلمانيين ومسؤولين حكوميين حول "خطر التكاثر" لدى النساء الإفريقيات على التركيبة السكانية التونسية.

وتطرقت إلى عمليات الطرد الجماعي، حيث تم خلال الفترة من 2023 إلى 2024، ترحيل الآلاف إلى الحدود مع ليبيا والجزائر في ظروف لا إنسانية، إضافة إلى الإخلاءات القسرية خاصة في صفاقس، حيث تم تفكيك مخيم يأوي 7 آلاف مهاجر وطالب لجوء، دون أي بديل للسكن أو الغذاء، إضافة إلى الاحتجاز التعسفي والملاحقات القضائية ضد مهاجرين وضد منظمات المجتمع المدني المدافعة عنهم.

وأكدت اللجنة أن هذه الممارسات تمثل خرقًا مباشرًا للاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري التي صادقت عليها تونس، وطالبت بفتح تحقيقات فورية وتعويض الضحايا.

بين خوف ديموغرافي وصحوة حقوقية

في الداخل، تزداد الانقسامات، فبينما ترى شريحة من السياسيين أن "الوجود المكثف للأفارقة خطر على الهوية الوطنية"، ترد منظمات حقوق الإنسان والناشطون بأن ما يجري هو تطبيع مع العنصرية.

وتصر منظمات مثل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (FTDES) والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان على أن ما يحصل هو حملة ضد الفئات المهمشة، مدفوعة بتوجهات حكومية لتقليص الضغط الأوروبي المتزايد في ملف الهجرة.

وبحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، يقيم في تونس أكثر من 21 ألف لاجئ وطالب لجوء من دول إفريقيا جنوب الصحراء (2025).

وسجلت جمعية الأرض للجميع أكثر من 700 حالة طرد أو اعتداء جسدي على مهاجرين أفارقة خلال عام 2024 فقط.

وتعرض %68 من المهاجرين وطالبي اللجوء لتمييز لفظي أو جسدي في الأماكن العامة أو من قبل قوات الأمن، وفق استطلاع محلي أجرته منظمة "إنقاذ كرامة".

منظمات المجتمع المدني 

لا تقف الحملة عند المهاجرين أنفسهم، فقد طالت الملاحقة العديد من الجمعيات التي تقدم الدعم القانوني أو الغذائي أو الطبي للمهاجرين، حيث اعتُبرت نشاطاتها "تشجيعًا على الإقامة غير الشرعية".

أخيراً، أوقفت السلطات نشاط جمعية "لاجئ بلا حدود"، وهي منظمة معروفة بدورها في الدفاع عن حقوق الأفارقة، ما دفع العشرات من الحقوقيين إلى وصف ما يحدث بأنه "تجريم للعمل المدني".

يذكر أن تونس كانت من أوائل الدول التي ألغت العبودية في العالم العربي (عام 1846)، وفي عام 2018، أصبحت تونس من الدولة العربية الأولى التي تجرم العنصرية، بعد أن وضعت قانوناً يجرم التمييز العنصري ويُعاقب عليه بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات.

منظمات مناهضة للعنصرية

وتوجد في تونس بعض المنظمات المناهضة للعنصرية التي تعمل على إحداث تغيير مجتمعي منها، Voices of Tunisian Black Women، والتي تأسست هذه الحركة على يد سبع نساء قبل بضعة أشهر باسم “أصوات النساء السود التونسيات” وهي أول منظمة في البلاد مكرسة بالكامل للنساء السود في تونس.

تهدف المنظمة إلى إيصال أصوات التونسيات السود اللاتي يقعن في كثير من الأحيان ضحايا للعنصرية والتحرش الجنسي ومحاربة العنف الذي يمارسه المجتمع ضدهن، وأيضاً لخلق حراك حيوي في المجال النسوي التونسي لا يعترف بالتفرقة مهما كان شكلها.

وكذلك Terre d’Asile، التي تأسست في عام 2013، وهي الفرع التونسي للمنظمة الفرنسية التي تحمل نفس الاسم، وقد تشاركت هذه المنظمة مع رابطة الطلاب الأفارقة والمتدربين في تونس للمساعدة في الصعوبات التي يواجهها العديد من المهاجرين السود (الطلاب واللاجئين) عند الانتقال إلى تونس.

وتوجد أيضا Association Mnemty، والتي أسستها الناشطة المناهضة للعنصرية سعدية مصباح، وهي واحدة من المنظمات القليلة التي تم إنشاؤها لمكافحة التمييز العنصري في تونس، وتحاول المجموعة تسليط الضوء على الصعوبات والتحديات التي يواجهها التونسيون السود وغيرهم من أبناء البشرة السوداء الذين يعيشون في تونس.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية